آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أصدرت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية في تونس العاصمة، السبت، أحكاما أولية بالسجن تتراوح بين 4 سنوات و66 سنة بحق 40 متهما في القضية، بينهم 22 حضوريا، و18 غيابيا.
وتعقيبا على الأحكام، أشارت منية إبراهيم النائبة السابقة في البرلمان التونسي، وزوجة المعتقل السياسي عبد الحميد الجلاصي في حوارها مع “أفريقيا برس” بأن “هدف الأحكام هو ترهيب ما تبقى من قيادات المعارضة خارج السجن، وترهيب عموم المواطنين في حال اقترابهم من الشأن العام، “كاشفة عن “نيتها التوجه إلى المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان بهدف إثارة الملف الصحي لعبد الحميد الجلاصي بعد تدهور وضعه الصحي.”
واعتبرت أن “هذه الأحكام سياسية بالأساس، كما افتقدت جلسات المحاكمة لشروط المحاكمة العادلة بمحاولة القضاء القفز على أطوار المحاكمة والامتثال إلى التعليمات على حساب القانون”، وفق وصفها، مؤكدة “أن المعركة اليوم لا تتمثل فقط في تبرئة الموقوفين، بل كذلك في الدفاع عن الحقوق والحريات بالبلاد.”
واستبعدت “مراجعة السلطة سياساتها رغم ما أثارته الأحكام من انتقادات، حيث يعد هذا الملف ورقتها الرابحة التي تسترضي به دائرتها الضيقة، وتغطي به عن فشلها في تحسين وإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية”، وفق تقديرها.
ومنية إبراهيم هي عضو بالبرلمان السابق عن حركة النهضة، وزوجة المعتقل السياسي عبد الحميد الجلاصي. ولدت في 23 سبتمبر 1966 بسوسة. وتحصّلت على الباكالوريا في الآداب سنة 1986 ثمّ تحصّلت على الإجازة في علم النّفس سنة 1990. وقد تمّ إيقافها سنة 1994 وحكم عليها بسنة ونصف سجنا، لكن أطلق سراحها بعد شهر و نصف. كانت تحت الرّقابة الإداريّة مدّة 10 سنوات إلى حدود 2004.
بعد الثّورة أصبحت عضوا بالمكتب التّنفيذي لحركة النّهضة، كما شغلت منصب مكلّفة بمكتب المرأة والعائلة في الحركة إلى حدود جويلية /تموز 2012. كما كانت عضو مجلس الشّورى للحركة وعضو الجمعيّة العامّة لمنتدى المرأة والعائلة وعضو هيئة الحقوق والحرّيات وعضو هيئة الفرز.
ما حقيقة الأحكام الصادرة فيما يُعرف بـقضية «التآمر على أمن الدولة»، بصفتك زوجة السجين السياسي عبد الحميد الجلاصي المحكوم عليه بالسجن ثلاث عشرة عاما؟
الأحكام التي صدرت في القضية التي تعرف بالتآمر على أمن الدولة هي أساسا أحكام سياسية وليست أحكاما قضائية، لأن هذا الملف سياسي وليس ملف أمني أو قضائي أو قانوني، وقد بدأت الاعتقالات في هذا الملف يوم 11 فيفري 2023، بقرار سياسي، وكان مسار التحقيق خارج إطار الإجراءات القانونية التي تنص عليها المجلة الجزائية التونسية، طور التحقيق شابه العديد من الاخلالات، كذلك طور التقاضي الذي امتد على ثلاث جلسات، شابه العديد من الاخلالات، التي تضرب في الصميم ضمانات المحاكمة العادلة، بعد أن تحولت المحاكمة إلى محاكمة شبه سرية، وقد تم منع الصحفيين والمراقبين المحليين والأجانب، وحتى بعض عائلات الموقوفين السياسيين من حضور جلسة المحاكمة.
إذن هي أحكام سياسية لا علاقة لها لا بالقضاء ولا بالقانون، هي أحكام جاهزة وصادرة عن قضاء غير مستقل، يشتغل بالتعليمات، ويفتقد شرط الاستقلالية، وبالنسبة لنا كعائلات الموقوفين، فإن هذه الأحكام لا معنى لها، وهي مجرد أحكام سياسية لا غير.
أثارت هذه الأحكام جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية ووُصفت بالقاسية؛ ما السبب في رأيك؟
طبعا هذه الأحكام محل جدل واسع، وقد أثارت هذه القضية الجدل منذ بداية الإيقافات والاعتقالات، وقد بدأت الاعتقالات بجملة وحيدة وجهها يوم 10 فيفري مدير للشرطة العدلية إلى وزير العدل قال فيها بالحرف الواحد “يبدو وكأنه هناك تآمر على أمن الدولة”، ثم بدأت الاعتقالات يوم 11 فيفري فجرا، ويوم 25 فيفري، مثل الموقوفين أمام قاضي التحقيق بعد أن صدرت بحقهم بطاقات إيداع بالسجن، لكن منذ ذلك التاريخ لم يتلقي الموقوفين بأي قاضي، ولم يقع أي استنطاق أو بحث، أو أي شيء من هذا القبيل، وهو ما دفع تقرير صادر عن الأمم المتحدة إلى وصف الموقوفين ضمن هذه القضية بالمحتجزين خارج القانون، لذلك هي محل جدل قانوني وسياسي مستمر.
ما هي الاتهامات التي وجّهها القضاء لعبد الحميد الجلاصي؟
هناك نوعان من التهم التي وجهت للموقوفين، التهمة الأولى، متعلقة بتكوين وفاق إرهابي وقد توجهت أساسا إلى خيام التركي وكمال اللطيف ونور الدين البحيري، وبالنسبة لعبد الحميد الجلاصي فقد وجهت إليه تهمة المشاركة في وفاق إرهابي، وتحت هذا العنوان، هناك 17 تهمة بما فيها المس بالأمن البيئي والغذائي، وهي تهم موجودة بتقرير ختم البحث، يعني تهم جنائية وأخرى إرهابية.
ماذا حصل في الجلسة الأخيرة للمحاكمة بعد منع الصحفيين من تغطيتها، خصوصاً أنها اقتصرت على تقرير ختم البحث وإعلان صدور الحكم؟
في الواقع كان المشهد عبثيا وجنونيا بأتم معنى الكلمة، هذه الجلسة أرادوها أن تكون جلسة سرية، حيث تم منع الصحافة الوطنية والأجنبية من الحضور، كما تم منع بعض عائلات الموقوفين، إضافة إلى منع المراقبين المحليين والأجانب والبعثات الدبلوماسية وشخصيات وطنية وحقوقية من دخول قاعة الجلسة، كان هناك تواجد أمني مكثف، وفيما يخص أجواء المحاكمة فقد توقعنا المرور بقوة نحو قراءة تقرير ختم البحث، وإصدار الأحكام ورفض الاستنطاق والمرافعات، وهو ما حصل بالفعل، حيث قد تم القفز على كل أطوار ومراحل المحاكمة العادلة، بعد أن اختار القضاء تنفيذ التعليمات وتجاوز القانون.
هل تنوون الاعتماد على إجراءات قانونية لاستئناف أو نقض الحكم الصادر بحق عبد الحميد الجلاصي؟
في الواقع نحن نترقب نتائج اجتماع هيئة الدفاع، وستقوم بإعلامنا بمضمون قراراتهم والإجراءات التي سيتخذونها أعقاب صدور الأحكام، ونحن كعائلات ملتزمون بقرارات هيئة الدفاع في هذا الملف، وحسب القانون، ما صدر هو حكم ابتدائي، وسيقع استئنافه خلال عشرة أيام.
هناك من يدعو إلى تقديم شكاوى أمام المحاكم الدولية؛ هل هناك خطوات فعلية لديكم في هذا الصدد، وهل تجدونها مبررة؟
بالفعل، سنتوجه نحو القضاء الدولي لكن أمامنا شروط وإجراءات لتنفيذ هذه الخطوة، حيث يجب أن تستنفذ كل مراحل التقاضي على المستوى الوطني قبل التوجه نحو القضاء الدولي، وفكرنا كعائلات الموقوفين بالتوجه نحو المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان رغم أن تونس سحبت عضويتها منها مؤخرا، لكن نعلم أن تفعيل قرار السحب لا يتم إلا بعد مرور سنة، وشخصيا قررت التوجه إلى هذه المحكمة، وبدأت في خطوات فعلية في هذا الصدد، واتصلت بأحد المحامين في فرنسا واتفقت معه على إثارة الدعوة تحديدا فيما يخص الملف الصحي لعبد الحميد الجلاصي، ونأمل أن نباشر في هذه الإجراءات في آجال قريبة.
هل تمهّد هذه الأحكام لمزيد من التضييق والاستهداف ضد المعارضين في تونس؟
الهدف من الأحكام هو الترهيب لأن التضييق واستهداف المعارضين هو واقع معمول به منذ سنة 2022، تقريبا أغلب قادة المعارضة من مختلف التيارات السياسية، في السجون، والهدف من هذه الأحكام هو ترهيب ما تبقى من قياداتها خارج أسوار السجن، وترهيب عموم المواطنين من الاقتراب من الشأن العام، والاقتراب من الفعل السياسي، لأن هذا النظام لا يؤمن بالأجسام الوسيطة ولا يؤمن بالفعل الحزبي، ولا يؤمن بالعمل الجمعياتي المدني، ولا بالإعلام الحر، وهذه الأحكام هدفها مزيد من إحكام قبضة هذا النظام على السلطة. لكن نحن نقول له هيهات مازلنا موجودين، اليوم معركتنا مع هذا النظام ليس فقط البحث عن تبرئة الموقوفين السياسيين، بل معركتنا اليوم هي معركة استرجاع الديمقراطية، واسترجاع مكتسبات الحقوق والحريات في البلاد، هذه هي معركتنا الحقيقية.
هل هناك ملفات أخرى مفتوحة أمام القضاء بحق الجلاصي؟
بالنسبة لعبد الحميد الجلاصي فقط هذا الملف مفتوح أمام القضاء، ليس لديه قضايا أخرى.
ما ردّك على تدهور حالته الصحية في السجن، بعد الإفصاح مؤخراً عن ذلك؟
يجب التذكير أن عبد الحميد الجلاصي مكث في سجن بن علي 16 عاما، ما قاد إلى إصابته بمرض خبيث نتيجة ظروف الإقامة المتردية، وتحديدا بسبب كثرة المدخنين، وهو ما نجم عنه إصابته بمرض السرطان نتيجة التدخين السلبي وفق تقرير الأطباء.
اليوم، وبعد مرور سنتين من سجنه في ظل هذا النظام الاستبدادي الجديد، فقد طرق هذا المرض بابه، ويهدده بجدية في الرجوع مرة أخرى، ونحن نعلم أن عودة هذا المرض أخطر بكثير من نشأته أول مرة، وهذا الوضع الصحي الخطير والحرج، يستوجب رعاية خاصة وهي غير متوفرة في السجن، وتشكل هذه الظروف السيئة والمتردية في السجن سبب تدهور صحته وعودة المرض إليه، ويجب تذكير السلطة أنه لدى السجين حقوق إنسانية يجب توفيرها وهي من حق السجين على الدولة.
في رأيك، هل ستستجيب السلطات لدعوات منظمة العفو الدولية بالإفراج الفوري عن عبد الحميد الجلاصي وتوفير الرعاية الصحية اللازمة له؟
السلطات لن تستجيب لدعوة العفو الدولية أو أي منظمة أخرى للإفراج عن أي معتقل سياسي، لأن هذا الملف بالنسبة إليها هو حصانها الرابح، فالنظام القائم اليوم هو نظام فاشل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وماليا، المسألة الوحيدة التي نجح في انجازها هو اعتقال قيادات المعارضة، وبالتالي هذا الانجاز يغذي ويسترضي به دائرته الضيقة، لأن دائرة أنصاره تآكلت بسبب تراكم الفشل، وما تبقى هو دائرة ضيقة من الأنصار مازال يحتاجها ويغذيها من خلال هذا الانجاز وسيكون “غبيا” لو رمى هذه الورقة من يديه، فهو لن يسلم هذه الورقة، وسيحتفظ بها إلى آخر يوم من عمر هذا النظام، لذلك لن يتم الإفراج عن المعتقلين السياسيين إلا بمغادرة هذا النظام.
إلى أي مدى قد تزيد هذه الأحكام غير المتوقعة من تأزّم الوضع السياسي في البلاد؟
نحن نعيش أوضاع متأزمة في كل المجالات، رأينا كيف تحاصرنا أخبار الموت من كل جهة وجانب، هناك حالة اكتئاب جماعي في تونس بسبب تتالي الحوادث المؤلمة، وفيما يخص الوضع السياسي فهو وضع سيء مع إمساك شخص واحد بجميع السلطات بدون مساءلة ومراقبة ومحاسبة، إضافة إلى عدم استقرار حكومي، وبوجود برلمان مشلول الحركة، وإدارة مسلط عليها سيف الخوف، إضافة إلى ما يعيشه الوضع المالي والاقتصادي من صعوبات، وطبيعة الحال مثل هذه الأحكام من شأنها أن تزيد من تأزيم الأوضاع أكثر.
برأيك، هل تتجه تونس نحو الفوضى أم نحو الاستقرار؟
في الواقع ليس بوسعي الرد عن هذا السؤال، لكن يجب الإقرار في المقابل، بأن الشعب التونسي متعب ومرهق منذ اندلاع ثورة يناير 2011، التي رفع فيها من سقف أحلامه وطموحاته، لكن للأسف الشديد النخبة السياسية بعد الثورة، لم تنجح في المنجز الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما جعله يرد بعنف عليها من خلال اختياره وتعليق آماله على رئيس من خارج دائرة الأحزاب التقليدية، لكن بدوره خيب هذا الرئيس كل الآمال باستحواذه على كل السلطات، وأفرغ كل مؤسسات الدولة من صلاحياتها واحتكرها دون أن يكون قادرا على أي انجاز، نحن نتفهم ما مر به شعبنا، لذلك أستبعد أن يختار الفوضى، كما استبعد الوصول إلى الاستقرار، في الواقع يصعب التكهن بمآلات المشهد السياسي في تونس.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس