حقوقيون تونسيون يطالبون بمراجعة اتفاقيات الهجرة مع أوروبا

10
حقوقيون تونسيون يطالبون بمراجعة اتفاقيات الهجرة مع أوروبا
حقوقيون تونسيون يطالبون بمراجعة اتفاقيات الهجرة مع أوروبا

أفريقيا برس – تونس. تعيش الساحة التونسية، في الآونة الأخيرة، على وقع تحرك حقوقي واسع، تقوده منظمات حقوقية ومدنية وعائلات المفقودين في عرض البحر، للمطالبة بمراجعة اتفاقيات الهجرة المبرمة مع الاتحاد الأوروبي، وإنهاء الانتهاكات بحق المهاجرين في مراكز التوقيف والترحيل الإيطالية.

وجدّدت عائلات المفقودين، خلال وقفة احتجاجية أمام السفارة الإيطالية في العاصمة التونسية، دعوتها إلى مراجعة سياسات الهجرة الأوروبية، وتمسّكها بالكشف عن مصير آلاف المفقودين من ضحايا قوارب الهجرة منذ عام 2011.

إبادة جماعية بسبب السياسات

وقال عماد السلطاني، رئيس جمعية “الأرض للجميع”، إن “عائلات المفقودين عادت إلى التحرك مجددًا أمام سفارة إيطاليا في تونس، مطالبة بمراجعة سياسات الهجرة، التي لم تجلب سوى المآسي لتلك العائلات”.

وأكد السلطاني، بالقول: “نحن نعتبر أن ما يحدث في البحر الأبيض المتوسط هو إبادة جماعية بفعل سياسات الاتحاد الأوروبي، التي تنتهك المواثيق الدولية ولا تحترم حقوق الإنسان”.

وأشار السلطاني إلى أنه “تم الإعلان عام 2015، عن تشكيل لجنة تحقيق للبحث في مصير المفقودين في عرض البحر، لكنها بقيت مجرد حبر على ورق، في ظل غياب أي نتائج ملموسة”.

وتسلّط هذه التصريحات الضوء على الطبيعة المعقدة للتعاون بين تونس والاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة، إذ وقّعت تونس على مدار السنوات الماضية اتفاقيات عدة تهدف إلى الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين، الذين يستخدمون سواحلها كنقاط انطلاق نحو إيطاليا ومنها إلى أوروبا.

غير أن العديد من المنظمات الحقوقية ونشطاء المجتمع المدني يرون في هذه الاتفاقيات “أدوات لفرض سياسات الردع الأوروبية على حساب حقوق المهاجرين”، ويعتبرونها “مخالفة للمواثيق الدولية التي تكفل حرية التنقل وحق اللجوء”، مستشهدين خصوصًا بـ”مذكرة التفاهم حول الشراكة الاستراتيجية والشاملة” الموقعة بين تونس والاتحاد الأوروبي، في 16 يوليو/ تموز 2023.

وتُبرز هذه الانتقادات المعضلة الأخلاقية التي ترافق سياسات الهجرة في المنطقة، بين الضغوط الأوروبية لإغلاق الحدود الجنوبية، والتحديات الاجتماعية والإنسانية التي تتحملها تونس، وسط غياب حلول تنموية وإنسانية شاملة، وفقًا للسلطاني.

“مقبرة مفتوحة للمهاجرين”

وقال المتحدث الرسمي باسم “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، رمضان بن عمر، إن “السلطات التونسية، ومنذ شهر يونيو (حزيران) الماضي، اختارت التكتم على جميع المعطيات المتعلقة بالهجرة غير النظامية، وخاصة ما يتعلق بعمليات الاعتراض على السواحل التونسية”.

وأضاف:

لا توجد أرقام تتعلق بحالات الموت والفقدان في عرض البحر، وهذا خيار اتخذته السلطات التونسية.

وأشار بن عمر إلى أن “الأرقام المتوفرة تظهر أن السلطات انخرطت في مقاربة أمنية صارمة على طول السواحل التونسية، حيث تم تسجيل أكثر من 1300 ضحية ومفقود في عام 2023، و634 في عام 2024، بينما سُجّل 58 مفقودًا منذ بداية العام الحالي”.

ويرى بن عمر أن “البحر الأبيض المتوسط تحوّل إلى أكبر مقبرة مفتوحة للمهاجرين في العالم، نتيجة اتفاقيات الهجرة الموقعة مع الاتحاد الأوروبي”.

وبيّن أن “السياسات التي اعتمدتها السلطات التونسية منذ فبراير (شباط) 2023، كانت لها تداعيات سلبية، خصوصًا في منطقتي العامرة وجبنيانة بمحافظة صفاقس جنوب البلاد، مما فاقم الأوضاع الإنسانية وأدى إلى توتر اجتماعي وانتقادات حادة من منظمات حقوقية ومقررين أمميين”.

مقاربة واقعية وتشاركية

وفي سياق متصل، اعتبر النائب السابق في البرلمان التونسي والمقيم بإيطاليا، مجدي الكرباعي، أن “أوضاع المهاجرين داخل مراكز الاحتجاز الإيطالية ما تزال مصدر قلق كبير، سواء للمنظمات الحقوقية أو للمراقبين الدوليين”.

وقال:

تقارير حديثة صادرة عن منظمات دولية مرموقة، مثل العفو الدولية وأطباء بلا حدود و”آكشن أيّد” و”آسجي”، وثّقت خلال السنوات الأخيرة، وآخرها عام 2023، سلسلة من الانتهاكات داخل هذه المراكز.

وأوضح الكرباعي أن “المهاجرين يعانون من ظروف معيشية قاسية، ونقص حاد في الرعاية الصحية، بالإضافة إلى ما تم توثيقه من حالات سوء معاملة جسدية ونفسية”.

وشدّد على “ضرورة التخلي عن المقاربة الأمنية الأحادية، واعتماد رؤية واقعية وإنسانية وتشاركية في إدارة ملف الهجرة”.

كما دعا إلى “فتح قنوات هجرة نظامية وشرعية تتماشى مع حاجيات سوق العمل الأوروبية، مما من شأنه أن يقلل من الضغط على مسارات الهجرة غير النظامية، ويحدّ من ظواهر الاتجار بالبشر والاستغلال”.

وطالب النائب السابق في البرلمان التونسي، بإصلاح شامل لسياسات اللجوء والاحتجاز في إيطاليا، بما يتماشى مع المعايير الدولية.

أما على المستوى التونسي، فأكد الكرباعي، على ضرورة أن “تعتمد السلطات نهجًا يرتكز على احترام حقوق الإنسان، بعيدًا عن الاتفاقيات القسرية أو الحلول الأمنية المموّلة أوروبيًا لضبط الحدود”.

ورأى أن “الحل يبدأ من إطلاق حملات توعية فعّالة في دول الانطلاق حول مخاطر الهجرة غير النظامية، إلى جانب توفير بدائل اقتصادية حقيقية تحصّن الشباب من ركوب قوارب الموت”.

وختم الكرباعي، بالقول إن “عودة تحركات عائلات المفقودين اليوم تضع الدولة التونسية أمام اختبار صعب، لا يمكن تجاوزه إلا بإعادة النظر في المنظومة الأوروبية للهجرة، التي لا تزال تُحمّل دول الجنوب أعباءً إنسانية وأمنية لا طاقة لها بها”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here