أفريقيا برس – تونس. تراجعت تونس 11 مرتبة في التصنيف السنوي لـ”مراسلون بلا حدود” بشأن حرية الصحافة، حيث انتقلت من المرتبة 118 في 2024 إلى 129 في 2025، وهو “أكبر تراجع” في منطقة شمال أفريقيا، بحسب هذه المنظمة الدولية. ومنذ قرار الرئيس قيس سعيّد احتكار جميع السلطات في صيف 2021، تمت مقاضاة صحافيين ومحامين ومعارضين سياسيين بموجب المرسوم 54 وقانون مكافحة الإرهاب أو بتهم غسل الأموال. وتؤكد نقابة الصحافيين التونسيين أن أكثر من 60 شخصاً يتعرضون للملاحقة، بمن في ذلك عشرة صحافيين، استناداً إلى المرسوم 54 الذي أصدره سعيّد في 2022، والذي “يقمع الحرية” بحسب المعارضة التي تطالب بمراجعته.
في تصنيف “مراسلون بلا حدود” لحرية الصحافة لعام 2025 الصادر الأسبوع الماضي، شكلت الضغوط الاقتصادية الهاجس الأكبر في دول العالم، لأنها باتت “تشكل بدورها عائقاً مهولاً أمام ممارسة العمل الإعلامي، وهي التي تزداد حدة أكثر فأكثر”، بما في ذلك في تونس حيث “يتم العمل بقوانين التأثير الأجنبي لقمع الصحافة المستقلة”. وحذرت المنظمة من أن “ترهيب الصحافيين أصبح أمراً مألوفاً في تونس، حيث يتعرض الفاعلون الإعلاميون للاعتقال وتطاولهم المحاكمات بسبب طبيعة عملهم أو حتى بسبب تضامنهم مع زملائهم”. وأشارت إلى أن عام 2024 “شهد رقماً قياسياً جديداً تمثل في متابعة أكثر من عشرة صحافيين قضائياً بسبب قيامهم بعملهم، ومن بينهم الصحافي مراد الزغيدي، المحتجز منذ 11 مايو/أيار 2024″. ويوم الأربعاء الماضي، ندد محامون تونسيون بـ”الضغط القضائي” في حق الزغيدي، معتبرين أن هدفه “ترهيب الآخرين”. صدر بحق الزغيدي في 22 مايو 2024 حكم بالسجن لمدة عام، إثر تصريحات انتقد فيها السلطة. وفي نهاية يوليو/تموز، خففت عقوبته إلى ثمانية شهور. و”كان من المفترض أن يغادر السجن في يناير/كانون الثاني 2025 بعد انتهاء العقوبة، لكن عندما لم يتبق له سوى فترة قصيرة لمغادرة السجن، صُدمنا بإصدار مذكرة توقيف ضده منذ نهاية 2024 لقضية أخرى”، بموجب قانون مكافحة الإرهاب، وفقاً لتصريحات محاميه فتحي المولدي الذي أضاف “إنه ضغط قضائي ضد صحافي معتدل لإسكات وترهيب الآخرين”. ومن المقرر أن يمثل الزغيدي في 15 مايو الحالي أمام القضاء، بتهمة “تنظيم وفاق لغسل الأموال”، بحسب المحامي. ومراد الزغيدي “ليس في السجن بسبب احتيال أو فساد”، بل “لأنه عبّر عن آراء ومواقف وقام بتحليلات سياسية واجتماعية، هذا هو عمله”، بحسب شقيقته مريم التي اعتبرت أنه “أمر لا يصدق” أن يُسجن الناس في تونس بسبب جرائم رأي بعد ثورة 2011.
هذه المخاوف تواظب النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين تسليط الضوء عليها، وقد نبهت على هامش تقرير أصدرته بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة في الثالث من مايو الحالي، إلى أن “التعامل مع حرية الصحافة في تونس خلال السنة المنقضية شهد انحرافات عميقة، خاصة في ما يتعلق بحماية الحقوق والحريات”، إذ سجلت 167 اعتداء على الصحافيين”. ووثقت النقابة “تواصل استعمال القضاء كسيف مسلط على الصحافيين، عبر إثارة الدعوى في حق الصحافيين في 32 مناسبة خارج إطار القانون المنظم لمهنتهم، وتواصل سياسة الانغلاق والقصور في السياسة الاتصالية للجهات الرسمية بتواتر حالات المضايقات والمنع وحجب المعلومات”، وكذلك “تواصل الرقابة المسبقة على المحتويات المنشورة وحجب البعض منها”. وتطرقت إلى “حالة التعثر التشريعي في علاقة بالقوانين المنظمة لحرية العمل الصحافي والمنظمة للتعديل في قطاع الإعلام السمعي البصري. وهو تعثر جعل المشهد الإعلامي في حالة من العطالة، في غياب الهياكل التعديلية واستئثار هيئات غير مختصة، كهيئة الانتخابات، بالمسائل التعديلية المتعلقة بالفترة الانتخابية (الانتخابات الرئاسية)”. كما أثارت النقابة مسألة صعوبة الوصول إلى المعلومة، “نتيجة حالة الانغلاق والعوائق غير المشروعة أمام هذا الحق، سواء من السلطة التنفيذية وهياكلها وإداراتها أو عبر السلطة التشريعية والقضائية، من خلال تواتر حالات منع دخول الصحافيين إلى مجلس نواب الشعب وقاعات المحاكمة”. وبيّنت النقابة تراجع الثقة في الخطاب السياسي المؤكد لسعي الدولة لضمان حرية التعبير خلال السنة الماضية، بعد ارتفاع عدد القضايا المثارة من قبل النيابة العمومية وقرارات فتح أبحاث تحقيقية، والتي بلغت 19 حالة في حق الصحافيين. كما تواترت الشكاوى من الوزارات في مناسبتين، ومن الهيئات والمواطنين في ثلاث مناسبات لكل منهما، ومكلفين بالاتصال وإعلاميين وأمنيين وأطباء وموظفين عموميين في مناسبة وحيدة لكل منهم، وهو ما يترجم الوضع المتوتر الذي يسود البيئة الإعلامية في تونس.
وشددت على أن العقوبات السالبة للحرية في حق الصحافيين تواترت بشكل كبير خلال العام المنقضي حين لوحق الصحافيون بموجب القوانين الزجرية كالمرسوم 54 الخاص بمكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال وقانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال، ومنها التهم التي وجهت إلى كل من الزغيدي والصحافيين محمد بو غلاب وبرهان بسيس وسنية الدهماني. ولوحق الصحافيون خارج إطار القانون المنظم لعملهم، خلال الفترة نفسها، في 32 مناسبة، توزعت نصوص الإحالة فيها إلى قانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال في أربع مناسبات، والمرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم الإلكترونية في 14 مناسبة، والمجلة الجزائية في تسع مناسبات، ومجلة الاتصالات والقانون الانتخابي في مناسبتين لكل منهما، والمرسوم 116 في مناسبة واحدة. وأصدرت المحاكم التونسية عشرة أحكام بالسجن في حق الصحافيين، سواء بالتنفيذ في سبع مناسبات في حق محمد بوغلاب وبرهان بسيس ومراد الزغيدي وشذى الحاج مبارك وسنية الدهماني، أو مع تأجيل التنفيذ في حق غسان بن خليفة، وحكمين غيابيين في حق وليد الماجري وهادي الرداوي. كما صدر خلال الفترة نفسها حكمان بخطية مالية في إطار متابعة القضايا المرفوعة ضد الصحافيين.
وعبّر نقيب الصحافيين التونسيين زياد دبّار، عن قلقه إزاء وضع حرية الصحافة في تونس الذي قال إنه “يشهد تراجعاً مخيفاً، وهو ما يستدعي الحذر والاحتياط”. ودعا دبّار الصحافيين التونسيين إلى “رصّ الصفوف والدفاع عن حرية الصحافة التي تعدّ واحدة من أهم مكاسب الثورة التونسية”، ودعا رئاسة الجمهورية التونسية إلى “العمل على تعزيز حماية حرية التعبير والصحافة، عبر مبادرات تشريعية تراعي التزامات تونس بحماية الصحافيين وتضمن مكتسبات الحرية التي كرسها الدستور التونسي، وضمان تمتع كل وسائل الإعلام على قدم المساواة بالحق في الحصول على المعلومات والحضور في التظاهرات ذات الطابع الوطني والدولي، واحترام مبادئ التنوع والتعدد في وسائل الإعلام كمقوّم من مقومات الديمقراطية والشفافية”. واعتبر نقيب الصحافيين التونسيين المرسوم 54 بمثابة “السيف المسلط على رقاب الصحافيين”، لذلك طالب مجلس نواب الشعب بـ”التسريع بالنظر في المبادرة التشريعية التي أحيلت على لجنة التشريع العام لتعديل المرسوم 54 الخاص بمكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال، في اتجاه إلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر على الإنترنت، والاكتفاء بالتشريع الجاري به العمل في الخصوص والمرتبط أساساً بحرية النشر، وتحديداً المرسوم 115 المنظم لحرية الصحافة والطباعة والنشر”. وشدد على ضرورة “الإفراج عن الزملاء المسجونين، ووقف الملاحقات القضائية خارج القانون المنظم للعمل الإعلامي، وهما المرسومان 115 و116”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس