آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أشار المحلل السياسي، محمد بريك الحمروني، في حواره مع “أفريقيا برس”إلى أن”الدولة العميقة تشكل تحديا كبيرا للعمل الحكومي، حيث أن مواجهة اللوبيات المتفشية في الإدارة ومحاربة الفساد، عملية محكوم عليها مسبقا بالفشل بدون عملية جراحية شاملة لكافة المؤسسات والإدارات وبدون دعم حقيقي من الرئاسة.”
ورأى أن”السياسة الاتصالية للرئيس قيس سعيد بدأت في التآكل شعبيا، مع استمرار الوعود المتكررة في جميع الخطابات دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، محذرا من أن”الفشل في معالجة ملفات حارقة مثل الهجرة الغير نظامية وأزمة البطالة، يثير غضب كثير من الشباب ضد السياسات الحكومية، وهو ما يهدد الدولة في استقرارها خاصة مع غياب الإرادة السياسية الشاملة.”
وتوقع أن”تزيد الرسوم الجمركية التي فرضها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تونس من متاعب الإقتصاد التونسي”، مقترحا في ظل هذه الأزمة”تنويع الحكومة التونسية الشراكات التجارية وتنويع أسواقها، خاصة نحو إفريقيا أو الأوروبي والصين وروسيا لتعويض الخسائر المحتملة في السوق الأمريكية.”
محمد بريك الحمروني هو محلل سياسي تونسي، ورئيس منظمة “عين تونس” الخدمية، ومؤسس الجمعية الوطنية للفكر البورقيبي. يُعرف بنشاطه في مجال العمل المدني والتنموي، حيث قاد حملات توعية سياسية، منها حملة “100 ألف وردة” في 2019 التي هدفت إلى تشجيع المشاركة السياسية بين الشباب التونسي. كما ألقى كلمة في حفل تخرج الدفعة الأولى من قيادات منظمة “عين تونس” تحت شعار “لتونس علم يحميها”. يُستضاف الحمروني بانتظام في وسائل الإعلام لتحليل القضايا السياسية التونسية والإقليمية، مثل ملف ترسيم الحدود بين تونس وليبيا.
ماهو قراءتك لإقالة رؤساء الحكومات في تونس، هل تعتقد أن هذا المنصب يستحقه أبناء الإدارة أم السياسيين ؟
إن الإقالات المتكررة والغير المنتظمة لرؤساء الحكومات في تونس منذ ثورة 2011 إلى حد الآن، هو دليل على أن البلاد مازالت في الفترة الانتقالية مهما كانت مسمياتها، كما أنها نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية أو فشل في السياسات العامة، وفي الأخير هي للتخفيف من حدة الضغوط الشعبية والاحتجاجات الاجتماعية، ما يدفع من رئيس الجمهورية في الفترة الأخيرة لاستبدال الحكومات كرد فعل سريع لإرضاء الشارع والمحافظة على شعبيته.
وفي حال تونس اليوم وما يقتضيه دستور 2022 من صلاحيات مطلقة لرئيس الجمهورية ولرئيس الحكومة في إدارة الشأن العام بعيدا عن البرلمان، فإن كل مسببات الفشل لرؤساء الحكومات السابقة قد زالت، لكن عاد الشارع التونسي والنخب السياسية للجدل على استحقاق هذا المنصب بين (أبناء الإدارة وما تتمتع به الكفاءة الإدارية) وبين (السياسيين الموالين لرئيس الجمهورية ) في ظل أزمة اقتصادية ومالية خانقة ومتواصلة، وفي ظل وزراء يتسابقون على الفشل، فالحل الأمثل للخروج من هذا الجدل ومن هذه الأزمة، هي إيجاد رئيس حكومة يجمع بين الخبرة الإدارية والقدرة السياسية بعيدا على التحالفات والموالاة، خاصة في بيئة سياسية تشوبها الانقسامات، وبعيدا على الإدارة التي تشوبها شبهات الفساد والمحسوبية والشلل الوظيفي، وله برنامج إصلاح شامل وطموح يتمتع بتأييد المطلق لرئيس الجمهورية، وبدعم من حكومة كفاءات مصغرة ومنسجمة متكونة من أقطاب وزارية متكونة على هذا الشكل:
– وزارات السيادة الأربعة الداخلية، العدل، الدفاع والخارجية مع ضم كل من وزارات:
– وزارة النقل والتجهيز والجماعات المحلية والبيئة والملكية العقارية.
– وزارة التربية والتعليم العالي والتكوين المهني والشباب والطفولة.
– وزارة المالية والتجارة والتعاون الدولي والصناعة والفلاحة.
– وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية.
– مع إحداث وزارة جديدة للحوكمة والتخطيط.
هل بوسع رئيسة الحكومة الجديدة التصدي لللوبيات المتفشية في الإدارة والقضاء على الفساد في ظل العقبات التي تفرضها الدولة العميقة؟
إن مسألة قدرة رئيسة الحكومة التونسية الجديدة على مواجهة “اللوبيات” المترسخة في الإدارة ومحاربة الفساد في ظل وجود بما تسمى”الدولة العميقة” تُشكِّل تحديًا كبيراً للعمل الحكومي ومحكوم عليها مسبقا بالفشل بدون عملية جراحية شاملة لكافة المؤسسات والإدارات وبدون دعم حقيقي من الرئاسة. وهي من الأسباب الرئيسية لإفشال الإصلاحات الاقتصادية والإجتماعية المنتظرة، لا سيما مع تشابك المصالح بين النخب الاقتصادية والسياسية والأمنية والقضائية والإدارية عبر كبار الموظفين وأصحاب رؤوس الأموال والمتعاملين مع الخارج، هذه الشبكات تَستخدم الفساد كآلية لضمان الولاءات وحماية الامتيازات. كما يمكن أن تستخدم الإدارة لتُعطِّل أي إصلاحات عبر التماطل في التنفيذ، أو تسريب معلومات، أو استخدام “الحيل القانونية” لإفشال القرارات الجذرية، فبدون إصلاح الجهاز التنفيذي لا يمكن المرور للبناء.
ماهو تقيمك لإدارة ملف الهجرة في تونس مع بدء الحكومة في ترحيل المهاجرين، والتي تزامنت مع انتقادات طالت السلطة بخصوص اتفاق الهجرة مع أوروبا؟
إن إدارة ملف الهجرة من قبل الدولة التونسية، خاصة في ظل التصعيد الأخير في عمليات الترحيل القسرية لآلاف التونسيين، وتفاقم أعداد المهاجرين الأفارقة بأعداد كبيرة في كل الولايات والأحياء التونسية، أثار الكثير من الانتقادات الموجهة للاتفاق مع الاتحاد الأوروبي وللرئيس الجمهورية قيس سعيد في شخصه من قبل الشارع التونسي، عبر تساؤلات عديدة عن السيادة الوطنية وثورة الكرامة والعدالة وحقوق الإنسانية، والأولويات الداخلية في ضل غياب تام لرؤية واضحة للخروج من هذه الأزمة من قبل الحكومة أو الرئاسة أو حتى برفض لعمليات الترحيل القسري لآلاف الشباب من قبل وزارة الخارجية، اليوم بات غضب الكثير من الشباب على هذه السياسات يهدد الدولة في استقرارها في غياب الإرادة السياسية الشاملة.
كيف تقيم السياسة الاتصالية للرئيس سعيد التي يراها المعارضون فاشلة، هل هي إستراتيجية مقصودة أم فقدان للخبرة؟
بالنسبة للسياسة الاتصالية للرئيس قيس سعيد بدأت في التآكل شعبيا، فالوعيد والوعود المتكررة في جميع الخطابات في سنواته الستة السابقة بدون أن تحقق أي نتائج ملموسة، على سبيل المثال ملف الشهائد المزورة فبرغم من وجود الآلاف منها لا نتيجة تذكر إلا الوعود بالمحاسبة، ورغم أن هذه السياسة الاتصالية في السابق تعزز ولاء قاعدة شعبية كبيرة، إلا أنها اليوم فقدت بريقها، فتركيز الخطاب الرئاسي على الأفراد والملفات التي لا يمكن معالجتها، كذلك الاختيارات الفاشلة لمسؤولين في الكثير من المرات يُضعف هيبة الدولة، ويزيد تآكل الثقة في المؤسسات وفي منصب رئيس الجمهورية.
أي تداعيات للرسوم التي فرضها ترامب على تونس، وهل تتوقع أن تفرض الإدارة الأميركية عقوبات على البلاد بسبب سوء تعاطيها مع ملف الحريات؟
بالنسبة لتداعيات الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على تونس مقارنة بدول عربية أخرى (كالمغرب ومصر بنسبة 10 بالمئة) (إسبانيا و إيطاليا 20 بالمئة )، فقد فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية بنسبة 28 بالمئة على الصادرات التونسية، وهي نسبة مرتفعة قد تؤدي إلى فقدان حصص سوقية لصالح دول منافسة في سوق زيت الزيتون أو في التمور، فزيت الزيتون (الذي تُصدِّر منه تونس 70 مليون دولار سنويًا للولايات المتحدة) والتمور، والتي كانت تتمتع بإعفاءات جمركية سابقة بموجب “النظام العام التفاضلي” الأمريكي. وبذلك قد يتراجع حجم الصادرات التونسية إلى السوق الأمريكية، التي تشكل 17.2 بالمئة من إجمالي صادرات تونس، بقيمة 359.7 مليون دينار (116 مليون دولار).
أما التداعيات الاقتصادية فهي أوسع، فقد تُفاقم الرسوم من الأزمة الاقتصادية التونسية، التي تعاني أصلاً من ارتفاع البطالة بنسبة (16 بالمئة) والدَّين العام، مع ذلك، هناك فرص غير مباشرة، مثل انخفاض أسعار النفط العالمي الذي قد يُخفِّض فاتورة الطاقة، وتراجع الدولار الذي قد يُقلّص خدمة الديون الخارجية.
وفي ظل هذه الأزمة يجب على الحكومة التونسية التحوُّل في الشراكات التجارية وتنويع أسواقها، خاصة نحو إفريقيا و الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا لتعويض الخسائر المحتملة في السوق الأمريكية. كما يُمكن أن تستفيد من توجه المستثمرين الأوروبيين للاستثمار في تونس، في ظل الانكماش الاقتصادي المتوقع في أوروبا.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس