آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. قدم النائب بالبرلمان التونسي حسن جربوعي في الآونة الأخيرة مقترحًا يخص ديوان الأراضي الدولية، والذي يتكون من 11 فصلاً، ويهدف بالأساس إلى تنظيم التصرف في هذا القطاع خدمة للقطاع الفلاحي.
وكشف حسن جربوعي في حواره مع “أفريقيا برس” تفاصيل هذه المبادرة، حيث أكد أن “وضعية الأراضي الدولية الحالية تتطلب تدخلًا على مستوى تشريعي، يرافقه برنامج استثماري لإنقاذ وحدات الإنتاج والتصنيع التابعة للديوان، الذي يعاني من وضعية مركبة لا يقتصر حلّها على النصوص القانونية، وإنما تتطلب رؤية جديدة للقطاع ولتصرّف الدولة في الأراضي الفلاحية ككل، لتحقيق الأمن الغذائي”، وفق تقديره.
وبرأيه “من أجل تحديد إستراتيجية موحدة لهذا القطاع الحيوي في الاقتصاد، لا بد من توحيد هياكل التسيير، مع الأخذ بعين الاعتبار التفاوت المناخي لمناطق الإنتاج، وضرورة التسيير المباشر حيث لا يمكن لهيكل مركزي كديوان الأراضي الدولية أن يكون ملمًا بالإشكاليات المتعددة للمركبات الفلاحية، أو يتدخل بالسرعة والنجاعة المطلوبة لحلها.”
وبين في ذات السياق أن “دواوين الفلاحة مهترئة، بسبب العجز المستمر في توازناته المالية منذ عدة سنوات، مقرا بغياب التناسق بين ممثلي الوظيفة التنفيذية، في وضع إستراتيجية ترتكز على التوجهات الرئاسية لمعالجة إشكاليات القطاع، وأنه على الحكومة الالتزام بالتوجهات الرئاسية وتفعيلها على أرض الواقع”.
وحسن جربوعي هو نائب بالبرلمان التونسي، وهو عضو بلجنة الفلاحة والأمن الغذائي والمائي والصيد البحري.
كشفت في آخر تصريحاتك أن دواوين الفلاحة مهترئة، ماهي أهم النقائص التي رصدتها في هذا القطاع كعضو لجنة الفلاحة بالبرلمان؟
ديوان الأراضي الدولية يشهد عجز مستمر في توازناته المالية منذ عدة سنوات، نتيجة تراجع إمكانياته المادية والبشرية، في ظل غياب استراتيجيات للنهوض بالديوان، كي يلعب دوره الأساسي الاقتصادي في تعديل السوق عند ذروة الاستهلاك والاجتماعي في توفير مواطن الشغل في المناطق الداخلية، للمساهمة في الحد من ظواهر النزوح والهجرة.
الديوان الوطني للزيت، والذي يعاني من نقص فادح في الإمكانيات المادية والبشرية (نقص فادح في الموارد البشرية سواء المختصة أو الغير مختصة) وتراجع مكانته في السوق الوطنية والعالمية، حتى أنه هذه السنة وفي ظل صابة قياسية قدرت 340 ألف طن من الزيت، وبالرغم من التعليمات المسداة من طرف السيد رئيس الجمهورية، لم يتمكن من شراء سوى 3000 طن وهي كمية ضئيلة، لم تساعد على وقف التراجع المتسارع في الأسواق مما أضر بالمنتوج الوطني داخليا وخارجيا.
ماهي القرارات الاستثنائية والإستراتيجية التي يجب اعتمادها في إدارة ديوان الزيت دون اللجوء إلى حلول ترقيعية، وفق تقديرك؟
توفير الإمكانيات المادية والبشرية لديوان الزيت، ووضع برنامج يرتكز علي إستراتيجية التصرف حسب الأهداف والمراقبة البعدية، مما يمنحه مزيد من الليونة في التصرف حتى يتمكن من منافسة القطاع الخاص.
قدمت مؤخرا مقترح قانون لتنظيم التصرف في الأراضي الدولية الفلاحية، ماهي تفاصيل وأهداف هذا القانون، وهل تتوقع أن يقع تمريره في البرلمان أم لا؟
يهدف هذا المقترح لحوكمة التصرّف في الأراضي الفلاحية، التي تمتلكها الدولة، والتي تضعها على ذمّة ديوان الأراضي الدولية أو على ذمّة المستثمرين الخواص على وجه الكراء.
تنقسم الأراضي الفلاحية التي تمتلكها الدولة إلى أراضي يقوم الديوان باستغلالها عن طريق المركبات الفلاحية، وأخرى توضع للكراء بأوجه مختلفة، وتخضع لإشراف الوزارة المكلفة بالفلاحة والوزارة المكلفة بالشؤون العقارية، وفي صورة استرجاعها من الخواص يكلف الديوان باستغلالها مؤقتا.
وقد خلقت هذه الوضعية عدم وضوح الرؤية بخصوص أولويات الإنتاج الفلاحي، وتذبذبا للسياسات الفلاحية تلاشت على إثره معظم منظومات الإنتاج، وشهدت أزمات حادة منها الحليب، القوارص، التمور، الحبوب، الطماطم، ولم يكن بالإمكان تحديد المسؤوليات، ومعالجة القصور بالنظر إلى تعدد المتدخلين من هياكل الدولة، ممّا شكّل عائقا أمام بلوغ الأمن الغذائي وتحقيق نسب نموّ متوازنة للقطاع الفلاحي، الذي أصبح متأثرا بنسبة تكاد تكون كلية بالعوامل المناخية، برغم المجهودات المبذولة لإحداث مناطق سقوية (تحت إشراف هياكل وزارة الفلاحة والمندوبيات الجهوية للفلاحة).
ومن أجل تحديد إستراتيجية موحدة لهذا القطاع الحيوي في الاقتصاد، لا بدّ من توحيد هياكل التسيير، مع الأخذ بعين الاعتبار التفاوت المناخي لمناطق الإنتاج، وضرورة التسيير المباشر حيث لا يمكن لهيكل مركزي كديوان الأراضي الدولية أن يكون ملمّا بالإشكاليات المتعددة للمركبات الفلاحية، أو يتدخّل بالسرعة والنجاعة المطلوبة لحلها، كما لا يمكنه أن يوفّر الميزانية المطلوبة للصرّف والاستثمار في غياب الموارد، حيث كما هو مبيّن في الجزء المخصص للتشخيص، لا يوفر الديوان حاجيات المركبات من نفقات الاستثمار، ويضطرّ إلى توزيع المداخيل على أعباء الاستغلال وخلاص الديون المستوجبة، وقد تسبّبت هذه المقاربة في التصرّف في الإضرار بالمركبات الفلاحية، التي تحقق أرباحا ولا تتمتع باعتمادات مالية كافية لإعادة الاستثمار والحفاظ على ديمومة نشاطها.
وأمام شحّ الموارد المالية الخارجية سواء بالنسبة للاقتراض أو من ميزانية الدولة، يجد الديوان صعوبة في توفير مستلزمات الإنتاج والاستثمار في البنية التحتية وأدوات الإنتاج، وتصبح بعض المركبات الفلاحية، التي كانت تدرّ أرباحا هامة مهددة بتوقف النشاط.
وبالتالي أصبح الاعتماد على عقود برامج في طريقة تسيير المركبات الفلاحية من قبل الديوان، غير ذي معنى حيث لا تتمتع المركبات الفلاحية بأدنى الصلاحيات لاتخاذ القرارات المناسبة وخاصة المتعلقة بنوعية النشاط والانتدابات، وحيث تجد بعض المركبات نفسها مضطرة لتوفير منتوجات بسعر تكلفة أعلى بكثير من المستوى الوطني، والتكفل بتشغيل عدد من العملة يفوق طاقتها، ليتحول ذلك إلى تقهقر في المردودية طبقا للقاعدة العلمية الثابتة في الاقتصاد.
كما تمثّل الأراضي المسترجعة من الخواص، لعدم الإيفاء بالتزاماتهم المالية عبئا على الديوان، الذي يكون غير قادر على التصرّف فيها واستغلالها لعدم توفر الإمكانيات المادية والبشرية، مما يجعلها عرضة للإهمال، وتقهقر لقيمتها الأصلية نتيجة الاعتداء على ممتلكاتها من الغير (السرقة واقتلاع الأشجار واستغلالها كمراعي…) وغياب الصيانة.
كل ذلك يؤثر على الإنتاج النباتي والحيواني، ويتسبّب في تراجع المردودية ونقص موارد الدولة، إضافة إلى استباحة التعدي على هذه المستغلات، وما ينجر عنها من تصرفات غير قانونية.
وتعود هذه الوضعية بالأساس إلى غياب المتابعة والمراقبة المباشرة والمستثمرة، مع غياب الإحاطة أثناء فترة كراء هذه الأراضي الدولية سواء في شكل شركات إحياء وتنمية فلاحية، أو في شكل مقاسم فنيّة أو أراضي مخصّصة للفلاحين الشبان والمتعاضدين القدامى.
يقتضي التصرّف المحكم في الأراضي الفلاحية، التي هي على ملك الدولة أن يتم استغلال هذه الأراضي ضمن إطار مؤسساتي موحّد على مستوى كل إقليم، وذلك بإحداث ديوان فلاحة بكل إقليم يتعهّد باستغلال الأراضي الفلاحية الدولية التابعة ترابيا للإقليم سواء بصفة مباشرة عن طريق المركبات الفلاحية الحالية أو عن طريق الكراء.
يكون ديوان الفلاحة قادرا على تسييرها ومراقبة انجاز مشاريعها ومسؤولا عن ضمان مردوديتها، كوحدات إنتاج تعمل في محيط تنافسي مع إخضاعه لسلطة إشراف الوزارة من حيث تطبيق السياسة العامة للقطاع الفلاحي، ودون تحمّله للمديونية المثقلة حاليا على ديوان الأراضي الدولية، والتي يستوجب استيعابها حل الديوان، وتصفية ممتلكات ضمن برنامج خاص للتصفية، وخلاص ديونه من بيوعات أراضي الدولة الفلاحية المتواجدة وسط مناطق عمرانية.
ونظرا لمساهمة الدولة في هذه الوحدات الاقتصادية باعتبار ملكيتها للأراضي ولوسائل الإنتاج بها، من معدات وقطيع حيواني وتدخلها على مستوى السوق كتاجر، فإن الشكل القانوني المناسب لدواوين الفلاحة هي المؤسسات العمومية التي لا تكتسي صبغة إدارية، والتي تعتبر منشأة عمومية على معنى الفصل 8 من القانون عدد 9 لسنة 1989 المؤرخ في غرّة فيفري 1989 المتعلق بالمساهمات والمنشآت والمؤسسات العمومية.
إن وضعية ديوان الأراضي الدولية أصبحت تتطلب تدخلا على المستوى التشريعي، يرافقه برنامج استثماري لإنقاذ وحدات الإنتاج والتصنيع التابعة للديوان، وهي بالتالي وضعية مركّبة لا يقتصر حلّها على النصوص القانونية، وإنما تتطلّب رؤية جديدة للقطاع ولتصرّف الدولة في الأراضي الفلاحية ككلّ لتحقيق الأمن الغذائي.
فقد تعدّدت الحلول وبقي وضعها حيّز النفاذ رهين عدم توفّر الموارد المالية للدولة، وهو ما يقتضي البحث عن إصلاحات أعمق تمكّن من تعبئة الموارد المالية.وسنعمل على تمريره في أقرب الآجال.
ذكرت في تصريح أن وزارة الفلاحة في واد وسياسة الدولة في واد وهو ما يؤدي إلى خسائر للفلاح والمستهلك، لماذا الفريق الحكومي ليس متماثل مع توجهات وخيارات السلطة، وقد انتقلت هذه الفجوة إلى العلن؟
بعد أن وجهت 97 سؤلا كتابيا و12 سؤلا شفاهيا و107 مداخلة، وقدمت 25 مقترح قانون أصبحت عندي قناعة أن هنالك غياب للتناسق بين ممثلي الوظيفة التنفيذية، في وضع إستراتيجية ترتكز على التوجهات الرئاسية.
ماهي خطتكم ومقترحاتكم للنهوض بمعتمدية منزل شاكر خاصة فيما يخص مشاغل الشباب وانتظاراتهم، وهل حان الوقت لاعتماد منوال تنموي جديد في تونس؟
يرتكز برنامجنا بالنسبة لمعتمدية منزل شكر على 4 محاور أساسية:
من الناحية الاجتماعية عبر تقريب المرافق الصحية لمختلف التجمعات السكنية، وتحويل الدائرة الصحية بمنزل شاكر إلى مستشفى محلي مع توفير الحيطة اللازمة لأصحاب الاحتياجات الخصوصية وخاصة أمراض طيف التوحد، والعمل على النهوض بالوضعية الاجتماعية للعائلات المعوزة وأصحاب الدخل المحدود، والعمل على توفير النقل العمومي وخاصة النقل المدرسي، وذلك لبعد المدارس عن التجمعات السكنية، إلى جانب تقريب الخدمات إلى المواطن عن طريق التنسيق مع الوزارات المعنية، لوضع دور خدمات بمركزي منزل شاكر والبرمكي.
من الناحية الاقتصادية عبر التنسيق مع الإدارات المعنية لوضع مثال تهيئة عمرانية، والدفع مع أعضاء المجالس المحلية والجهوية المختصة بالتنمية بتطوير البنية التحتية لكل العمادات، وذلك لجلب الاستثمار المباشر مع الإحاطة بالمؤسسات المرتكزة حاليا بالجهة، وخاصة منها التابعة لديوان الأراضي الدولية، مثل مركبات السلامة وبوزويتة، وباعتبار الخصوصيات الفلاحية للجهة، فإننا نسعى لتوفير الدعم المادي والمعنوي لفلاحي الجهة، لتذليل الصعوبات وخاصة منها الإدارية.
أما من الناحية الثقافية، فإننا نعمل على تركيز مؤسسات ثقافية وشبابية تساعد على تأطير الناشئة.
هل تعتقد أن سياسة إطفاء الحرائق ستصمد في حال تزايدت حدة الغضب الشعبي جراء تردي مستوى المعيشة وتواصل الأزمة الاقتصادية؟
برأيي على الحكومة الالتزام بالتوجهات الرئاسية وتفعيلها على أرض الواقع.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس