عادل ضياف: منوال التنمية الحالي غير ملائم للمرحلة

1
عادل ضياف: منوال التنمية الحالي غير ملائم للمرحلة
عادل ضياف: منوال التنمية الحالي غير ملائم للمرحلة

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. عادت إشكالية التنمية إلى الواجهة من جديد في تونس، وذلك أعقاب حادثة انهيار جدار مدرسة بمدينة المزونة المهمشة في الآونة الأخيرة، حيث كشفت الحادثة عن سوء توزيع التنمية بين الجهات الداخلية، إضافة إلى تواصل تردي الخدمات.

وأقر النائب بالبرلمان التونسي، عادل ضياف، في حواره مع “أفريقيا برس” بأن “منوال التنمية الحالي لا يستجيب لمتطلبات المرحلة، وهو ما يتطلب مقاربة جديدة تأخذ بعين الاعتبار مشروع البناء القاعدي، وبناء مخططات التنمية من القاعدة إلى القمة (المركزي) وليس العكس”. وفق تقديره.

وبصفته نائبا عن جهة سيدي حسين، وهي من بين المناطق الفقيرة والمهمشة بالبلاد، فقد كشف أنه” حاول تجسيم بعض المشاريع المعطلة على أرض الواقع خاصة المتعقلة بقطاع النقل والمجال التربوي، بهدف تذليل الصعوبات والمعاناة اليومية للمواطن”. لافتا في ذات السياق إلى أن” البرلمان يعمل حاليا على معالجة ظواهر اجتماعية خطيرة والمنتشرة في تلك المناطق مثل المخدرات من خلال مناقشته الأساليب اللازمة للوقاية من تلك الآفة.”

ورأى أن “تحسن المناخ الاجتماعي هو رهن الذهاب نحو تشريعات ثورية”، وأن “البرلمان سيسعى من خلال دوره التشريعي والرقابي لإحداث نقلة نوعية للمواطن على جميع الأصعدة.”

وعادل ضياف هو نائب بالبرلمان التونسي عن دائرة “سيدي حسين”، وهو عضو بلجنة الدفاع والأمن والقوات الحاملة للسلاح.

في انتظار جلسة حوارية مرتقبة مع الحكومة، برأيك إلى أي مدى تطابقت السياسات العامة للحكومة مع التوجهات والخيارات الكبرى التي تطرحها الرئاسة التونسية في معالجة الأوضاع؟

في علاقة بمدى تطابق السياسات العامة للحكومة مع التوجهات والخيارات الكبرى لرئاسة الجمهورية. فقد أكد رئيس الجمهورية قيس سعيد في عديد المجالس الوزارية على ضرورة أن تكون المقاربات في شتى المجالات شاملة، ووفق فكر جديد ومفاهيم بدورها تكون جديدة، حيث أكد على ضرورة مزيد مضاعفة الجهود في شتى القطاعات، وخاصة المجال الاجتماعي حتى يرفع الضيم نهائيا عن المواطن الذي عانى من الإقصاء والتفكير لعقود من الزمن.

وهذا في انسجام مع دستور 25 جويلية ومع التأسيس لدولة اجتماعية تقطع مع الرأسمالية وتعطي فرصة مهمة للمواطن، بأن يكون فاعلا. كما أكد رئيس الجمهورية في عديد المناسبات على ضرورة القطع مع البيروقراطية، وعلى أن تعمل كل مؤسسات الدولة بصفة متناغمة ومتجانسة من أجل تذليل الصعاب، وبأن يبادر كل مسؤول من موقعه باقتراح الحلول ويعمل على تحقيقها في أقرب الآجال. وقد تم تحقيق نجاحات في بعض المجالات، لكن هذا لا يخفي وجود بعض الإخفاقات التي يجب تلافيها مستقبلا. والبرلمان له دور كبير في هذا المجال في علاقة بالتشريعات التي ستؤدي إلى نقلة نوعية على جميع الأصعدة.

برأيك ماهي أهم الحلول التنموية التي يجب التسريع فيها لإنقاذ الجهات المحرومة، وتوفير الخدمات والحاجيات اليومية الضرورية وأبزرها إصلاح التعليم والنقل والصحة، على غرار مشكل شح المياه؟

بالنسبة لأزمة الشح المائي فهي أزمة هيكلية وليست أزمة ظرفية، وهي ناتجة عن خيارات سياسية قديمة زادت في تعميق الأزمة، ودمرت المنظومة المائية وساهمت في هدر الماء من خلال التعويل على الفلاحة لدعم التصدير في حين أن تونس دولة تعاني من ندرة المياه بالأساس. وبرأيي لا بد من مقاربة جديدة تعتمد على مصادر متنوعة من المياه، مثل تصميم الصرف الصحي المعالجة للمياه، وطرق ري مقتصدة للماء، وتحلية مياه البحر وغيرها من التقنيات المقتصدة للماء، لأن الحروب القادمة هي حروب الماء. كما أن الإطار القانوني غير مكتمل، لذلك لابد من تشريعات جديدة ورائدة في مجال الاقتصاد في الماء، فمجلة المياه تعود إلى سنة 1975، ولا بد من تجديدها. مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات المناخية الكبيرة في العالم جراء تلوث الهواء والاحتباس الحراري.

وفيما يخص قطاع التربية، فلابد أن نقر بأن المدرسة التونسية التي ظلت تاريخيا واجتماعياً شرف الجمهورية التونسية أصبح يتسرب منها سنويا قرابة 100 ألف تلميذ وتلميذة وجزء كبير من هذه الفئة يرتدون إلى الأمية، ومهددون بالسلوكيات المحفوفة بالمخاطر في ظل غياب حل جذري، وحلقة وصل تربطهم بالتكوين المهني وتعمل على إدماجهم في سوق الشغل.

وفي ظل غياب رؤية واضحة، لابد من التسريع بتركيز المجلس الأعلى للتربية والتعليم من أجل وضع استراتيجيات واضحة المعالم للتربية والتعليم والتكوين المهني.ونكون بذلك قد ساهمنا في إنقاذ المدرسة العمومية.

أما بالنسبة لقطاع النقل فهي مسألة هيكلية بالأساس تعود في جزء منها إلى تقصير حكومي، وجزء آخر إلى الفساد الذي طال القطاع خلال السنوات الماضية، والكم الهائل من الانتدابات العشوائية التي تمت بعد الثورة. وهي عوامل ساهمت في تدهور أسطول النقل، مع غياب شبه كامل لخدمات هذا القطاع الحساس. ومع الخيارات الجديدة لرئاسة الجمهورية، والمتمثلة في تجديد أسطول الحافلات وإحداث عدة خطوط للقطار السريع، بدأ هذا القطاع يتعافى ويؤدي دوره الحيوي من جديد.

أما بالنسبة لقطاع الصحة، فهو أمام تحديات كبيرة خاصة في ظل النقص المتواصل للإطار الطبي، وشبه الطبي نتيجة الهجرة. علما وأن آلاف العائلات التونسية بالمناطق الداخلية والأحياء الشعبية تعاني من الخاصة والفقر ولا يمكنها اللجوء إلى القطاع الخاص للحصول على حقها الدستوري في العلاج. لذلك لابد من العمل على إيجاد الحلول الكفيلة بإصلاح المنظومة الصحية، ومنظومة صناعة الأدوية في تونس.

كما يجب ونحن في مرحلة البناء والتشييد، أن نقر أن منوال التنمية الحالي لا يستجيب لمتطلبات المرحلة، لأن جل الاقتصاديات العالمية أصبحت رقمية وتعتمد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. ولابد من مقاربة جديدة تأخذ بعين الاعتبار مشروع البناء القاعدي، وبناء مخططات التنمية من القاعدة إلى القمة (المركزي) وليس العكس.

كعضو بلجنة الدفاع والأمن بالبرلمان التونسي، ماهي أولويات اللجنة في هذه المرحلة والتشريعات التي تنظر فيها أو تعمل على اقتراحها؟

لقد ترأست لجنة الدفاع والأمن والقوات الحاملة للسلاح وحاليا عضو بها، لكن عندما كنت أترأسها خلال الدورتين السابقتين تمكنت من تمرير أربع مشاريع قوانين، وحظيت بالمصادقة من قبل أعضاء مجلس النواب. كما أننا ضغطنا من أجل استصدار الأمر المنظم لاستعمال طائرة الدرون. وسيعرض قريبا على مجلس الوزراء. أما بالنسبة للمرحلة القادمة، فقد وضعت اللجنة برنامجا يتمثل في عقد جلسات استماع حول مقترح القانون عدد 10/2025 المتعلق بتنقيح القانون عدد 112 السنة 1983، الذي يتعلق بضبط القانون العام للجماعات العمومية المحلية والمؤسسات العمومية ذات السبغة الإدارية. وكذلك تنظيم زيارات ميدانية إلى عدد من المؤسسات والمنشآت بالنظر إلى وزارتي الدفاع والداخلية خاصة ذات العلاقة بالمسألة التنموية. كما تم اقتراح تنظيم يوم دراسي بالتنسيق مع الأكاديمية البرلمانية بمجلس نواب الشعب حول ظاهرة المخدرات وانعكاساتها على الأمن العام وسبب مكافحتها، والأساليب اللازمة للوقاية من هذه الآفة.

كنائب عن دائرة سيدي حسين، وهي إحدى المناطق الشعبية المهمشة، ماهي تحركاتكم ومقترحاتكم لتحسين الوضع المعيشي للسكان هذه الجهة، وقد وصفت الوضع بسيدي حسين بأنه ليس ببعيد عن وضع سكان المزونة؟

بالنسبة لمنطقتي سيدي حسين فقد حاولت قدر الإمكان، وبما يتيحه لي دستور 25 جويلية، أن أدفع وبالتعاون مع جميع الأطراف بالمشاريع المعطلة حتى تنفذ على أرض الواقع خاصة في المجال التربوي (بناء المدارس وتوسيعات وصيانة وإحداث مطاعم مدرسية وتوفير نقل مدرسي لتلاميذ مدرسة بيرين…). وفي المجال الشبابي والرياضي وذلك بالتسريع في بناء المركب الشبابي والرياضي بمدينة عمر المختار والمركب الشبابي ببرج شاكير، وننتظر المركب الشبابي والرياضي بعمادة 20 مارس، والمركب الشبابي والرياضي بحي الفتح وملعب البلديات، وذلك في إطار تقريب هذا الحق الدستوري من شباب وأطفال كافة الأحياء بالمنطقة، وحمايتهم من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر مثل المخدرات والعنف والهجرة الغير شرعية.

أما في مجال النقل فقد ساهمت في تذليل عديد الصعوبات خاصة بعقد عدة جلسات مع ممثلي وزارة النقل، وبرمجت عدة خطوط ربط بالحافلات مع القطار السريع، وهو ما ساهم في تعزيز أسطول النقل في المنطقة، وذلل المعاناة اليومية المواطن في مجال النقل. أما بالنسبة لقطاع الصحة فقد ساهمت في تزويد مراكز الصحة الأساسية بعدة تجهيزات طبية في إطار برنامج (الصحة عزيزة). أما في المجال الأمني فقد تواصلت مع ممثلي وزارة الداخلية، وتمكنت من تعزيز أسطول السيارات، وذلك بتوفير 3 سيارات جديدة للأسطول.

كما أن المشكل البيئي يمثل تحديا كبيرا أمام المنطقة، وعائقا أمام التنمية وجلب الاستثمار خاصة في ظل وجود أكبر مصب مراقب للنفايات في الجمهورية، و هو مصب برج شاكير وفي ظل وجود سبخة السيجومي، لذلك لابد من التفكير في بعث مشاريع لتثمين النفايات وإنتاج الطاقات البداية والنظيفة لامتصاص البطالة وتغطية العجز الطاقي للمنطقة.

لكن رغم هذه المشاكل والصعوبات، ستتمكن بإذن الله من إحداث تغيير ايجابي لمنطقتنا التي تنتظر منا الكثير، خاصة بعد انتخابات المجالس المحلية التي ستلعب دورا هاما خاصة فيما يتعلق بالتنمية المحلية، وذلك بالتعاون المشترك بين جميع الأطراف.

هل تعتقد أن الوضع الاجتماعي مهدد بالانفجار في تونس في حال لم تنجح الحكومة في الاستجابة لمطالب المحتجين في قطاعات متعددة؟

في ظل التوجه الحالي نحو إرساء دولة اجتماعية ستتمكن تونس من القطع مع الاستعباد، وهيمنة الاقتصاد الريعي، وستتمكن الطبقة المهمشة من استعادة حقوقها المشروعة التي نادت بها الثورة وهي الشغل والحرية والكرامة الوطنية. لذلك فإن تحسن المناخ الاجتماعي سيكون نتاج التشريعات الثورية ذات العلاقة بهذا المجال.

ذكرت في تصريح سابق أن ملفّ المهاجرين غير النظاميين يتطلب تنقيح قوانين وسنّ تشريعات جديدة تأخذ بعين الاعتبار الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بين تونس ودول أفريقيا جنوب الصحراء والاتحاد الأوروبي، هل برأيك المقاربة الأمنية لا تكفي لمعالجة هذا الملف؟

ففيما يخص موضوع الهجرة غير الشرعية للأفارقة جنوب الصحراء، فإن الحل لا يمكن أن يكون تونسيا فقط بل يجب أن يكون بالتنسيق مع الدول المجاورة. كذلك الحل يجب أن يكون إقليميا ودوليا لأن المسألة معقدة والاتفاقيات الدولية والتشريعات الحالية في علاقة بالهجرة الغير نظامية غير قادرة على إيجاد الحلول المناسبة بهذا المشكل المعقد. لذلك لابد من مراجعة هذه الاتفاقيات ثنائية كانت أو متعددة الأطراف، والتوجه نحو تشديد العقوبات في علاقة بالهجرة غير الشرعية واجتياز الحدود خلسة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here