آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. ندد طيف واسع من التونسيين مساء السبت، في مسيرة حاشدة جابت شوارع العاصمة، بالظلم وبتراجع مناخ الحريات وبتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وتحت شعار “ضد الظلم” تظاهر أكثر من ألفي شخص، بينهم ناشطون وسياسيون ومواطنون، وساروا لأكثر من ساعتين في وسط العاصمة مرددين هتافات منتقدة للسلطة مثل “حرية حرية” و “هايلة البلاد.. قمع واستعباد”، و”الشعب يريد إسقاط النظام”.
وتوقفت المسيرة التي تعد الأكبر من نوعها في الأشهر الأخيرة، في محطات رمزية خصوصا أمام مقر المجمع الكيميائي التونسي الذي يُحمّل مسؤولية التلوث البيئي في مدينة قابس (جنوب شرق)، وأمام مقر النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين التي ندّدت، بـ”موجة غير مسبوقة من القمع والتضييق على حرية الصحافة والتعبير”.
واختارت المسيرة، التي أشرفت عليها هيئة الدفاع عن أحمد صواب، المحامي والقاضي السابق المسجون على خلفية انتقاده للنظام القضائي، التطرق لأغلب الملفات الحارقة التي تشغل بال المواطن التونسي، وأبرزها القضية البيئية في ولاية قابس، وتدهور قطاعي الصحة والتعليم واهتراء المدارس والمستشفيات والبنية التحتية.
كما كان ملف الحريات حاضرا بقوة حيث ندد المتظاهرون بموجة الاعتقالات التي طالت السياسيين والحقوقيين والعاملين في المجال الإنساني في السنوات الأخيرة مطالبين بإطلاق سراحهم.
وأشار وليد حمام عضو المكتب السياسي لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، أحد المشاركين في المسيرة، في حديثه ل”أفريقيا برس” أن “المسيرة كانت في مستوى انتظارات المنظمين، وهي مسيرة مقبولة من حيث نسبة المشاركة، وقد خرج إليها عدد محترم من التونسيين.”
وأضاف” لقد كسر الناس حاجز الخوف وخرجوا للشارع للتنديد بتردي الأوضاع في البلاد، كما نددوا بمكوث المعتقلين السياسيين ظلما في السجون”. ملاحظا “تنوع المسيرة بمشاركة سياسيين ونقابيين وحقوقيين وشباب من مختلف التيارات، على غرار رموز المعارضة التونسية.”
ورأى أن “المسيرة نجحت في إذابة الجليد بين مختلف التيارات السياسية التي اصطفت وراء مطالب موحدة”. لافتا أن “حزب التكتل يحاول أن يشبك أكثر ما يمكن من أحزاب وجمعيات مجتمع مدني لأجل حلحة الأمور وحتى تنظر السلطة الحاكمة بجدية لجميع الملفات العالقة. كما نأمل أن “تدفع مثل هذه التحركات نحو انفراجة في مجال الحريات ببلدنا”.
وأوضح شكري عنان الناطق الرسمي باسم حركة حق، احد التيارات المشاركة بالمسيرة،في حديثه مع “أفريقيا برس” دوافع مشاركة الحركة، بالقول” إنطلاقا من مبادئها الثابتة في الدفاع عن مقومات الدولة المدنية والديمقراطية الحقة ودولة الحق والقانون والذود عن حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، فإن حركة حق دعت مناضلاتها ومناضليها وجميع الطيف السياسي والمدني إلى المشاركة بكثافة في مسيرة السبت ضد الظلم”.
وتابع “ما يميز تحركنا اليوم هو أنه وانسجاما مع المبادئ والأهداف التي تضمنها “إلتزام وطني” الذي أمضينا عليه يوم 15 أكتوبر 2025، فإن الأطراف الموقعة على “إلتزام وطني” وفي إجتماع تنسيقي يوم 20 نوفمبر 2025، إتفقنا على إصدار بلاغ مشترك يوم 21 نوفمبر 2025 للدعوة إلى المشاركة في المسيرة، وهي خطوة هامة لتنسيق الجهود ولبلورة مبادئ وأهداف إلتزام وطني على أرض الواقع. ”
وأبدت أوساط سياسية وحقوقية تفاؤلها في قدرة المسيرة والتحركات القادمة على تخفيف الضغوط على مجال الحريات في البلاد، كما أن مثل هذه التحركات التي نجحت في تجميع تيارات مختلفة قادرة على توحيد الطيف السياسي المعارض والاصطفاف وراء برنامج موحد يعيد ثقة الشارع في نخبه السياسية.
واعتبر منصف الشريقي الأمين العام للحزب الاشتراكي، في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “مثل هذه المسيرات من شأنها تخفيف الضغط على ملف الحريات، فعنوان المسيرة هو ضد الظلم، وهو ظلم سياسي وقضائي واجتماعي أي كل أنواع الظلم. والأساسي أن الشباب المحتج اليوم رغم اختلافاته السياسية دعا إلى مسيرة عمومية لكل الناس وبشكل موحد للتنديد بالظلم والمحاكمات الغير عادلة، والدفاع عن حرية التعبير المكسب الأساسي لتونس منذ انتفاضة 2011.”
وأردف “يجب أن نناضل لأجل استرجاع الحريات في بلدنا، نشهد تراجعا في هذا المجال وهو أمر مقلق للغاية، لكن مسيرة اليوم هي مسيرة إيجابية وقد عبرت عبر شعارات موحدة عن مطالب كل التونسيين.”
ولطالما نددت العديد من المنظمات غير الحكومية التونسية والدولية عن أسفها لتراجع الحقوق والحريات منذ الإجراءات التي أعلنها سعيّد في 25 جويلية/يوليو 2021، عندما أقال الحكومة وجمّد البرلمان وحلّه لاحقا ونظّم استفتاء على دستور جديد قائم على نظام رئاسي معزز.
لكن في المقابل ترى أوساط سياسية أخرى أن ملف الحريات بات بمثابة ورقة رابحة للمعارضة لأجل إضعاف شعبية الرئيس قيس سعيد وتحقيق مكاسب سياسية بعد تراجع ثقلها وزنها في المشهد. كما يؤكد هؤلاء التزام السلطة بحماية الحريات في البلاد.
ويقول صهيب المزريقي الكاتب والمحلل السياسي في حديثه ل”أفريقيا برس” أن “مسيرة السبت ضد الظلم، هي كغيرها من المسيرات ووقفات الإحتجاج سواء كانت الحزبية أو المنظماتية، التي كانت في كنف الحرية، فلم نسمع أحد من المتظاهرين السلميين تم إيقافه بمجرد مشاركته في وقفة إحتجاجية أو مسيرة أو تحرك عبر فيه عن رأيه وموقفه، وأيضا نرى اليوم التعليقات على صفحات وسائل التواصل الناقدة لسياسة الدولة أو حتى بعض الفيديوهات المركبة على رئيس الجمهورية ومعروضة على صفحات التواصل الإجتماعي ولم يتم تتبع أصحابها.”
وفي تقديره “مسألة الحقوق والحريات هي مكفولة بالقانون والدستور وهو ما تكرسه اليوم السلطة الحالية إلى حد ما، وكان رئيس الجمهورية قد صرح سابقا بأنه أعطى أوامره بحماية المتظاهرين لا الاعتداء عليهم كما كان يحصل سابقا عبر الضرب بالرش والتتبعات وغيرها، وهذا ما يؤكد إحترام الحقوق والحريات.”
ويعتقد أن “ما يراد تصديره للرأي العام الدولي من أن تونس توجهت للديكتاتورية والتضييق على الحريات هو زائف وملف توظفه القوى السياسية أو المنظماتية المحكومة بإرادة سياسية، و إلا فالسؤال الأبرز لماذا حضرت الظغمة السياسية والنقاباواتية والجمعياتية وغاب الشعب؟
وبالنسبة لمحللين ومتابعين فإن مسيرة السبت ضد “الظلم” تحمل دلالات سياسية ولها تبعات على المشهد السياسي التونسي.
ويبين خالد كرونة الكاتب والمحلل سياسي في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “مسيرة السبت التي دعت إليها لجنة مساندة “أحمد صواب” دليل على استمرار الأزمة السياسية في البلاد، وتفاقم حالة استقطابية بين “الموالين” وبين “المعارضين” وهي مرشحة لمزيد الاستفحال في الأسابيع القادمة ما لم تحصل مبادرة سياسية”.
ولاحظ أن “المشاركون والداعون إلى التظاهر جمعهم عنوان “ضد الظلم” وفرقهم فهمهم له بين من يحصره في إسناد بعض من يمثل أمام المحاكم (وليسوا جميعا) وبين من يتناول الظلم ضمن سياق أشمل يضم الوضعيات الهشة وملف قابس والتضييق الذي يمارسه المرسوم 54 على الفضاء العام…الخ.”
ووفق كرونة فإن “حرص منظمي المظاهرة على “استبعاد” الرايات الحزبية يستبطن دعوة للإسلاميين ومناصري جبهة الخلاص للاشتراك فيها (وهو ما حصل) أي محاولة خلق تقاطعات جديدة تدير الظهر للنزعات الإقصائية القديمة (بما في ذلك كسر الحاجز بين الدستوريين وبين النهضويين و كذا اليساريين) والهدف هو إنشاء “حالة سياسية “توحّد المعارضين بصرف النظر عن خلفياتهم الفكرية والسياسية حول فكرة التصدي للمحاكمات التي يعتبرونها “سياسية” ولما يتصل بها من إجراءات ضدّ بعض الجمعيات التي علق نشاطها وأخضعت للتدقيق المالي “.
وأشار إلى أن “الموالون إلى هذه المظاهرة ينظرون بعين الريبة ويشيرون إلى تزامنها مع “حملة” تنهض إليها بعض الفضائيات، وتعاضدها منشورات كثيرة على المنصات الاجتماعية، بل إن البعض يربطها أيضا بارتفاع نبرة الخطاب ضد الحكومة تحت قبة البرلمان، بما يعزز نظرية “المؤامرة” بالنسبة إليهم وهي (في تقديرهم دائما) محاولة لتعطيل سياسة “التطهير” التي أعلنها رئيس الدولة لأنّ الملاحقين قضائيا لم يمنعوا من النشاط السياسي ومن الانتظام، ولم تسحب تاشيرات أحزابهم بل (وفق نظرهم دائما) يحاكمون بتهم أخرى مثل الفساد أو التآمر أو تبييض الأموال أو وفق مقتضيات المرسوم 54.”
كما بادر البعض ممن يعارض السياسات القائمة، إلى “التبشير” بقرب النهاية و بقرب “الزوال” (وهو ما عكسته بعض الشعارات) وكثرة من المنشورات على صفحات التواصل، بل إن بعضهم بدا “واثقا” تماما من دنوّ أجل نظام سعيّد لأنه في تقديرهم “شمولي” استبدادي”، وفق ما ذكره كرونة.
وتوقع أن “محطات أخرى ستلحق مظاهرة اليوم، وقد تمّ بعدُ إعلان يوم 29 نوفمبر تاريخا لحراك جديد، ولكن القراءة المتأنية لهذه الديناميكيات تفترض تبيّن محدوديتها لا فقط لأنها ذات طابع نخبوي، بل خاصة لأنها رغم محاولة “إدخال الجميع” تحت نفس المظلة، ولكن صياغة “جملة سياسية موحدة” يبدو أمرا بعيد المنال تبعا من جهة لتعقيدات اللحظة المركبة محليا وإقليميا، وتبعا كذلك لغياب “مشروع موحّد” لمن يعلن أنه يريد التصدي لمهمة “الإنقاذ” كما يرد على ألسنة كثيرة”.
وخلص بالقول” ستكشف الأيام القادمة موازين القوى الحقيقية لأن الإيحاء بدنو “النهاية” مع استمرار عزلة المعارضة شعبيا (التي تعلقها فقط على الخوف من “دكتاتورية سعيّد”) قد يتيح فضاء أوسع للموالاة التي تعتبر أن جزءا غير قليل من “الغاضبين” إمّا أنه مرتبط بشبكة مصالح تتعرض للتفتيت، وإما أنه متصل بالأجنبي على هذا النحو أو ذاك، وإما أنه “مغامر” ينتظر انقلابا طبيا، أو يتوقع تمرد القوى الصلبة على رأس الدولة كما تشير إلى ذلك منشورات عديدة.”





