بسمة بركات
أفريقيا برس – تونس. أثار الاعتداء على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) في العاصمة تونس من قبل أنصار الرئيس قيس سعيد حسب اتهامات المعارضة، جدلاً واسعاً في البلاد.
وتراوحت الردود بين إدانة البعض لما حصل باعتباره يمهد للفوضى والعنف ويهدد السلم الأهلي، وبين بعض آخر رأى أن ما حصل محاولة للقضاء على ما تبقّى من الأجسام الوسيطة في البلاد، خصوصاً بعد القضاء على جلّ الأحزاب وسجن قياداتها، فيما دعا آخرون اتحاد الشغل إلى القيام بمراجعات جذرية وإصلاحات عاجلة نظراً للأزمة التي يعيشها الاتحاد منذ فترة.
ودان المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل في بيان ما حصل، مؤكداً أن هذه الجريمة جاءت نتيجة حملات التجييش والتحريض التي يقوم بها أنصار سعيّد منذ مدة طويلة، والتي استعرت بعد التحرّكات النضالية الأخيرة للعديد من القطاعات، وبعد الإعلان عن نضالات أخرى في الأسابيع المقبلة.
وأضاف اتحاد الشغل أن هدف هذا الاعتداء الجبان محاولة إسكات صوت اتحاد الشغل ومنعه من لعب دوره في الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال ونضاله من أجل الحريات العامة والفردية. وقال إن “هذا الاعتداء الجبان امتداد لاعتداءات قامت بها عصابات روابط حماية الثورة يوم الرابع من ديسمبر/ كانون الأول 2012 وعمليات رمي الفضلات على مقارّ اتحاد الشغل في الجهات خلال تلك السنوات”، مضيفاً أن “هذا التحريض المنهجي واعتداء الخميس هو مقدمة لجرّ البلاد إلى الفوضى والعنف كما حصل في العشرية السابقة”، محمّلاً السلطات مسؤوليتها في ترك هذه العصابة تقتحم البطحاء وتحاول اقتحام المقرّ في عملية تسهيل غريب ومدان بعد رفع الحواجز أمامهم للمرور إلى مقر الاتحاد.
أنصار سعيّد استهدفوا مقر اتحاد الشغل
في السياق، وصف الأمين العام المساعد والمكلف بالإعلام في اتحاد الشغل سامي الطاهري هذا الاعتداء بالجبان، محمّلاً السلطة المسؤولية، مضيفاً، أن المجموعات التي استهدفت مقر اتحاد الشغل من أنصار سعيّد، ومن بينهم نائبة. ولفت إلى أن التحريض انطلق من السلطة نفسها ومن أعلى هرم فيها، حيث سبق أن جرّم سعيّد العمل النقابي والإضرابات وتولى تخوين الأشخاص، متحدثاً عن أن هؤلاء المعتدين وجدوا تسهيلات وحافلات للوصول إلى مقر الاتحاد. وأضاف أنّ المؤسف هو التعاطي الأمني مع ما حصل، حيث رفعت الحواجز التي كانت موجودة في محيط اتحاد الشغل، ما سهّل مرور المعتدين ووصولهم إلى مكان قريب من باب المقر الرئيسي ما جعلهم يحتكون بالنقابيين هناك، مبيناً أنّ قوات الأمن تولت لاحقاً التدخل مشكّلة حاجزاً بشرياً.
ولفت الطاهري إلى أن استهداف الاتحاد انطلق منذ فترة عبر اتهامات وشيطنة وتشويه وتحريض على القيادات، مبيناً أن هذا الأمر تصاعد أخيراً، خصوصاً بعد إضراب النقل، إذ تم استغلال هذا الإضراب للتجييش والمطالبة بحل الاتحاد، موضحاً أن مجموعات عمدت منذ إضراب النقل على بثّ منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي للتشجيع على اقتحام مقرات اتحاد الشغل وطرد النقابيين، وطالبت الرئيس بحلّ المنظمة النقابيّة.
وسام الصغير: ما حصل كان منتظراً
من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم الحزب الجمهوري وسام الصغير، إن ما حصل كان منتظراً بعد عملية التجييش والتحريض ضد اتحاد الشغل وما سبقتها من حملات من قبل أنصار سعيّد، مضيفاً أن خطاب السلطة كان يحمل رسائل تهديد ويقسم المجتمع ويصف المضربين بالخونة، وهو ما حصل تقريباً طيلة فترة حكم سعيّد، وفق سردية تقوم على أن كل من يختلف معه أو يخالفه الرأي فهو خائن، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر أعطى الضوء الأخضر لأنصاره لتصفية حساباتهم الخاصة والتعامل مع كل الهيئات والمنظمات بهذا الشكل. وأضاف الصغير أن “هذا الأسلوب عشناه سابقاً في 2012، وتكرر مع أنصار سعيّد، وفي هذا رسائل لا تخلو من عدوانية تجاه الآخر”، مبيناً أن هذا يدل على الفشل الذريع في طرح البرامج الخاصة بتسيير الدولة وأنّ السلم الأهلي في خطر، بل إنه أصبح مهدداً، وفي غياب البرامج يحرك الشحن والتحريض مثل هذه القوى.
ولفت الصغير إلى أن أخطاء اتحاد الشغل ونقد بعض الخيارات التي قام بها، كتمديد عمل المكتب التنفيذي الذي انتهت ولايته، والتي قادت إلى أزمة جعلت الاتحاد في وضع صعب، لا يجب أن تكون الشماعة لقبول ما حصل أمام مقره، مضيفاً أن تداعيات ما حصل خطيرة لأنه بعد كل حملة تحريض تحصل عادة قرارات سياسية، والأخطر منها هو تهديد السلم الأهلي لأن كل شيء متوقع ووارد، إذ إن المحظور قد يقع، من اعتقالات وحل الاتحاد بتصفية سياسية، فكل السيناريوهات ممكنة.
أما المنسق العام لائتلاف صمود، عضو الشبكة التونسية للحقوق والحريات حسام الحامي، فقال إن ما حصل أمام مقر الاتحاد خطير جداً، ويذكّر بما تعرض له الاتحاد في 2012، في محاولة تقريباً للاعتداء على الاتحاد للأسباب نفسها، وهي العداء الذي يكنه البعض لهذه المنظمة العريقة، ومحاولة ضربها وضرب العمل النقابي، مشيراً إلى أن المشهد يتكرر بالأسلوب نفسه من تجييش على وسائل التواصل الاجتماعي وتخوين وتحريض ودعوات لحل الاتحاد، خصوصاً بعد نجاح الإضراب الذي قامت به الجامعة العامة للنقل أخيراً.
ولفت الحامي إلى أن الحوار الاجتماعي بين الاتحاد والسلطة معطل تماماً، وبالتالي فإن الاتحاد يمثل سلطة مضادة، ونجاحه في الإضرابات يعني أنه مزعج للسلطة، مؤكداً أن رأس السلطة تولى تخوين القائمين على الإضراب ووصفهم بالخونة، وهذا خطير، لأن الدستور يضمن حق الإضراب. وأضاف أن نتيجة الخطاب الرسمي المتشنج الذي يستهدف حق العمال في العمل النقابي، مع بروز هذه المجموعات التي تقدم نفسها بكونها مساندة لمسار الرئيس، تمثلت بما حصل يوم الخميس الماضي، مؤكداً أن النقابيين نجحوا في التصدي للمعتدين، كما أن أعداد هؤلاء كانت ضئيلة.
واعتبر أن على القوى الديمقراطية التجنّد للدفاع عن الحقوق والحريات بما في ذلك الحق النقابي ومختلف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مضيفاً أن على السلطة أن تتفهم أن مثل هذه الحوادث ستقود البلاد إلى مزيد من التأزم، وستفاقم الأزمة السياسية التي تعيشها تونس، مؤكداً أنه لا بد من إحكام صوت العقل، والتراجع عن محاولة القضاء على كل الأجسام الوسيطة ومحاولة تصفية مكتسبات الثورة ومؤسسات الدولة.
وفي قراءة لما حصل أمام مقر اتحاد الشغل، رأى المحلل السياسي قاسم الغربي، أن ما حصل هو حلقة أخيرة وتتويج لنزع المشروعية لما تبقّى من الأجسام الوسيطة، بمعنى أنه لم يبق سوى الاتحاد العام التونسي للشغل كآخر حلقة من الأجسام الوسيطة، مضيفاً أنه كانت هناك عدة إشارات أو محاولات لبداية نهاية هذا الجسم، فهناك أزمة داخل اتحاد الشغل أدت إلى ما وقع الخميس الماضي، فتمسك القيادة الحالية بالفصل 20 وتمديد الولاية هي من أسباب حصول الأزمة داخل الاتحاد، ما جعل استهدافه سهلاً أو ممكناً.
وأضاف أن من التداعيات أن الأمر لن يتوقف عند ما حصل الخميس من هجوم، فربما قد تكون هناك أشكال لضرب الاتحاد، ولكن من الواضح جداً أن القيادة الحالية لا يمكنها مواصلة قيادة المنظمة، مشيراً إلى أنه لا بد من مراجعات عاجلة إنقاذاً للمنظمة وليس للأشخاص، أي لا بد من تغيير قيادات المنظمة بشكل قانوني كالدعوة إلى مؤتمر استثنائي، وإلا فإن الأزمة ستتواصل وستقود إلى تهميش المنظمة. وتابع: صحيح أن المحتجين كانوا من خارج اتحاد الشغل، لكنهم من مختلف القطاعات، والتساؤل اليوم هل بإمكان الاتحاد في قادم الأيام ضمان تحركاته النقابية، خصوصاً في ظل وجود معارضين من داخله؟ معتبراً أن المنظمة دخلت في حلقة يصعب على القيادة الحالية الخروج منها. وحول الدعوات الموجهة إلى رئيس الجمهورية لحل الاتحاد، اعتبر الغربي أن هذا غير ممكن قانونياً، وهي من الدعوات الشعبوية للمزايدة السياسية، ولكن ضرب وتغيير القيادة الحالية سياسياً يظل ممكناً.
من جهتها، دانت جبهة الخلاص الوطني، في بيان، “أعمال الشغب التي تثيرها الجماعات الموالية للسلطة والتي تستهدف مقرات الأحزاب والجمعيات المدنية بغاية شل نشاطها ودفع السلطة إلى حلها”، معربة عن تضامنها الكامل مع اتحاد الشغل وعامة النقابيين، مذكرة بأنّ مقرها ومقر حزب حراك تونس الإرادة ومقرات حركة النهضة كانت قد تعرضت منذ أكثر من سنتين إلى الغلق من قِبل السلطة دون إذن قضائي وبناء على قانون الطوارئ سيئ الصيت الذي سن في أعقاب أحداث الخميس الأسود (26 يناير/ كانون الثاني 1978)، والذي يمنح وزير الداخلية حق غلق المقرات لمدد غير محددة، وكانت القوى السياسية والمدنية قد طالبت بإلغائه منذ ذلك الوقت لتعارضه مع المبادئ الدستورية. ودعت جبهة الخلاص القوى المتضررة من الدكتاتورية والمتمسكة بأسس ومبادئ الديمقراطية إلى الكف عن مهاجمة بعضها بعضاً، وإلى مد أيديها بعضها لبعض، من أجل تعديل موازين القوى واستعادة الديمقراطية في كنف الحرية والفصل بين السلطات وسيادة القانون والدستور.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس