آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. تصاعد العنف الموجه ضد النساء بشكل مقلق في السنوات الأخيرة في تونس، حيث تضاعفت جرائم قتل النساء 4 مرات من 2018 إلى حدود يونيو 2023 وفق تقارير محلية، فيما بقيت الجهود الحكومية للتصدي لهذه الظاهرة حبيسة الوعود والشعارات.
اعتبرت سوسن الجعدي، الناشطة النسوية والمدنية في حوارها مع “أفريقيا برس”، أن “مناهضة العنف ضد النساء لا تشكل أولوية بالنسبة للحكومة، استنادًا لما تم رصده من ارتفاع الجرائم بحقهن سواء في المحيط الأسري أو المهني ووسط صمت حكومي”، كما لاحظت “تغييب المرأة في الحياة السياسية وتراجع تمثيليتها في البرلمان ومختلف مواقع صنع القرار.”
ورغم تحقيق تونس بعض المكاسب في مجال حقوق المرأة، إلا أنه “مازالت هناك حاجة إلى تفعيل مبدأ التمييز الإيجابي، وإلى دعم المشاركة السياسية للنساء، وإلى ضرورة العمل للحد من مختلف أشكال العنف مثل العنف السياسي والاقتصادي والسيبراني، التي تتعرض لها المرأة اليوم”، وفق تقديرها.
ودعت الجعدي، إلى “ضرورة توفير برامج اقتصادية أكثر شفافية ودون مسارات إدارية معقدة فيما يخص المشاريع المخصصة للنساء في الوسط الريفي، حيث هناك نقص في الشفافية والعدالة في توزيع هذه المشاريع على مستوى الجهات الداخلية”، لافتة إلى “أهمية دور المجتمع في حماية حقوق المرأة والإنسان عمومًا رغم ما يتعرض له من ضغوط وتضييقات في الفترة الأخيرة.”
وسوسن الجعدي هي ناشطة نسوية ومدنية، وهي استشارية لدى الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان.
كيف تقيمين المشهد الحقوقي في تونس منذ انطلاق مسار 25 جويلية؟
في الواقع، فيما يتعلق بحقوق النساء تحديدًا، أعتقد أنه كان هناك تراجع في مكتسبات المرأة التونسية. مثال على ذلك هو تغيير القانون الانتخابي، الذي أدى إلى تراجع تمثيلية النساء في مجلس النواب. فعلى الرغم من أن نسبة تمثيلية النساء كانت تبلغ 31% في عام 2014، إلا أنها تراجعت إلى 16% في السنوات الأخيرة. كما أن تمثيلية النساء في المجالس المحلية تقدر بنسبة 12% فقط.
وأعتقد أن هذه النسب تعكس التراجع الكبير لحقوق المرأة اليوم، كما تعني أن المشهد السياسي أصبح مشهدًا ذكوريًا أساسًا. ورغم أن لدينا العديد من المكتسبات فيما يخص النساء، إلا أننا ما زلنا بحاجة إلى تفعيل مبدأ التمييز الإيجابي، ودعم المشاركة السياسية للنساء التي تراجعت بشكل جلي.
وعلى غرار ذلك، لم يتم تدعيم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة، رغم وجود بعض القوانين التي تكرس ذلك، مثل المرسوم المتعلق بالحماية الاجتماعية للعاملات في القطاع الفلاحي. صحيح أنه يعبر عن حسن نوايا، ولكن لم يتم تطبيقه حتى الآن وبقي مجرد حبر على ورق. كما لم تمنع ترسانة القوانين من حماية أرواح العاملات في القطاع الفلاحي، مع استمرار حوادث الشاحنات القاتلة. وهذا يجعل هؤلاء النساء يشعرن بالغبن، خاصة في ظل عدم الاعتراف بمهنتهن.
وهذا المثال ينطبق على بقية العاملات في القطاعات الهشة الأخرى وغير المهيكلة، حيث يتعرضن إلى عنف واستغلال اقتصادي. عمومًا، لا يوجد تحسن في أوضاع النساء، خاصة مع تزايد نسبة العنف الموجه ضدهن في السنوات الأخيرة، وهو شكل من أشكال انتهاك حقوق الإنسان في تونس.
كيف تقيمين جهود الحكومة في مكافحة جرائم العنف ضد المرأة التي ارتفعت بشكل لافت في السنوات الأخيرة، خاصة في الجهات المهمشة؟
فيما يخص تقييم الاستراتيجية الحكومية لمناهضة العنف ضد المرأة، فإننا نقر بأن القانون عدد 58 يشكل مكسبًا في هذا المجال. مع ذلك، ما زلنا في حاجة إلى التوقيع على اتفاقية إسطنبول لمناهضة العنف، باعتبارها اتفاقية أشمل. نحن في حاجة، على المستوى القانوني، إلى رفع التحفظات على الاتفاقيات الدولية الداعية إلى مناهضة كل أشكال العنف.
من ناحية أخرى، نلاحظ وجود إخلالات مؤسساتية في تطبيق القانون عدد 58. ومن خلال تجربتي الميدانية في التواصل مع النساء ضحايا العنف، فإن تطبيق هذا القانون يواجه صعوبات على أرض الواقع. حيث إن الشكاوى التي تقدمها المرأة المتضررة تبقى على رفوف الإدارات والوزارات، بحجة أنه لا توجد الموارد البشرية اللازمة للعمل عليها.
كما يعترض هذا القانون إشكاليات أمنية، وهو ما يجعلنا نستنتج أن مناهضة العنف ضد النساء لا تشكل أولوية بالنسبة للحكومة. إضافة إلى ذلك، فإن عدم توفير الميزانيات اللازمة لمواجهة هذه الظاهرة، ووجود نقص في تكوين الأعوان العاملين في الوزارات في هذا المجال، كلها إشكاليات تحول دون تفعيل جيد لهذا القانون، مما يعني غياب إرادة سياسية حقيقية لحماية النساء.
كيف يمكن تمكين النساء من مناهضة العنف الاقتصادي، ومكافحة التمييز في هذا المجال؟
لتحقيق هذه الأهداف، علينا قبل كل شيء دعم تمكين النساء سياسيًا، من خلال زيادة تمثيلية المرأة في مراكز القرار سواء في البرلمانات أو الإدارات. وعلى الرغم من تميز النساء في دراستهن، حيث أن 69% من النساء الحاصلات على شهادة الدكتوراه، إلا أن سوق العمل لا يمنحهن الفرص الكافية. وحتى نقطع مع كل ذلك، ولتحقيق التغيير المنشود، يجب تمكين المرأة سياسيًا، ودعم مشاركتها في الحياة السياسية.
كما يجب حماية المرأة من كل أشكال العنف. نحن نلاحظ أن الحكومة تركز جهودها على مناهضة العنف الزوجي والجسدي، فيما تهمل العنف السياسي، والوصم الاجتماعي الذي يلاحق النساء العاملات في الحقل المدني والسياسي والشأن العام. لذلك، يجب مناهضة كل أشكال العنف، بما في ذلك العنف السياسي والسيبراني. كما يجب أن تكون هناك قوانين تحمي الفئات الأكثر هشاشة، مثل الأمهات العازبات ومن ذوي الاحتياجات الخاصة.
هل تعتقدين أن البرامج الاقتصادية ذات نجاعة فيما يخص دعم المرأة الريفية؟
في تقديري، على الحكومة توفير برامج اقتصادية أكثر شفافية ودون مسارات إدارية معقدة فيما يخص المشاريع المخصصة للنساء في الوسط الريفي. نحن نلاحظ نقصًا في الشفافية والعدالة في توزيع هذه المشاريع على مستوى الجهات الداخلية. وندعو كذلك إلى أن تكون هذه المشاريع مرفوقة ببرامج تكوين ومتابعة لتطوير مهاراتهن، إضافة إلى ضرورة العمل على تغيير العقليات من خلال توعية الذكور والمحيط العائلي للحد من العنف الناجم عن الجهل.
كما توجد عقبة كبيرة أمام النساء في الوسط الريفي، وهي ملكية الأراضي. ونعني هنا العنف الاقتصادي ومنع ولوج النساء للموارد الاقتصادية الخاصة بهن بسبب قضايا الإرث. وهي إشكالية حقيقية، وتؤدي إلى تفقيرهن. وبرأيي يجب تجريم منع ولوج النساء إلى حقهن في الإرث، وهو ما سيعيد لهن الأحقية في ملكية الأرض، ويمكنهن بذلك من النهوض بواقعهن الاقتصادي وتوفير مواطن شغل. وإجمالًا، نحتاج إلى رؤية شاملة لتحقيق مثل هذه الأهداف.
لماذا وقع تغييب النساء في المشهد السياسي والحزبي وفي المناصب السيادية كذلك وفق تقديرك؟
في تقديري، يعود ذلك إلى عدم الإيمان بدور النساء في هذا المجال. وعلى الرغم من أن للنساء في بلدنا دورًا كبيرًا في الحياة السياسية، حيث شاركن في مختلف الحركات الاحتجاجية في فترة ما قبل الثورة وأثناء الثورة وبعدها، وقد قادت هذه التحركات والنضالات إلى تحقيق عدة مكاسب مثل مبدأ التناصف وإلغاء التمييز في جوازات السفر، وغيرها، نتيجة تحرك النساء في الفضاء العام، إلا أنه حاليًا هناك تغييب لدور المرأة في المشهد السياسي. قد يكون ذلك لوجود إرادة لإيقاف تعزيز مكاسب النساء من خلال الحد من المشاركة النسائية.
نحن نلاحظ اليوم أن هناك سيطرة للفكر الذكوري في الخطاب والممارسة، كأننا نشهد إعادة احتكار للمشهد السياسي وإعادة احتكار للفضاء العام. على سبيل المثال، فقد تفاجأنا بمساعي الحكومة لمراجعة مسائل في مجلة الأحوال الشخصية مثل مسألة الطلاق، بدل السعي إلى تحيينها ومواكبة التطور في التشريعات.
إجمالًا، هناك مناخ عام يهدد حقوق النساء، ومع ما تعيشه البلاد من أزمات، فقد باتت المرأة هي الحلقة الأضعف. ونحن نلاحظ حجم التراجعات في هذا المجال خلال هذه الفترة، وربما يتماشى ذلك مع التيار الشعبي السائد حاليًا في تونس.
كيف يمكن تعزيز حضور المرأة في الشأن العام في الوقت الذي تراجع فيه دور الأجسام الوسيطة في المشهد؟
على المجتمع المدني أن يلعب دوره كما يجب رغم التضييقات. صحيح أن الفترة صعبة، لكن يجب مراكمة العمل ومواصلة نفس المسار من أجل تمكين النساء سياسيًا واقتصاديًا، ولرفع مستوى المجتمع والدفع نحو تنمية عادلة تشمل جميع الفئات. كما لا يجب أن ننسى أهمية دور الأحزاب السياسية في فسح المجال ودعم تواجد المرأة.
وبرأيي، يجب أن يواصل المجتمع المدني دوره رغم ما يتعرض له من ضغوط وتضييق. كذلك، يلعب الإعلام دورًا مهمًا في كيفية طرح القضايا الاجتماعية بمهنية، وفي فسح المجال للنخب النسوية للتعبير عن آرائها، وآراء جميع النساء على المنابر الإعلامية، حتى لا نسمع تلك الأصوات التي تجذبنا إلى الخلف.
في الواقع، العنف هو حلقة كبيرة فيما لم تتمكن مؤسسات الدولة من حماية المرأة التي بقيت مهددة. كما لا يبدو أن تمكين النساء يشكل أولوية بالنسبة للسلطة. لذلك، نريد أن يكون وجود المرأة فاعلًا في الفريق الحكومي، ليس مجرد وسيلة تنفيذية فقط. على المرأة التي تمنحها الفرصة لتكون في مناصب القرار أن تكون ذات رؤية وحاملة لرسالة، وواعية بأهمية الدفاع عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان عمومًا.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس