توقعات إيجابية للاقتصاد التونسي 2025 مع إصلاحات ضرورية

13
توقعات إيجابية للاقتصاد التونسي 2025 مع إصلاحات ضرورية
توقعات إيجابية للاقتصاد التونسي 2025 مع إصلاحات ضرورية

حذامي خريّف

أفريقيا برس – تونس. تتأرجح التقييمات الدولية حول الوضع الاقتصادي في تونس بين من يرى بوادر انتعاش نسبي، ومن يحذر من تفاقم المخاطر المالية والاجتماعية في ظل هشاشة البنية الاقتصادية للبلاد وغياب خارطة إصلاحات واضحة. فبينما خفّضت مؤسسة “فيتش” توقعاتها للنمو الاقتصادي، أشار البنك الدولي في أحدث تقاريره إلى وجود “إشارات على تعاف تدريجي” مدفوع بإصلاحات حكومية ومساعدات خارجية.

يعكس هذا التبيان بين تفاؤل البنك الدولي و”تشاؤم” فيتش حالة عدم الاستقرار التي يعيشها الاقتصاد التونسي والتي لا خروج منا إلا بـ”التعويل على الذات”، على حد تعبير النائب في مجلس نواب الشعب فخرالدين فضلون، الذي يؤكد في تصريحات لـ”أفريقيا برس” على أن “الخطوة الرئيسية نحو تحقيق النمو الاقتصادي هي مراجعة القوانين والتشريعات”.

وقال فضلون إن “الاعتماد على الذات يحررنا من قيود النقد الدولية”، في إشارة إلى تصريح سفير الاتحاد الأوروبي بشأن تقديم المزيج من الدعم المالي لتونس.

وكان سفير الاتحاد الأوروبي بتونس، جوزيبي بيروني، أعلن أن المنظمة الأوروبية تخطّط لتقديم حزمة من التمويلات لدعم قطاعات حيوية تشمل الرقمنة والتحول الطاقي والانتقال للاقتصاد الأخضر وتحسين الحوكمة، لافتا خلال حوار مع وكالة تونس أفريقيا للأنباء، إلى أن “الاتحاد، الذي قدم لتونس تمويلات قاربت 1.8 مليار يورو منذ سنة 2013، يخطط لمواصلة هذا الدعم خلال الفترة 2025 – 2027”.

يأتي هذا الدعم في إطار شراكة استراتيجية تهدف إلى دعم الاستقرار الاقتصادي وتعزيز التنمية الشاملة، باعتبار أنها من الآليات الرئيسية التي يمكن أن تساعد على إيقاف مد الهجرة غير الشرعية من تونس إلى أوروبا.

ومهما كانت غاية الدول الأوروبية، فلا شكّ أن دعمها يفيد كثيرا تونس التي تشهد منذ سنوات أزمة اقتصادية خانقة عمّقت التفاوتات الاجتماعية وغذّت الشعور بالإحباط في الشارع التونسي الذي يتطلّع بأمل ضئيل إلى توقعات البنك الدولي بتسجيل انتعاشة اقتصادية وإن كانت طفيفة.

وكان البنك الدولي قدّم في أحدث تقاريره حول الاقتصاد في تونس قراءة متفائلة مشيرا إلى أنه تم رصد مجموعة من العوامل التي قد تمهد لتحسن تدريجي في الأداء الاقتصادي، منها تحقيق “استقرار نسبي في بعض المؤشرات الماكرو اقتصادية، مثل احتياطي العملة الصعبة وتحسن العائدات السياحية مقارنة بسنوات الأزمة”.

وعلى الرغم من وجود بعض التحديات مثل حالة عدم اليقين التي تكتنف التجارة العالمية بالإضافة إلى التمويل الخارجي المحدود، إلا أن البنك الدولي يتوقّع أن ينمو الاقتصاد التونسي بنسبة 1،9 بالمائة خلال سنة 2025، بعدما حقق نموا بـ 1،4 بالمائة سنة 2024، مدعوما بتحسن هطول الأمطار والاستقرار التدريجي في القطاعات الرئيسية. وسجّل التضخم تباطئا في أوائل عام 2025، حيث انخفض إلى 5،6 بالمائة في شهر أفريل، وهو أدنى مستوى له منذ عام 2021، ويقترب من معدله المتوسط في مرحلة ما قبل جائحة كورونا.

وعلى الرغم من أن الصناعات التحويلية ما تزال تواجه تحديات، فإنّ القدرة على الصمود في قطاعي السياحة والزراعة تساهم في تحقيق التعافي. ومن المنتظر أن يسجّل الموسم السياحي لهذه السنة نسبة نمو قياسية مقارنة بالسنوات الماضية.

كما تم تسجيل عودة الحركية في بعض القطاعات الحيوية مثل الصناعات التصديرية. وقال مدير مكتب البنك الدولي في تونس ألكسندر أروبيو، “إنّ تونس تُواصل إظهار قدرتها على الصمود وسط بيئة عالمية ومحلية متغيّرة”.

مع ذلك، يشير البنك الدولي إلى أن هذا التحسن يبقى هشًا ويتطلب استمرارية الإصلاحات وتوفير مناخ مستقر للاستثمار، وهو ما أكد عليه تقرير مؤسسة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني معتبرا أن تواصل غياب تشريعات متطورة وتزايد الدين العمومي مع الاعتماد على الاقتراض الخارجي يجعل المشهد الاقتصادي ضبابيا خاصة في ظل غياب خارطة طريق واضحة للإصلاحات الكبرى.

ونشرت وحدة الأبحاث وتحليل المخاطر “بي إم آي”، التابعة لمؤسسة فيتش، تقريرا خفّضت فيه توقعاتها لنمو الاقتصاد التونسي، من 1.2% إلى 1% خلال عام 2025، ومن 2.1% إلى 1.5% في العام التالي، في ظل تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية، وعلى رأسها الترفيع في الرسوم الجمركية الأمريكية على بعض الصادرات التونسية بنسبة 28%.

ورغم أن الصادرات التونسية إلى السوق الأميركية لا تمثل سوى 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي، فإن التداعيات غير المباشرة للقرار مرشّحة لأن تكون أكبر، خاصة عبر تأثر شركاء تونس الأوروبيين بهذه الإجراءات.

وأكدت فيتش أن تباطؤ النمو الاقتصادي سيؤدي إلى “إطالة أمد الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية، ويُبقي منسوب السخط الشعبي مرتفعا”، في وقت لا تزال فيه مؤسسات الإقراض الدولية تصر على دفع تونس نحو إصلاحات اقتصادية غير شعبية خاصة فيما يتعلق بالتفريط في المؤسسات العمومية أو المساس بمنظومة الدعم.

والتناقض بين الرؤى البنك الدولي بشأن مستقبل تونس الاقتصادي يعكس أهمية البحث عن بدائل في الداخل كما قال فخرالدين فضلون، فالاعتماد على التمويلات الخارجية ودعم “الشركاء” سيبقى دائما مشروطا. وبين تفاؤل البنك الدولي وتحذيرات مؤسسة فيتش، يواجه الاقتصاد التونسي اليوم عدة تحديات وجب تجاوزها، فالتأخير في الإصلاحات يفاقم الأزمات المالية والاجتماعية ويعيق تحقيق تقدّم ونمو طويل الأمد.

ومن أهم الخطوات التي ستقوي التعويل على الذات، وفق فخرالدين فصلون، هي “تعديل مجلة الصرف ومجلة الاستثمار، فالعديد من القوانين التي تتضمنها هاتين المجلتين لم تعد تتوافق مع التطورات والوقت الراهن، بل إنها تعيق في كثير من الأحيان تحقيق التقدم”.

وكان وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي، سمير عبد الحفيظ، أقرّ بوجود مشاكل على مستوى العديد من التشريعات والإجراءات التي تعيق الاستثمار في تونس. وأوضح عبدالحفيظ، على هامش، الملتقى الإقليمي الأول لإعداد مخطط التنمية 2026-2030 الخاص بالإقليم الثالث، أن هذه العراقيل تُكبل المستثمرين وتحُد من نسق التنمية الاقتصادية.

وتحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية قوية تتبنى خطابا اقتصاديا واضحا وإصلاحات داخلية جوهرية تعيد ثقة المستثمر وتطمئن الشارع التونسي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here