حذامي خريّف
أفريقيا برس – تونس. في حوارها مع “أفريقيا برس”، أكدت سابينا هينبرج (Sabina Henneberg) مديرة برنامج البحوث الناشئة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن “الوضع في تونس على مفترق طرق، والوحدة بين المعارضة تبدو بعيدة المنال”، مشيرة إلى أن الوضع في تونس شديد التعقيد، فرغم أن “الرئيس قيس سعيّد لم يعد يمثل نموذجا للديمقراطية، فإن الأوضاع على المدى القريب من المرجح أن تبقى على حالها”.
تأتي تصريحات هينبرج، مؤلفة كتاب “إدارة التحول: المرحلة الأولى بعد الانتفاضة في تونس وليبيا”، في وقت تتجه فيه أنظار صانعي السياسات الأميركيين نحو تونس، مع تصاعد النقاش في الكونغرس حول طبيعة العلاقة مع البلاد في ظل الأزمات المستمرة.
ومن بين التطورات الأخيرة، أثار مشروع قانون عرض على الكونغرس بعنوان “قانون استعادة الديمقراطية في تونس” جدلا واسعا، في وقت نشر فيه معهد واشنطن دراسة لهنبرج تبرز التطورات السياسية في تونس ومآلات الوضع من منظور أميركي.
ويكتسب هذا الحوار أهميته من كونه يعكس محتوى الدراسة الصادرة عن “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، الذي تأسس عام 1985 من قبل لجنة العلاقات الأميركية الإسرائيلية، ويتميز بتأثيره في الأوساط الأميركية وصانعي القرار. الدراسة تتجاوز البعد الأكاديمي التحليلي، لتسلط الضوء على الأبعاد العملية للسياسات الأميركية واللوبيات المؤثرة، وتقدم إطارا لفهم كيفية تعامل واشنطن مع التحولات الراهنة في تونس، وما قد يعنيه ذلك لمستقبل البلاد، في سياق التطورات الإقليمية والدولية، لا سيما موقف تونس من الحرب في غزة والصراع العربي الإسرائيلي.
للأسف، تبدو آفاق وحدة المعارضة في تونس ضئيلة. يُعد الاتحاد العام التونسي للشغل من المنظمات القليلة التي تحظى بتأييد واسع على الصعيد الوطني، ولكنه تعرّض لاهتزازات في السنوات الأخيرة وفقد قدرته على حشد الجماهير. الحدث الأكثر ترجيحا من قدرة المعارضة على تشكيل جبهة موحدة هو حدوث صدمة اقتصادية تُشعل فتيل الاضطرابات. في هذه الحالة، ستحتاج المعارضة، بالتنسيق الأمثل مع الحركات الاجتماعية مثل الاتحاد العام التونسي للشغل، وفي ظل تفاهم واسع فيما بينها على خارطة طريق للانتقال، إلى تولي دور قيادي. لكن، في هذه المرحلة، يبدو أن هذه السلسلة من الأحداث تبدو بعيدة المنال.
سابينا هينبرج هي مديرة برنامج البحوث الناشئة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى وتحمل شهادة الدكتوراه والماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جونز هوبكنز، ومدرسة الدراسات الدولية المتقدمة (SAIS)، إضافة إلى بكالوريوس من كلية كولورادو. تركزت أطروحتها حول الحكومات الانتقالية الأولى في تونس وليبيا بعد انتفاضات 2011، وتواصل أبحاثها كزميلة ما بعد الدكتوراه في برنامج الدراسات الإفريقية بـSAIS. عملت في مجالات التعليم الدولي وتنمية المجتمع المدني في إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، وشاركت في مشاريع تتعلق بحقوق الإنسان وقضايا النوع الاجتماعي. كما درّست اللغة الإنجليزية في جامعة نانكاي بالصين، وهي حاصلة على منحة بورن وزمالة كوزموس لعام 2015.
كيف تُقيّمون تأثير الإجراءات الاقتصادية الأخيرة – مثل قانون العمل الجديد وسعي تونس إلى مشاريع دولية مثل مشروع “إلمد” – على الاستقرار الداخلي والعلاقات الخارجية لتونس؟
يتباين تأثير الإجراءات الاقتصادية الأخيرة. من ناحية العديد من السياسات الاقتصادية للرئيس قيس سعيد تبدو كرد فعل على مظالم أو مشاعر شعبية أكثر منها جزءا من رؤية اقتصادية أوسع، وغالبا ما يتبين أنها غير شعبية أو غير فعّالة (أو كليهما). ومن ناحية أخرى، يُعدّ استمرار مشاريع مثل مشروع “إلمد” (يهدف لربط تونس بالسوق الكهربائية الأوروبية) أحد مصادر الأمل القليلة في تحقيق بعض التحسن الاقتصادي في تونس، مع أنني لست متأكدة من أن تأثيرها سيكون كافيا لضمان الاستقرار الداخلي.
يتباين تأثير هذه الإجراءات على العلاقات الخارجية أيضا. فبينما قد يواجه التبني الكامل للتعاون الدولي بعض ردود الفعل السلبية محليا، فإن مشاريع مثل “المؤسسات المجتمعية”، التي تهدف إلى استخدام الأموال التونسية المُستردة لتمويل التعاونيات المحلية، مما يُقلل من اعتماد تونس على الجهات الخارجية في التنمية الاقتصادية، لم تُحقق أي تقدم.
ما هو الدور الذي تراه للولايات المتحدة في تشكيل هذه التطورات أو الاستجابة لها، خاصة في ضوء التصريحات الأميركية الأخيرة بشأن تونس؟
لقد تضاءل الزخم لدى صانعي السياسات الأميركيين لدعم الديمقراطية والاستقرار في تونس إلى حد كبير، مما حدّ من أي تأثير محتمل لها في هذه المرحلة. علاوة على ذلك، يشكك التونسيون في دوافع الولايات المتحدة، خاصة منذ بدء الحرب على غزة، ولم تُبدِ الحكومة التونسية أي اهتمام بالحصول على دعم أميركي إضافي. من المرجح أن تواصل الولايات المتحدة (على الأقل من خلال وزارة الخارجية) نهجها في بذل الجهود في مجالات مثل العلاقات التجارية، ولكن تعميق العلاقة في هذه المرحلة سيكون صعبا.
من بين السيناريوهات التي حددتها – تحولات داخلية في السلطة، أو احتجاجات جماهيرية، أو تحدٍّ ائتلافي للرئيس سعيد – هل تجدون احتمالا متزايدا لحدوث أيٍّ منها في هذه المرحلة؟
جميع هذه السيناريوهات يصعب التنبؤ بها بنفس القدر. على سبيل المثال، كانت الاحتجاجات التي أعقبت المواجهة بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة في أواخر أغسطس ملحوظة، ولكن من الصعب معرفة ما إذا كانت ستتطور إلى شيء آخر. من المرجح أن يعتمد تحدّ ائتلافي للرئيس سعيد أو انقطاع في السلطة مدفوع داخليا على مناورات خلف الكواليس قد تحدث أو لا تحدث. هناك أيضا العديد من العوامل الخارجية، مثل صحة الرئيس أو صدمة اقتصادية، التي قد تؤثر على الاستقرار.
كيف تقيمون الموقف الرسمي التونسي من الحرب في غزة والحسابات الإستراتيجية المحتملة؟
يتمثل الموقف الرسمي التونسي من الصراع في إدانة العدوان الإسرائيلي بشدة (عادة ما يُشير إلى “الكيان الصهيوني” وليس إسرائيل)، ووصف هجوم إسرائيل بأنه انتهاك للقانون الدولي. ويتماشى هذا مع مواقف تونس تجاه إسرائيل، وخاصة منذ بداية الصراع على غزة. ورغم أن تونس حافظت في الماضي على موقف أكثر توازنا تجاه إسرائيل، إلا أن العداء الأخير يتماشى مع خطاب سعيد الشعبوي/السيادي، نظرا للتعاطف القوي للشعب التونسي مع القضية الفلسطينية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس