احتجاجات في تونس بسبب أحداث المزونة

2
احتجاجات في تونس بسبب أحداث المزونة
احتجاجات في تونس بسبب أحداث المزونة

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. حمل شبان تونسيون خلال وقفة احتجاجية، الثلاثاء، السلطات، مسؤولية حادثة انهيار جدار مدرسة بمدينة المزونة في ولاية سيدي بوزيد، والتي راح ضحيتها تلميذين، منددين بتواصل الإهمال الحكومي بالجهات الداخلية.

وأبدى الشباب التي تجمهر أمام المسرح البلدي بالعاصمة وبشارع الحبيب بورقيبة معقل ثورة يناير 2011، غضبه من السياسات الحكومية القائمة. وردد شعارات معارضة للسلطات مثل” قتلنا الإهمال، لا للشعارات، نريد فعل وانجازات،” كما رفع الشباب أصواتهم عاليا مطالبين ب”الحرية والعدالة الاجتماعية.”

وقال أحد المتظاهرين، لـ”أفريقيا برس”، “في الواقع لم يتغير شيء، لا شيء غير الوعود، لقد ساءت الأوضاع، ونحن اليوم إزاء معركة طبقية بالأساس، وأعتقد أن الشارع سينظم نفسه من جديد، وسينتفض ضد الظلم والتهميش.”

ويعيش الشارع التونسي حالة من الاحتقان أعقاب انهيار جدار مدرسة بمدينة المزونة أدى إلى وفاة ثلاثة تلاميذ، وقد شهدت المدينة احتجاجات رفضا لما حصل للتلاميذ في المعهد.

ووفق شهود عيان وفيديوهات نشرها نشطاء بالمدينة، شهدت المزونة عقب مراسم التشييع، اشتعال إطارات مطاطية، وسط تعزيزات أمنية وصلت إلى شوارع المنطقة.

ونقلت وسائل إعلام عن مؤمن قرافة وهو ناشط بالمجتمع المدني بالجهة قوله “انتظمت جنازة مهيبة اليوم في المزونة، خرج فيها مئات المواطنين من عائلات الضحايا ومن تلاميذ المعهد الثانوي حيث كان يدرس التلاميذ”.

وأكد أن “التعزيزات الأمنية لم تشهدها المدينة حتى في أحداث ثورة 2011”.

وأردف قرافة “كانت هناك مشاعر جياشة بالألم والحزن على المتوفين، وشعور حاد بالوضع الأليم الذي وصلته المدينة المحرومة من التنمية والمهمشة منذ عقود”.

وبينما أعرب الرئيس قيس سعيد عن “عظيم ألمه لحادث وفاة التلاميذ بمدينة المزونة”. كما وجه خلال استقباله رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري بقصر قرطاج، “تعليماته بتحميل المسؤولية لكل من قصّر في أداء واجبه”، إلا أن الانتقادات لم تستثنيه بسبب المماطلة في الإيفاء بوعوده إزاء المناطق المهمشة والمحرومة.

ويعتقد متابعون أن الرئيس سعيد لن يستطيع هذه المرة إخماد غضب الناس أو التغطية على فشل فريقه الحكومي، أو التنصل من المسؤولية، حيث كشفت هذه الحادثة عن تواصل الإهمال الحكومي وافتقاد المسؤولين للخبرة والكفاءة، كما كشفت عن غياب رؤية وحلول تنموية تعيد الأمل والحياة للمناطق المهمشة.

ويشير الصحفي والمحلل السياسي وسام حمدي في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “كارثة المزونة أثبتت مرة أخرى أن البلاد تسير نحو المجهول، وأن كل الأنظمة المتعاقبة فشلت في ترسيخ عدالة اجتماعية بين مختلف مناطق البلاد، حيث منذ 2011 لم يتغير شيئا في ما يتعلق بالبنية التحتية للمناطق الداخلية التي ظلت مهمشة في مواصلة لنفس سياسات الفشل هذا في مستوى عام.”

وتابع “حكوميا، كشفت الكارثة الفجوة الكبرى بين الخطابات المنمقة للسلطة وبين الواقع. خاصة أن الرئيس وحكومته تعاملا باستعلاء معتمدين سياسة النعامة إلى أن تمر العاصفة. لأن الكارثة نجحت ورغم شدة وطأتها على الناس في كسر حاجز الصمت والخوف الذي بنى عليهما الحكم الفردي المطلق كل خطواته.”

واعتبر أن “الدليل على ارتباك السلطة أنها ومثلما كان متوقعا وجدت كبش فداء تمسح فيه فشلها عبر توقيف مدير معهد المزونة الذي لا يتحمل أبدا فشل سياسات الدولة طيلة عقود،” وفق تعبيره.

وبرأيه فقد “بات واضحا في تعامل السلطة مع الكارثة أن ما يهمها بالأساس هو قمع المحتجين لا مصارحة الناس بحقيقة الوضع، وتجلى ذلك عبر هرولتها لعسكرة المزونة، وضرب الأهالي بالغاز المسيل للدموع ليلة الحادثة، بدل البحث عن حلول تنموية حقيقية وخطاب جديد لا يكابر ويعترف بالواقع”.

وتوقع أن “تمهد كارثة المزونة إلى مرحلة جديدة في تاريخ البلاد، حيث خرج الناس من هاجس الخوف رغم أن المعبرين عن ذلك يعدون أقلية.”

وعلق “بالإمكان القول أن قيس سعيد ما بعد الحادثة لن يكون قيس سعيد ما بعد الحادثة.”

ورغم أن الحادثة من شأنها التأثير على شعبية الرئيس سعيد الذي اختاره الشارع لولاية ثانية في أكتوبر الماضي كبديل عن منظومة الحكم في العشرية الماضية، ولكونه شخصية مستقلة بعيدة عن الأحزاب وأجنداتها، مع ذلك مازالت حظوظ المعارضة في استمالة الشارع واسترجاع ثقته ضئيلة خاصة أنها مازلت تشكو التشتت وتفتقد للبرامج والبدائل.

ويبين الكاتب والمحلل السياسي محمد ذويب في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “مثل هذه الحوادث الأليمة من شانها المساهمة في تخفيض شعبية الرئيس سعيد، وقد تساهم في تآكلها، إلا أن الإشكال اليوم في غياب معارضة لم تتلوث يداها بالسلطة، كما يصعب على المعارضة اليوم توظيف هذه الحادثة والترويج لخطاب سياسي جديد أو طرح بدائل أخرى.”

وفي تقديره “من الصعب أن تتحلى المعارضة اليوم بالجرأة وأن تتحول قياداتها إلى منطقة سيدي بوزيد حتى تختبر مدى حضورها وشعبيتها لدى الناس، حيث فقد سكان المناطق الداخلية الثقة في كل السياسيين خاصة ممن تولوا الحكم في السابق.”

وبرأيه “ستكون لهذه الأحداث تأثيرات كبيرة على سلطة سعيد، أما من سيسارع في قطف نتائجها، فلا نرى اليوم من له القدرة على جني أو افتكاك ذلك.”

ويؤكد محللون أن حادثة مدرسة المزونة تحرج منظومة الحكم القائمة، غير أن تردي البنية التحتية بالمدن الداخلية هو ارث تناقلته الحكومات المتعاقبة وعلى مر الأنظمة التي عاصرتها البلاد.

ويلفت المحلل السياسي منذر ثابت في حديثه مع “أفريقيا برس” إلى أن “واقعة مدرسة المزونة هي واقعة تراجيدية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث تبين مدى إهتراء البنية التحتية وفقدان الوظيفية بالنسبة لهذه المؤسسات التربوية.”

وأضاف إن “هنالك حالة محرجة بالنسبة للمنظومة الصحية ومنظومة الطرقات، ولوضعية النقل العمومي. إضافة إلى وضع المؤسسات التربوية، التي عجزت عن القيام بالصيانة وأدركت مستويات غير مقبولة منذ سنة 2011.”

واعتبر أن” هذا الحادث التراجيدي من شأنه أن يقود الرأي العام إلى حالة من السخط، لكن لا يمكن القول أنه سخط موجه بصفة خاصة ضد السلطة القائمة.”

وخلص بالقول “هو غضب ضد منظومة كاملة أي منظومة 14 جانفي بالأساس، وحالة من خيبة الأمل بالنظر إلى التضحيات التي تقدمها الأسر التونسية من أجل تنشئة أبنائها، وبرأيي هي حالة من الغضب الاجتماعي غير قابلة للتوظيف السياسي المباشر.”

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here