الحج إلى كنيس الغريبة متاح لليهود التونسيين فقط

3
الحج إلى كنيس الغريبة متاح لليهود التونسيين فقط
الحج إلى كنيس الغريبة متاح لليهود التونسيين فقط

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. انطلقت يوم الأحد 11 مايو 2025 مراسم حج اليهود إلى كنيس الغريبة في جزيرة جربة، دون احتفالات وفي غياب اليهود الذين تعوّدوا على زيارة تونس في هذا الموسم من كل أنحاء العالم، حيث اقتصرت الزيارة على اليهود التونسيين فقط. في خطوة يرى متابعون أنها تأتي بعد حادثة الاعتداء على صائغ تونسي يهودي في مدينة جربة، ووسط دعوات شعبية تحذر من تسلل يهود إسرائيليين عبر شركات السفر المنظمة للرحلات الغريبة، مع تصاعد غضب الشارع التونسي بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة.

وقال المحلل السياسي الفلسطيني-التونسي باسل ترجمان لـ”أفريقيا برس” إن “الحج إلى كنيس الغريبة تقليد يعكس التعايش والتسامح الذي يميز الشعب التونسي وعلاقته بكافة أبنائه بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية”، لافتًا إلى أن الزيارة هذا العام، مثل العام الماضي، تأتي في ظروف تتجاوز الوضع الداخلي في تونس، وهو العدوان على قطاع غزة.

في ظل تصاعد الانتقادات والظروف الإقليمية، أعلنت هيئة تنظيم الزيارة السنوية الدينية لمعبد الغريبة بجزيرة جربة، في بيان نقلته وكالة الأنباء التونسية الرسمية، أن حج الغريبة 2025 سيقتصر على ممارسة الطقوس الدينية داخل المعبد فقط، وعلى مشاركة اليهود المقيمين في تونس.

وقال الخبير الأمني علي الزمرديني لـ”أفريقيا برس”: “تظاهرة الحج إلى كنيس الغريبة، التي تُنظم هذا العام من 11 إلى 18 مايو، مثلها مثل كل التظاهرات الدينية والثقافية والسياسية التي تتم في تونس، الدولة تؤمنها كما تؤمن غيرها من التظاهرات، وسبق لي أن شاركت في تأمين هذه التظاهرة وهي لا تختلف عن التظاهرات الدينية الأخرى”.

حتى الآن، لم تصدر السلطات التونسية الرسمية أي بيان يصنف الحادث في جربة، هل هو تصفية حسابات بين مواطنين تونسيين أم يحمل أبعادًا سياسية. إلا أن توقيته جاء ليزيد من حالة الحذر، خاصة أنه يأتي بعد حادثة مشابهة استهدفت في شهر أبريل الماضي سائحة فرنسية في جزيرة جربة.

كانت سائحة فرنسية تعرضت للطعن بآلة حادة في حومة السوق بجربة من قبل مواطن تونسي. وقد تم إلقاء القبض على الجاني من قبل الوحدات الأمنية للتحقيق معه وللوقوف على أسباب الواقعة، التي ربطها متابعون بالموقف الشعبي مما يجري في فلسطين والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

ولذات الأسباب، تمّ السنة الماضية أيضًا إلغاء مراسم الاحتفال، والاقتصار على ممارسة الطقوس الدينية داخل المعبد دون سواه. ففي ذروة العدوان على غزة، حذّر التونسيون من “التطبيع” غير المباشر عبر وكالات الأسفار التي تنظم رحلات لآلاف اليهود من بينهم إسرائيليون إلى تونس، في موسم الحج إلى الغريبة. ودخل في بعض مواسم سابقة زوار وحاخامات معروفون بدعمهم للصهيونية بجوازات سفر أجنبية، ما أثار انتقادات واعتُبر تطبيعًا غير معلن.

ويعتبر كنيس الغريبة أكبر وأقدم معبد يهودي في أفريقيا، ويحتوي على أقدم نسخة معروفة من التوراة وفق بعض الروايات اليهودية. ويتوافد آلاف اليهود إلى هذا المزار سنويًا من مناطق شتى من العالم في أواخر شهر أبريل وبداية شهر مايو من كل عام، تزامنًا مع اليوم الـ 33 من تقويم الفصح اليهودي، فيقيمون شعائر دينية ومراسم وطقوسًا متنوعة واحتفالات وسط إجراءات أمنية مشددة.

وعشية انطلاق موسم الحج هذه السنة، نظمت جمعية “أنصار فلسطين” و”التحالف التونسي لدعم الحق الفلسطيني” وقفة احتجاجية أمام المسرح البلدي بالعاصمة، تنديدًا باستمرار حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وللمطالبة بكسر الحصار وفتح المعابر ووقف التجويع.

وقال باسل ترجمان: “العدوان الإسرائيلي على غزة فرض أن يكون هناك تحديد لشكل الحج، وهذا التحديد اختارته الطائفة اليهودية وليس للسلطات التونسية”، لافتًا إلى أن “هناك أطرافًا تحاول أن تصطاد في الماء العكر وتثير أزمات من أي موضوع، وقبل أيام سعت إلى إشعال الفتنة على خلفية حادثة الاعتداء على الصائغ اليهودي”.

وأيّد العديد من التونسيين قرار هيئة تنظيم الزيارة السنوية الدينية لمعبد الغريبة، معتبرين أنه يقطع الطريق على وسائل الإعلام الإسرائيلية التي قامت بتغطية الحادثة الأخيرة في جربة بشكل كبير، بل وذهبت إلى حد الادعاء أن “المعتدي صاح ‘الله أكبر’ قبل العملية”، وهو أمر شكّكت فيه السلطات التونسية، مشددة على أن الأبحاث ما زالت جارية.

وقال علي الزمرديني لـ”أفريقيا برس”: “تعليق الإعلام الإسرائيلي استعماري وانتهازي وصهيوني، وتقييم وزير الخارجية الإسرائيلي لا يجب أن يتجه نحو الشأن التونسي… هذا تدخل سافر ويسعى إلى التفرقة بين أبناء الشعب التونسي… هؤلاء تونسيون رغم اختلاف الديانات”.

وفي ردّه على الحادث، قال رونيه الطرابلسي، وزير السياحة الأسبق وابن جوزيف الطرابلسي رئيس الجمعية اليهودية التونسية التي تشرف على النشاطات المرتبطة بكنيس الغريبة: “هذه التصرفات المعزولة لا تعكس الروح الحقيقية للشعب التونسي المعروف بوحدته وتضامنه”، مشددًا على أن “مثل هذه الأحداث لن تتمكن من النيل من الصورة الأصيلة لتونس وشعبها”. وقد اعتبر علي الزمرديني أن رد رونيه الطرابلسي “أحسن رد يليق بأبناء تونس من ذوي الديانة اليهودية”.

ولجربة تاريخ مع الاعتداءات الإرهابية، ومن أشهر الحوادث وأخطرها ذلك الذي هزّ في 2002 تونس بأكملها، في وقت لم يكن متوقعًا حدوث مثل ذلك الاعتداء الإرهابي في تونس زمن بن علي، حين انفجرت شاحنة مفخخة على بعد أمتار قليلة من كنيس الغريبة.

أسفر ذلك الحادث، الذي تبناه تنظيم القاعدة، عن مقتل 21 شخصًا بينهم 5 تونسيين. وقد شكّل نقطة تحول هامة على مستوى التأهب الأمني في البلاد وخلال موسم الحج إلى الغريبة الذي لم يشهد حوادث مشابهة إلى غاية 9 مايو 2023، في ذروة المد السلفي بعد سقوط النظام في 14 يناير 2011، حيث قام عنصر أمن بإطلاق النار مسفرًا عن مقتل 3 من عناصر الشرطة و2 من الزوار، أحدهما يحمل الجنسيتين التونسية والإسرائيلية والآخر فرنسي تونسي.

تؤكد السلطات التونسية أن تنظيم موسم الغريبة يأتي في إطار احترام التعددية الدينية والتعايش السلمي. ومع ذلك، لا يزال الجدل قائمًا، خاصة في ظل غياب قانون يجرّم التطبيع، وهو ما تطالب به عدة جهات سياسية ومدنية في البلاد.

ويأتي التدخل الإسرائيلي في وقت يزداد فيه الضغط الدولي على إسرائيل، ويسجل فيه الدعم الشعبي التونسي للقضية الفلسطينية أعلى درجاته، خاصة في صفوف الأجيال الشابة، حتى أن بعض الشباب لم يتوانَ عن تعريض نفسه لعنف الأمن من أجل دعم القضية.

من ذلك، تعرض الطالب محمد أمين الطويهري، عضو الحملة التونسية لمقاطعة الاحتلال الإسرائيلي، إلى الاعتداء من قبل أمنيين وتم إيداعه السجن ومحاكمته خلال مباراة للمنتخب التونسي، وهو يقتحم أرضية ملعب رادس وقام بتمزيق شعار “كارفور”. وقبل أيام، فقدت تونس شابًا توفي إثر سقوطه من أعلى بناية جامعة منوبة حين كان يرفع العلم الفلسطيني.

وقد تحولت جنازته، إلى مسيرة داعمة لفلسطين وغزة، وأكدت ثبوت التونسيين على العهد وأن الدماء التونسية والفلسطينية اختلطت منذ النكبة، وخلال أحداث حمام الشط (1985)، واليوم، وغدًا، وطالما الصراع مستمرًا ستبقى القضية الفلسطينية قضية التونسيين، الذين أكدوا أنهم يرحبون باليهود من غير الصهاينة والإسرائيليين، فتونس أرض تسامح وتعدد، لكن لا مجال لأي نوع من “التطبيع”.

موسم الحج إلى كنيس الغريبة يظل مناسبة دينية مهمة للجالية اليهودية في تونس، لكنه في الوقت ذاته يعكس التوترات المتعلقة بمسألة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. القرارات الأخيرة بتقييد المشاركة في الموسم تهدف إلى تهدئة الأوضاع، لكن سيبقى الجدل مستمرًا حول هذا الموضوع فيما تتواصل المطالب الشعبية من أجل إقرار قانون واضح وصريح يجرم التطبيع.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here