آمنة جبران
أهم ما يجب معرفته
أحمد النجار، الناشط السياسي التونسي، يؤكد في حواره مع “أفريقيا برس” أن الطريق لوحدة المعارضة يحتاج إلى جهد أكبر. ويشير إلى أهمية تجاوز الخلافات الداخلية لاستعادة ثقة الشارع، ويؤكد أن النظام لن يتنازل إلا إذا تقدمت المعارضة برؤية سياسية واقتصادية واضحة. كما يتحدث عن تأثير إضرابات الجوع في السجون على الضغط على النظام.
أفريقيا برس – تونس. اعتبر أحمد النجار، الناشط السياسي، في حواره مع “أفريقيا برس” أن “الطريق لوحدة المعارضة التونسية مازال يحتاج إلى جهد تأسيسي ونفسي أكبر، رغم ما يفرضه الواقع الحقوقي والسياسي اليوم في البلاد من ضرورة ذهاب القوى السياسية والمدنية إلى وحدة فعلية للدفاع عن مناخ الحريات”.
ورأى أن “الطريق لوحدة المعارضة لحد الآن يتغذى من عصا السلطة أكثر منه من وعيها العميق بضرورة إعادة ترتيب خلافاتها وتناقضاتها”، لافتاً في ذات السياق أن “استرجاع ثقة الشارع يتطلب من المعارضة الابتعاد عن الصراعات السابقة وإظهار لحمة ووحدة تنسي الشارع كل المظاهر السلبية التي علقت بذاكرته”.
وأشار إلى أن “النظام لن يتنازل أو يتراجع ما لم تنتقل المعارضة إلى مرحلة متقدمة من الوحدة وتتقدم برؤية وبديل سياسي واقتصادي ناجع”، كما أن حالة الانسداد السياسي تتطلب “العودة للحكم الديمقراطي، عبر آلية يتفق عليها بين “عقل الدولة” وقوى المعارضة”. وفق تقديره.
كيف تقرأ توسع دائرة إضراب الجوع بالسجون التونسية، هل يمكن أن تشكل وسيلة ضغط ناجعة للموقوفين السياسيين ضد أحكام ما يعرف بقضية التآمر؟
إعلان محامين وسياسيين وأسر معتقلين وقضاة معفيين وآخرين عن إضراب جماعي لمدة ثلاثة أيام، استجابة لنداءات من داخل السجون كالتي أطلقها المحامي العياشي الهمامي، والتي لاقت استجابة واسعة، تحول السجون إلى “ساحة مقاومة”، كما وصفها بعض النشطاء.
تاريخياً، كانت إضرابات السجون خاصة الواسعة منها، تساهم في فك العزلة التي مارسها النظام، ودفعت المنظمات الحقوقية المحلية والدولية لممارسة ضغوط على النظام من أجل التفكير في حلول والبحث عن مخارج سياسية لتخفيف الضغط الممارس عليه.
لذا، يمكن أن يكون إضراب الجوع ناجعاً إذا امتد ووسع دائرته، وتم استثماره من طرف قوى المعارضة من خلال أشكال نضالية داعمة، ما عدا ذلك يظل محدود التأثير، خاصة أمام تعنت السلطة وتجاهلها، ومواصلتها حالة الإنكار لتردي الوضع السياسي والحقوقي، رغم أن الإضراب يحمل مخاطر صحية على المشاركين، ويحمل السلطة مسؤولية سلامتهم.
انطلقت مؤخراً دعوات تطالب المعارضة بتشكيل جبهة موحدة في وجه الاستبداد، هل يمكن للمعارضة أن تلتقي اليوم وتتجاوز خلافاتها؟
لقد فرض القمع الواسع للنظام للمنتظم السياسي والحقوقي والإعلامي بما فيه مدونين ومواطنين عاديين، وصدور أحكام قاسية على قيادات معارضة، ونداءات مثقفين وسياسيين مستقلين، فرض كل ذلك على المعارضة محاولات عملية لتجاوز خلافاتها. وتجلى ذلك في تصريحات بعض رموزها، وفي المشاركة ولأول مرة في تحركات جماعية مشتركة. وهي بدايات مقدرة، ولكنها لا زالت كبدايات تحتاج جهداً تأسيسياً ونفسياً أكبر، وتحتاج وعياً أكبر لتجاوز المطبات التي تعترضها في الطريق وهي كثيرة، ومنها تلك التي يعمد إليها النظام لتحويل وجهة الاهتمام أو لفتح “جروح” خلافات واختلافات “عميقة” بين المعارضة في ما بينها ما زالت لم تندمل كما يجب.
لا زال الطريق لوحدة المعارضة لحد الآن يتغذى من عصا السلطة أكثر منه من وعيها العميق بضرورة إعادة ترتيب خلافاتها وتناقضاتها بحيث تحتل المكانة الأدنى لخلافها وتناقضها مع النظام.
كيف يمكن للأحزاب المعارضة استمالة الشارع من جديد واسترجاع ثقته، هل يمكنها صياغة بديل حقيقي يقنع المواطن؟
لاستمالة الشارع، يجب على الأحزاب التركيز على قضاياه اليومية الاقتصادية المعيشية والاجتماعية، بالإضافة إلى الحريات، على أن لا يكون ذلك مجرد دغدغة لعواطفه لاستغلالها في صراعها مع النظام، وإنما في إطار رؤية وبديل حقيقي، وبجرعة نقد ذاتي صادقة ومشجعة ومقنعة، وبوجوه قيادية جديدة تبعث الأمل وتزيح الصور التي أثقلتها التجربة الماضية بتمثلات سلبية بحق أو بباطل. كما أن استرجاع الثقة يتطلب الابتعاد عن الصراعات السابقة وإظهار لحمة ووحدة تنسي الشارع كل المظاهر السلبية التي علقت بذاكرته.
إذن، يمكن صياغة بديل حقيقي، ويمكن أن تتوحد المعارضة حول رؤية ديمقراطية مشتركة، مستفيدة من انخفاض شعبية النظام بسبب القيود على الحريات، وعجزه البين عن إنجاز وعوده على مختلف الأصعدة، وتنامي الشعور بالفشل والمحسوبية والفساد في أجهزة الدولة. الشارع الآن مع كل يوم تتسع دائرة يأسه من قيس سعيد، ولكن ذلك وحده لا يكفي، بل إن عملية الاتساع نفسها تحتاج إلى دفعة قوية، وهي مسؤولية المعارضة التي عليها أن تقدم للشعب ما يجعله يولي وجهه إليها بالكامل، عن طريق ما ذكرنا من وحدتها وتقديمها لبديل عملي وتجديد في قيادتها.
هل برأيك سيؤثر ملف الحريات سلباً على شعبية الرئيس قيس سعيد، وهل يمكن أن يفتح باب الحوار لاحتواء الأزمة؟
نعم، ملف الحريات يؤثر سلباً على شعبية سعيد، ولكنه ليس كافياً وحده إلى جعل النظام يتنازل أو يتراجع. لن يتنازل النظام أو يتراجع ما لم تنتقل المعارضة إلى مرحلة متقدمة من الوحدة وتتقدم برؤية وبديل سياسي واقتصادي، ما يجعل الحراك الشعبي المعبأ بالأمل وليس فقط الرفض يصعد احتجاجاته، وذلك ما يجعل القوى الداخلية والخارجية ذات المصلحة والتي يعنيها استقرار البلد تتدخل للبحث عن حل لتجاوز الانسداد السياسي الذي فرضه قمع نظام قيس سعيد.
من المستبعد جداً أن يرضخ قيس سعيد بشخصيته التي هو عليها لأي ضغوط، ولكن عقل الدولة لن يسمح بما يؤدي بالوضع إلى الانفجار والخروج عن السيطرة، وسيبحث عن طريق آمنة تضمن تغييراً لا يؤدي إلى انهيار الدولة.
أي مستقبل للأحزاب في المشهد السياسي في ظل استمرار السلطة في إقصاء الأجسام الوسيطة؟
مستقبل الأحزاب رهين بتوحدها، وباستجابتها لضرورات المرحلة، وعلى رأسها توفير بديل وبرنامج حكم لليوم التالي، وتجدد في مؤسساتها ورموزها. ومن لم يتجدد يتبدد، إن لم يكن واقعياً فمضمونياً حيث لا يبقى منه إلا شكله.
إقصاء قيس سعيد لأجسام الوسيطة لا يؤدي إلى اضمحلالها وإن بدا ذلك مؤقتاً، وإنما إلى فرض تجديد وتجدد عليها، ففي واقعنا المعاصر لا يمكن لأي دولة الاستغناء عن الأجسام الوسيطة. من هذه الزاوية ممكن أن نقول “رب ضارة نافعة” فحلم قيس سعيد بالقضاء على الأجسام الوسيطة قد يجعلها تلد “بكراً” من جديد.
برأيكم كيف يمكن حل الأزمة السياسية والعودة لروح الحوار والتشاركية؟
الحل يتطلب عودة للحكم الديمقراطي، عبر آلية يتفق عليها بين “عقل الدولة” وقوى المعارضة، تضع حكم قيس سعيد منذ 25 جويلية/يوليو 2021 بين قوسين، وتلغي كل ما صدر عنه وخاصة الأمر 117 ودستور 2022 وكل المراسيم والقوانين والأحكام القضائية والاتفاقيات الدولية، كما تضمن استمرارية الدولة من خلال دستور 2014، وفق مرحلة انتقالية لا تتجاوز السنة تختم بانتخابات تشريعية ورئاسية. والبرلمان الجديد ورئيس الجمهورية، هما من يوكل إليهما بروح تشاركية، الإشراف على الإصلاحات الضرورية الدستورية والقانونية والاقتصادية الاجتماعية التي تحتاجها الدولة ويحتاجها المجتمع التونسي.
هل يمكن للدولة العميقة أن تتجاوز قيس سعيد وتفكر في بديل بعد زيادة وتيرة الاحتجاجات؟
إذا قدرت الدولة العميقة أن هناك ما يتهدد استقرار البلاد، وأن هناك خشية حقيقية من انهيار الدولة، فستتدخل بالضرورة. لكن نوعية تدخلها سيكون مرتبطا بنوعية الفاعلين على الساحة، وما لديهم من عناصر قوة في موازين القوى. إذا لم تكن المعارضة في مستوى التحدي، فسيكون مصير البلاد بين يدي أجنحة الدولة العميقة وارتباطاتها الداخلية والخارجية وتوافقاتها أو صراعاتها، التي ستنتهي غالبا بحسب طبيعة التونسيين وطبيعة الدولة ونخبها، إلى صيغة توافقية تضمن استمرارية الدولة وليس تفجيرها من داخلها أو الانقلاب عليها.
ونرى أن الدولة التونسية بعقلها التونسي لن تغامر بوضع البلاد تحت حكم عسكري ظاهر أو خفي، كما نرى أن الجيش التونسي سيكون وفيا لتاريخه وتقاليده التي تجعله حاميا للوطن لا حاكما له.





