آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. تتساءل أوساط سياسية تونسية عن مدى قدرة ملف إيقاف المحامي والقاضي السابق أحمد صواب على لم شتات المعارضة وتجميعها وتوحيدها في مواجهة ضغوط السلطة، وذلك بعد ما أبدته أطياف سياسية متنوعة من تضامن واسع مع صواب، ونزولها إلى الشارع للتنديد بقرار إيقافه.
وشاركت غالبية الأحزاب السياسية، الجمعة الماضي، في مسيرة حاشدة، انطلقت من مقر نقابة الصحفيين إلى شارع الثورة بالعاصمة، للمطالبة بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين. وجاءت المسيرة بدعوة من عائلة صواب، بعد أيام على اعتقاله وإيداعه السجن، على خلفية تصريحات له تتعلق بملف “التآمر على أمن الدولة.”
وتتباين الآراء بخصوص قدرة المعارضة التونسية على لم شتاتها، بين آراء اعتبرت أن إيقاف صواب يعيد الأمل في فرص تجميع المعارضة لالتقائها في ملف الدفاع عن الديمقراطية والحريات ومناهضتها لمسار 25 جويلية، وأخرى تستبعد ذلك بسبب ما تعانيه المعارضة من انقسامات حادة، حيث تقف الخلافات الإيديولوجية حجر عثرة أمام أي فرص للتوحد.
وأشار حسام الحامي، منسق ائتلاف صمود المعارض وأحد مؤسسي شبكة التونسية للحقوق والحريات، في حديثه مع “أفريقيا برس” إلى أن “أحمد صواب شخصية محل إجماع لكل الطيف المدني والسياسي الديمقراطي، وقد رأينا الحضور المهم والمتنوع في مسيرة الجمعة، حتى من بعض الأطراف السياسية التي كانت في وقت من الأوقات من المساندين لمنظومة 25 جويلية.”
وأضاف “الحراك الأخير كان ايجابيا وناجحا ويجب مراكمة هذه التجربة، كما أن أحمد صواب شخصية ذات رمزية باعتباره شخصية حقوقية وقانونية ولها وجهة نظر سياسية، وقد خاض عديد المعارك في المشهد التونسي.”
وعلق “ما حدث الجمعة يعيد لنا الأمل، بأنه كلما استمرت السلطة في هذه الممارسات، كلما عبر رفض الرأي العام عن رفضه لها عبر نزوله للاحتجاج، والتعبير عن موقفه بطرق سلمية وديمقراطية.”
وأوضح سهيل النمري رئيس حركة “مواطنون أنصار الوطن” في حديثه مع “أفريقيا برس” موقف الحركة من إيقاف صواب بالقول” في الواقع نحن مع قضاء عادل ومع قضاء خارج أطر المحاسبات الشخصية، كما نعتبر السجن هو حالة قصوى كعقوبة.”
وأردف “أحمد صواب لا نعتبره رجل قانون فقط بل هو رجل سياسة، وله مواقف سياسية، أما تأويل ما وقع، فهو مسألة قضائية لا نتدخل فيها، مع احترامنا للحريات ولحقوق الإنسان”، مبينا أن” مسيرة الجمعة هي ظاهرة صحية، لكن يبقى الحل لكل هذه الملفات والإشكاليات من خلال الذهاب إلى حوار اجتماعي.”
ضرب مسار الحريات
يأتي اعتقال أحمد صواب في سياق سياسي وقضائي متوتر تشهده تونس منذ أشهر، خاصة بعد إصدار الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب أحكاماً أولية بالسجن تتراوح بين 4 و66 عاما بحق 40 متهماً في “قضية التآمر على أمن الدولة”، من بينهم قيادات بارزة في حركة النهضة وشخصيات معارضة بارزة.
وبحسب شخصيات سياسية فإن مواصلة السلطة ضرب مسار الحريات بالبلد وتضييقها على خصومها ومنتقديها، من شأنه أن يقوي جبهة المعارضة ويعيد حضورها وثقلها في المشهد السياسي من جديد، وقد كشفت مسيرة الجمعة التي حضرها أعداد هامة من مختلف الأجيال والعائلات السياسية عن قدرة المعارضة رغم ما عاشته من نكسات، على حشد الشارع من جديد.
ويقول شكري عنان، الناطق الرسمي باسم حركة حق في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن “إيقاف أحمد صواب وتوجيه تهم خطيرة جدا له على معنى قانون الإرهاب والمجلة الجزائية والمرسوم 54، يعتبر حلقة أخرى من حلقات ضرب مسار الحريات والحقوق في تونس وترهيب جميع المعارضين للسلطة. وقد عبرت حركة حق عن إدانتها لواقعة اعتقال أحمد صواب وتضامنها المطلق وغير المشروط معه في موقفها الرسمي الصادر في البيان المؤرخ في 23 أفريل 2025.”
وأكد في هذا الصدد، أن “إيقاف أحمد صواب لن يضعف حملة المطالبة بالحقوق والحريات بقدر ما سيقويها وهو ما بينته المسيرة الحاشدة لمساء الجمعة 25 أفريل 2025، والتي كانت استجابة لمبادرة عائلة المعتقل أحمد صواب وشاركت فيها حركة حق إلى جانب قوى الشباب الوطني والقوى الوطنية المدنية من أحزاب ومنظمات المجتمع المدني وشخصيات وطنية وأكاديميين للمطالبة بوقف الإعتقالات وإطلاق الحريات وإطلاق سراح المساجين السياسيين وتحقيق الديمقراطية الحقة.”
ولفت إلى أن ” حركة حق تتساءل عن طبيعة الأفعال التي ارتكبها الأستاذ أحمد صواب ليحال بتهم لها علاقة بالإرهاب وهو المعروف باعتداله ودفاعه عن مدنية الدولة والنظام الجمهوري والحقوق والحريات بمفهومها الكوني الإنساني، في حين يعقد حزب التحرير مؤتمره السنوي تحت شعار “سقوط دولة الحداثة وحتمية دولة الخلافة”.
وبرأيه “هذا الشعار في حد ذاته يستبطن جميع المفاهيم التي بمقتضاها تحرك الدواعش والجماعات الإرهابية المتطرفة لإسقاط الأنظمة الحداثية برفع السلاح وإراقة الدماء والقتل والحرب والسبي وتدمير دول وشعوب والقضاء على مقومات دولة القانون والحداثة بمنطق تطبيق الشريعة وإقامة الخلافة. وهنا جدد التساؤل كحركة حق حول ” بقاء حزب التحرير في تونس ناشطا وهو الذي لا يؤمن بالجمهورية ولا الدولة المدنية ولا التعددية ولا الديمقراطية، وفي نفس الوقت تتواصل موجة الإيقافات في صفوف السياسيين والنشطاء المدافعين عن الحرية والعدالة والديمقراطية والتعددية وآخرهم وليس أخيرهم الأستاذ أحمد صواب”.
ويتسق رأي عنان مع رأي النائب محمد علي الذي أقر بدوره بتدهور واقع الحريات في البلد، وهي نقطة التقاء بين أطياف سياسية متنوعة. ورأى في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “الحراك الاجتماعي الأخير كان واسعا لطبيعة السبب المباشر الذي يتنزل في سياق وضع الحقوق والحريات عموما، والذي بدوره يعاني من حالة تدهور ملحوظ خاصة مع وجود قوانين أدى استعمالها إلى توسع التجريم وخلق أزمة.”
وأضاف “ثم إن الأستاذ أحمد صواب شخص محترم جدا يمكن أن نختلف معه، لكن لا يمكن أن نختلف في أنه شخص مدني وحقوقي ودافع منذ القديم عن مدنية الدولة. أحمد صواب كانت له أدوار حقوقية في مقاومة ثقافة الإرهاب والتكفير والاستبداد لهذا كان محل إجماع لحظناه، ولا يمكن اليوم أن يحال ويودع بالسجن لمجرد أنه عبر بطريقة مجازية عن عدم استقلالية القضاء، والأغرب أن يحال على قائمة طويلة عريضة من التهم الإرهابية شبيهة بتهم أبي عياض وأبي بكر الحكيم تفتقر حتى للذوق القانوني للقاضي.”
ويبدو أن”توسيع دائرة التجريم باستعمال قانون مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال واستعمال المرسوم 54 سيسمح بتوسع قوائم المتضررين من هذا التجريم المكثف للناشطين والمدونين والحقوقيين والمطالبين بحقوقهم الدستورية في الصحة والنقل، وفشل النظام في الاستجابة لهذه الطلبات سيوسع فعلا من دائرة المعارضين لنظام الحكم”، وفق تقديره.
الشخصية الرمز
وبالنسبة لشخصيات سياسية معارضة فإن المحامي أحمد صواب هو بمثابة الشخصية “الرمز” الذي بوسعها توحيد المعارضة التونسية، وهو ما عكسه بالفعل تضامن أحزاب محافظة مثل حركة النهضة وغيرها من العائلات السياسية مع صواب وشجبها قرار إيقافه، وهو ما قد يؤشر إلى تشكيل مبادرات سياسية أو جبهات معارضة في آجال قريبة لأجل الاصطفاف ضد السلطة.
ويقول فوزي الشرفي، أمين عام حزب المسار المعارض، في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن “إيقاف أحمد صواب يأتي بعد سلسلة من الإيقافات التي يتجلى فيها الخلط بين القضاء وإرادة السلطة التنفيذية وذلك تحت شعار القضاء على الفساد واللوبيات، بهذا العنوان أعطت السلطة التنفيذية إشارات وتعليمات للقيام بهذه الإيقافات، ونحن نؤيد كل من تورط بالفعل في أي جريمة وأي ملف، لكن دون خلط أو توظيف للقضاء.”
وزاد بالقول “أحمد صواب هو من الشخصيات التي تدافع عن دولة القانون وبأسلوبه الخاص، وقد وقع تلفيق تهمه له.”
ووفق الشرفي”فقد بات البلد يعيش مشاهد سريالية مناقضة للديمقراطية، كما تكشف التحركات الاحتجاجية التي دافعت بقوة عن أحمد صواب، أنه بات بمثابة الشخصية الرمز، والذي بوسعه اليوم توحيد المعارضة وكل الناس التي تؤمن بضرورة الدفاع عن الحريات.”
وتلفت أوساط سياسية إلى وجود مؤشرات نهوض المعارضة التونسية، وقد ساهم إيقاف أحمد صواب في اصطفافها في موقف موحد، كما ساهم ذلك في كسب المعارضة تعاطف الشارع، مقابل تراجع المؤيدين لتوجهات السلطة.
ولا يستبعد جيلاني همامي، القيادي البارز في حزب العمال في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “يكون ملف إيقاف المحامي أحمد صواب عامل تجميع في صفوف المعارضة الديمقراطية والتقدمية في تونس لأسباب كثيرة. أولا لطبيعة الشخص فهو قاضي سابق ومعروف بمواقفه وأول رئيس اتحاد القضاة الإداريين التونسيين وهو الآن محامي معروف في سلك له حساسية خاصة ضمن المجتمع المدني، وهو أيضا ناشط تميز بمواقفه الجريئة والصريحة في علاقة بقضايا الحريات والحقوق. ولا ننسى أنه واحد من أعضاء هيئة الدفاع في ملف التآمر”.
واستدرك “لكن إلى جانب ذلك نوعية الأسباب التي ارتكزت عليها السلطة في افتعال ملف ضد أحمد صواب والطريقة التي تم بها اعتقاله والتهمة الموجهة إليه وهي تشكيل وفاق إرهابي يتركب منه هو وزوجته وابنه وابنته هي عناصر مستفزة حرضت الجميع للنهوض ضد هذا المسار التعسفي الذي يبدو اليوم في نظر الجميع انه استهتار بالجميع وبالحد الأدنى من المنطق. وحتى لو تعلق الأمر بشخص آخر من الوسط الديمقراطي التقدمي كان من الممكن أن تكون ردة الفعل على هذا النحو بسبب الأسلوب الاستفزازي والتعسفي كما قلت”.
ومن جهة ثالثة “هنالك بشكل عام مؤشرات نهوض بصدد التطور تدريجيا يتضح من خلالها أن حالة الغضب تنتقل من مجرد التذمر إلى الرغبة في الاحتجاج وتدفع الغاضبين من أصناف متعددة ومتنوعة إلى الاتحاد في ساحة العمل الميداني. وبمعنى آخر فإن مبالغة قيس سعيد في أسلوبه الاستبدادي قد خلقت شروط النهوض والوحدة لعمل سياسي معارض أنا على يقين انه سيكون في الفترات القادمة أقوى واشد. إن تونس بصدد العودة إلى مشهد الاشتباك بين السلطة والمعارضة”، حسب الهمامي.
واستنتج “بما أن فشل قيس سعيد شمل ويشمل كل الميادين حتى تلك ذات المساس المباشر بحياة الناس واقصد الأوضاع الاجتماعية والحياتية فإن المعارضة لن تبقى في حدود النخبة المسيسة، وإنما ستنتشر وتتسع دائرتها الشعبية بالمعنى الحقيقي للكلمة.. المسألة مسألة وقت لا أكثر”.
ورقة الشارع
يعتقد محللون ومتابعون أن المعارضة التونسية بوسعها التوحد على خلفية الالتقاء في ملف الحريات، حيث بوسعها استثمار حالة الاحتقان في الشارع أعقاب الأحداث الأخيرة مثل حادثة انهيار جدار بمدينة المزونة، لأجل حشد الشارع وتوحيد مطالبها بضرورة تغيير المنظومة القائمة، والسعي نحو بدائل جديدة لأجل إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وما يزيد من فرص توحد المعارضة، رفض السلطة إلى دعوات إجراء حوار وطني شامل لأجل صياغة حلول مشتركة، ومضيها في إقصاء الأجسام الوسيطة في المشهد موظفة ما ارتكبته من أخطاء في العشرية السابقة لأجل تأليب الشارع ضدها، وهو ما يفرض على المعارضة تجاوز الخلاقات والعمل على صياغة برامج حقيقية لأجل إقناع التونسيين بقدرتهم على الإصلاح والتغيير.
ويبين الصحفي والمحلل السياسي صبري الزغيدي في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “مسيرة الجمعة شاركت فيها عديد الحساسيات السياسية والأيديولوجية المختلفة، والتي اتفقت حول أن الوضع السياسي في تونس ذاهب نحو مزيد الانغلاق من خلال المرسوم 54، ومن خلال التضييق على نشطاء حقوق الإنسان، وضرب استقلالية القضاء.”
وأبرز أن “هذه المسيرة التي لقيت مشاركة واسعة من أجيال مختلفة ومن أحزاب ومنظمات، عكست مدى الاحتقان الذي يشهده المشهد السياسي في تونس، وحجم التأييد الشعبي للدفاع عن مكسب الحريات التي تحاول هذه السلطة قضمه والتراجع عنه.”
وتوقع أن ” تفتح المسيرة الاحتجاجية الأخيرة آفاق كبيرة في النضال الواسع ضد السلطة السياسية لأجل الدفاع عن الحقوق والحريات وحقوق الإنسان بصفة عامة”.
مع ذلك تستبعد أراء أخرى أي فرص لتجميع المعارضة وذلك بسبب ما تعانيه من انقسامات وفقدانها البرامج، كما أن الشارع لفظ كل نخبه السياسية وبات في حالة عزوف عن الشأن العام، وهو ما كشفته الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة.
ويعتقد المحلل السياسي خالد كرونة في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “ما حصل الجمعة وما قد يحصل في مناسبات قادمة، لا يشكل أمارة على أن المعارضة في طريقها إلى توحيد نفسها. أهم سمة للحظة الحالية أنها لحظة بلا سياسة. ومجمل هذه التحركات تجري تحت يافطة حقوقية تنشغل بظروف إيقاف هذا المشتبه به أو ذاك، أو بمعايير المحاكمة العادلة.”
وخلص بالقول “ومن هنا، جاز القول إننا بلا معارضة واقعيا لأننا لا نعثر على غير “خردة” سياسية بلا برامج ولا أفق ولا طرائق عمل جديدة ولا برنامج سياسي ولا خطط للتحرك.”
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس