فيلم «جاد» يدقّ ناقوس خطر المستشفيات العمومية بتونس

فيلم «جاد» يدقّ ناقوس خطر المستشفيات العمومية بتونس
فيلم «جاد» يدقّ ناقوس خطر المستشفيات العمومية بتونس

أفريقيا برس – تونس. عُرض بتونس الفيلم الروائي الطويل «جاد» لجميل نجار، المستوحى من واقعة سقوط طبيب داخل مصعد معطّل بمستشفى جندوبة. يوظّف العمل دراما واقعية لكشف هشاشة المنظومة الصحية العمومية وتداعياتها على المرضى والعاملين، عبر حكايتين تتقاطعان داخل مستشفى عمومي. حصد الفيلم إشادات وجوائز في الجزائر والمغرب، ويُطرح تجاريًا بالقاعات التونسية ابتداءً من 22 أكتوبر، مع تخصيص عائداته دعمًا للمستشفيات.

احتضن مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة، مساء الأحد، العرض ما قبل الأول في تونس للفيلم الروائي الطويل «جاد» للمخرج جميل نجار، بعد أن كان قد عُرض سابقًا في كل من المغرب والجزائر، حيث حصد إشادة نقدية وجائزة الجمهور في مهرجان عنابة السينمائي في أكتوبر الجاري، وجائزة أفضل ممثل لمحمد مراد في مهرجان الدار البيضاء السينمائي في جوان 2025.

استوحى المخرج فيلمه من واقعة حقيقية لطبيب يعمل في المستشفى الجهوي بجندوبة، تعرّض لحادث سقوط داخل مصعد معطّل، وهي حادثة هزّت الرأي العام وفتحت نقاشًا حول الخدمات الصحية العمومية في تونس التي يقرّ المطلعون على القطاع بتراجعها بعد ثورة 17 ديسمبر 2010. وتدور أحداث الفيلم حول تعرّض مواطن من طبقة ثرية لحادث مروري استوجب نقله إلى مستشفى عمومي، وفي المقابل يتعرّض عامل بناء من طبقة فقيرة إلى سقوط من بناية ويُنقل إلى المستشفى نفسه. ومن هذه الأحداث تبدأ مأساة العائلتين في كشف هشاشة المنظومة الصحية وتداعياتها على العاملين والمرتادين على حدّ سواء.

يؤدّي الأدوار في الفيلم الممثلون: محمد مراد، وياسمين الديماسي، وسوسن معالج، وسهير بن عمارة، وعبد الكريم البناني، وجمال ساسي، ومحمد علي بن جمعة، وفتحي مسلماني.

هذا الفيلم، الذي صُوِّر في شهر أوت 2024، يُعدّ التجربة الروائية الطويلة الأولى لجميل نجار، لكنه يقدّم نضجًا فنيًا وإنسانيًا يشي بتجربة سينمائية مكتملة الملامح. فهو لا يكتفي بسرد قصة درامية مستوحاة من واقع مأساوي، بل يتّخذ من السينما أداة مساءلة ومواجهة. وفي «جاد»، تتحوّل الكاميرا إلى شاهد صامت على تدهور منظومة صحية عمومية كاملة، لا يوجّه فيها المخرج أصابع الاتهام إلى أفراد بعينهم بقدر ما يُعرّي واقعًا متجذرًا من اللامبالاة والبيروقراطية والعنف الرمزي الذي يطال الإنسان البسيط حين يجد نفسه أسير مؤسسة فقدت روحها.

منذ اللقطة الأولى يعتمد النجار لغة بصرية متقشّفة تحاكي برودة الجدران البيضاء للمستشفيات التي تحوّلت إلى فضاءات للانتظار والوجع. جاءت الإضاءة باهتة وأسهمت في بناء توتر داخلي يلازم المتفرّج حتى النهاية. ومن الناحية الفنية لا وجود لعاطفة زائدة ولا خطاب مباشر؛ بل سرد متدرّج يُعرّي الواقع عبر التفاصيل الصغيرة: نظرة ممرضة عاجزة، مريض يستغيث بصمت، أو مدير يتحدّث في الإعلام عن “خدمات متطورة” فيما الواقع يروي أحداثًا مغايرة تمامًا.

كثّف جميل نجار توظيف لقطات مباشرة كما هي، من دون “روتوش”، ليضع المشاهد في مواجهة مأساة لا يمكن تجاهلها، كاشفًا غياب أبسط مقوّمات الرعاية من تجهيزات وتردّي البنية التحتية وتعاظم مظاهر الفساد والمحسوبية واللامبالاة، وفق ما تجسّده أحداث الفيلم.

وسيكون الفيلم متاحًا للعرض التجاري في القاعات التونسية ابتداءً من يوم 22 أكتوبر الجاري، في وقت أعلن فيه فريق العمل أن عائداته ستُخصّص للمستشفيات التونسية، في مبادرة رمزية تحمل عمق الرسالة الإنسانية التي يقوم عليها العمل.

عرف القطاع الصحي العمومي في تونس نقاشًا متصاعدًا منذ ما بعد 2011 حول تحديات التمويل والبنية التحتية والموارد البشرية وتفاوت الخدمات بين الجهات. وبرزت خلال السنوات الأخيرة حوادث فردية أثارت الرأي العام، وأعادت طرح أسئلة السلامة وصيانة التجهيزات والإدارة الرشيدة والحوكمة. في هذا السياق، تبنّى عدد من صناع السينما معالجة قضايا اجتماعية ملحّة، فصار الفيلم أداة للضغط الأخلاقي وتسليط الضوء على المخاطر البنيوية وإمكان الإصلاح. يأتي «جاد» ضمن هذا المسار، مستندًا إلى واقعة واقعية ليقترح مقاربة فنية ناقدة تُحرّك النقاش العمومي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here