تونس: الهيئة المغاربية تعلن إطلاق أسطول صمود جديد خلال الأشهر المقبلة

تونس: الهيئة المغاربية تعلن إطلاق أسطول صمود جديد خلال الأشهر المقبلة
تونس: الهيئة المغاربية تعلن إطلاق أسطول صمود جديد خلال الأشهر المقبلة

أفريقيا برس – تونس. في الوقت الذي ما زال فيه صدى مبادرة “أسطول الصمود العالمي” حاضراً في أذهان الرأي العام، يتحرك نشطاء تونسيون من جديد لحشد الدعم لإطلاق مبادرات إضافية تتجاوز رمزية الأسطول وتتجه نحو فعل أكثر تأثيراً في مساندة سكان غزة.

ويأتي هذا الحراك بالتوازي مع دعاوى قضائية دولية تسعى الفرق القانونية للأسطول بفرعيه المغاربي والعالمي إلى رفعها رداً على الانتهاكات التي تعرض لها نشطاء الأسطول على يد إسرائيل خلال عملية احتجازهم.

وانطلق “أسطول الصمود” من مدينة برشلونة الإسبانية في منتصف عام 2025 بمشاركة عشرات النشطاء من أوروبا والعالم، قبل أن تحط سفنه في الموانئ التونسية لاستكمال التجهيزات وتلقي الدعم المدني.

وعلى بعد أميال قليلة من سواحل غزة، اعترضته البحرية الإسرائيلية واقتادته بالقوة إلى ميناء أسدود، حيث تعرض المشاركون، وبينهم تونسيون، إلى سلسلة من الاعتداءات ثم احتجازهم في سجن النقب، وفق شهاداتهم التي تضمنت تفاصيل عن العزل والضرب ومصادرة المتعلقات ومنع التواصل القانوني، ورغم قرار الإفراج عن النشطاء لاحقاً، إلا أن أعضاء الأسطول يؤكدون أن التجربة لم تنته بالنسبة لهم، إذ أطلقوا جولة دولية تشمل عدداً من العواصم الأوروبية والأمريكية لتقديم رواياتهم حول ما جرى، وكشف الممارسات التي تعرضوا لها، وحشد الدعم الشعبي والسياسي لمبادرات جديدة تكسر الحصار وتسلط الضوء على الانتهاكات المستمرة في غزة.

وفي تونس، يتصدر هذا الملف نقاشات منظمات مدنية وشخصيات ناشطة تبحث سبل الانتقال من مبادرة رمزية مثل الأسطول إلى برامج مستدامة تهدف إلى الضغط القانوني والحقوقي، ودعم الضحايا، وتوسيع شبكة التضامن الدولي.

تغييرات تنظيمية ومسار جديد في الإعداد للنسخة المقبلة

وأوضح عضو الهيئة التسييرية لأسطول الصمود المغاربي نبيل الشنوفي، أن الأسابيع الماضية شهدت سلسلة من الجلسات التقييمية في مختلف الدول المشاركة، حيث رفعت كل هيئة تقريرها قبل مناقشته في الإطار المغاربي المشترك.

وأضاف الشنوفي أن التقييم جرى على ثلاث مراحل: الأولى في تونس مع الهيئة التسييرية المحلية ولجان العمل، والثانية مع الهيئة المغاربية التي أعادت هيكلة تركيبتها واستبعدت العناصر غير الفاعلة، فيما خُصصت المرحلة الثالثة لاجتماع في تركيا مع الهيئة العالمية، حيث شمل التقييم أربع مبادرات، وهي أسطول الصمود المغاربي ومبادرة نوسانتارا وحراك GMTG وجزء من أسطول الحرية.

وأوضح الشنوفي أن الاجتماعات في تركيا لم تقتصر على تقييم الأخطاء فحسب، بل تضمنت أيضاً إعداداً لثماني لجان متخصصة، تشمل الجوانب القانونية واللوجستية والتنظيمية، إضافة إلى وضع الخطوط العريضة للمبادرة المقبلة.

وقال: “إحدى النقاط المحورية التي يجري نقاشها اليوم هي “مأسسة المبادرة” عبر إطار عالمي منظم”، مشيراً إلى أن الفكرة مطروحة بقوة وإن كانت ما زال قيد التداول.

وأشار الشنوفي إلى أن التجربة السابقة كشفت عن جملة من الإخفاقات التي ستُتدارك في المبادرة القادمة، بينها ضعف التوازن بين مشاركي شمال الكرة الأرضية وجنوبها، إضافة إلى أخطاء لوجستية كبرى ناجمة عن تغييرات مفاجئة في مسار الأسطول الإسباني الذي وصل بالكامل إلى تونس رغم أن المخطط الأصلي كان يستهدف استقبال عدد محدود فقط من ممثلي الهيئة العالمية، وهو ما شكل عبئاً لوجستياً ومادياً أثر على تجهيز السفن وتوزيع الجهود.

أسطول بحري أضخم وقافلة برية في الأفق

وفيما يتعلق بالمبادرة القادمة، أكد الشنوفي: “هناك أسطول قادم في الأشهر القليلة المقبلة بطريقة مختلفة، وسيكون أضخم عدداً من حيث السفن وطريقة الإبحار”.

وأضاف أن الموانئ التي ستشارك في العملية ستتغير بناءً على تقييم التجربة السابقة، موضحاً أن تونس “لن تكون منطقة تجمع هذه المرة، بل على الأرجح منطقة عبور”، نظراً إلى العبء السياسي واللوجستي الكبير الذي تحملته في الجولة الماضية، في حين أن دولاً مثل الجزائر، كما قال، “قادرة على تحمل جزء مهم من المسؤولية على المستوى المغاربي”.

وأشار إلى توقعات إيجابية بشأن قبول جزائري باستقبال الأسطول الجديد، مستشهداً بمواقف سابقة من بينها استقبال وفد المعتقلين المحررين رسمياً من سجن النقب. كما كشف الشنوفي أن موريتانيا ستكون ضمن الدول التي سيُدفع نحو إشراكها رغم عدم امتلاكها موانئ على المتوسط، عبر انطلاق سفن من سواحلها باتجاه إسبانيا ثم الالتحاق بالأسطول عبر تونس.

أما ليبيا، فيجري، وفق قوله، نقاش واسع لاستغلال موانئ طرابلس أو مصراتة ضمن خطة الإبحار.

وعن التحركات الدولية الجارية، أوضح أن الجولات التي ينشط فيها ممثلون عن الأسطول حالياً في برشلونة ومدريد هي تحركات فردية لا تمثل الهيئة العالمية، مشيراً إلى أن الفترة القادمة ستشهد “جولة عالمية كبرى” تشمل عشرات الدول بهدف التذكير بالحصار المستمر على غزة رغم توقف إطلاق النار، وما يعانيه السكان داخل الخيام وتوقف نشاط المستشفيات وتعطل دخول المساعدات.

وأضاف أن الهدف هو تعزيز الحشد الدولي، موضحاً: “شاركنا في المرة السابقة بـ44 دولة، ونسعى هذه المرة إلى إشراك عدد أكبر وإحداث زخم شعبي يعطي للحراك فاعلية أكبر”.

وفي سياق موازٍ، أكد الشنوفي أن العمل جارٍ على تنظيم قافلة برية إغاثية “لن تكون مغاربية فقط، بل عالمية”، ومن المقرر أن تنطلق من موريتانيا مروراً بليبيا ومصر وصولاً إلى معبر رفح، بهدف الضغط لتسهيل إدخال المساعدات بالتنسيق مع الدولة المصرية والمنظمات الدولية وعلى رأسها الهلال الأحمر.

عزيمة على المواصلة

ويرى المصور الصحفي ياسين القايدي وعضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، أن مبادرة “أسطول الصمود” ليست محطة عابرة، بل خطوة أولى في مسار طويل يعتزم مواصلته مهما كانت التحديات.

ويؤكد أنه سيكون في الصفوف الأولى لأي مبادرة جديدة، مشيراً إلى أن الترهيب الذي مارسته إسرائيل لم ينجح في ردعه ولا في كسر إرادة المشاركين.

ويقول بوضوح: “الجيش الإسرائيلي مارس علينا العديد من الانتهاكات بهدف إثنائنا عن تنظيم مبادرات مماثلة، ولكن ذلك لم يزدنا سوى ثباتاً وقوة عزيمة وإصراراً”.

ويشدد القايدي على أن التجربة القاسية التي مرّ بها لم تؤثر على إيمانه بضرورة كسر الحصار عن قطاع غزة الذي عاش سكانه ويلات الإبادة والتقتيل والتجويع، بل جعلته أكثر اقتناعاً بأن التضامن الميداني هو الخطوة الأهم اليوم.

ويوضح أن ما تعرض له النشطاء عزز قناعتهم بأن التحرك يجب أن يستمر، لا أن يتراجع، قائلاً: “بعد ما حدث لنا من استهداف، لن نتأخر عن مساندة إخواننا في غزة وفي بذل كل ما بوسعنا من أجل كسر الحصار عنهم”.

ويؤكد القايدي أن سلمية التحرك هي جوهر هذه المبادرات، مشيراً إلى أن سلاحه الوحيد هو “القلم والكاميرا” اللذان يعتبرهما أداة مقاومة لا تقل أهمية عن أي تحرك آخر. ويرى أن حضور عشرات الجنسيات في تونس خلال التحضير للأسطول كان دليلاً عملياً على أن القضية الفلسطينية ما زالت قادرة على جمع العالم حولها، وهو ما يعزز إيمانه بضرورة استمرار المبادرات وعدم التوقف عند حدود ما تم إنجازه حتى الآن، وفق قوله.

دعاوى قضائية أمام محكمة الجنايات الدولية

وأكد عضو الفريق القانوني لأسطول الصمود المحامي يوسف المحواشي، أن التحضيرات جارية لرفع دعاوى قضائية ضد الانتهاكات التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق نشطاء الأسطول.

وأضاف: “نحن بصدد التحضير، ستكون هناك تتبعات قانونية ضد الانتهاكات التي اقترفتها إسرائيل سواء في حق النشطاء في أسطول الصمود أو في حق الفلسطينيين الذين تم الاعتداء عليهم أو تهجيرهم”.

وأشار المحواشي إلى أن الإجراءات القانونية معقدة وتتطلب صبراً ودقة، موضحاً أن “الهدف هو رفع الانتهاكات إلى محكمة الجنايات الدولية ضمن قسم الضحايا، لأن النشطاء يعتبرون ضحايا للاعتداءات التي حصلت في أعماق البحار الدولية، خارج أي سلطة إسرائيلية”.

وأضاف أن جمع الأدلة يجري بالفعل، مستنداً إلى شهادات النشطاء وكاميرات المراقبة داخل السفن، مؤكداً أن هذا الجانب يسير دون عوائق تذكر، وأن هذه الانتهاكات موثقة وواضحة.

كما أوضح المحواشي أن الفريق القانوني يعمل بالتنسيق مع مختلف الفرق القانونية الممثلة لنشطاء أسطول الصمود عبر العالم لضمان تقديم القضايا بطريقة صحيحة وموحدة، معتبراً أن السرعة أقل أهمية من الدقة في هذه الإجراءات، خاصة مع الكم الهائل من القضايا المرفوعة ضد إسرائيل.

وأكد أن التحرك القانوني نجح بالفعل في كسب خطوة مهمة تتمثل في صدور بطاقة جلب دولية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي، ما ساعد على عزل إسرائيل من الناحية الدبلوماسية.

واختتم المحواشي بأن هذه الخطوات القانونية هي جزء من مسعى أوسع لتعزيز شرعية الشعب الفلسطيني على المستوى الدولي، وتحقيق هدف قريب المدى يتمثل في عزل إسرائيل سياسياً وقانونياً، في خطوة تعتبر بداية لتقويض الانتهاكات المتكررة التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، وفق قوله.

ومطلع الشهر الجاري، رفضت المحكمة الجنائية الدولية الاستئناف الذي تقدمت به إسرائيل لإلغاء مذكرتي الاعتقال الصادرتين بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here