اتحاد الشغل التونسي يأكل بعضُه بعضاً

اتحاد الشغل التونسي يأكل بعضُه بعضاً
اتحاد الشغل التونسي يأكل بعضُه بعضاً

صلاح الدين الجورشي

أفريقيا برس – تونس. يمرّ الاتحاد العام التونسي للشغل بأزمة عميقة قد يحتاج وقتاً طويلاً ليتعافى منها. فاستقالة الأمين العام نور الدين الطبوبي ليست سوى القشّة التي قصمت ظهر البعير، في حين أن الصراعات التي تنخر جسم المنظّمة عميقةٌ ومتشعّبة. فالاتحاد آلة ضخمة ومعقّدة بناها آلاف النقابيين بمختلف أجيالهم، وضحّى عديدون منهم حتى أصبح منظّمةً قادرة على المشاركة في بناء الدولة وإدارة الشأن العام، لكنّه اليوم أصبح عرضةً للتفكّك والانهيار. والذين يظنّون أن التخلّص من الاتحاد قد يريحهم من هيكلٍ مشاكس، ستؤكّد لهم الأيام أن حساباتهم خاطئة، وأن الحصيلة ستكون عكسيةً ومضرّة بالجميع.

مرّ الاتحاد في تاريخه بعديد الأزمات، وتمكّن من تجاوزها بصعوبة، ويُخشى في هذه المرّة أن يكون الأمر مختلفاً، لأن السياق التاريخي تغيّر بشكل سلبي، وأصبحت الظروف الذاتية والموضوعية تعمل في اتجاه معاكس لمصلحة النقابيين. لقد تأخّرت كثيرًا لحظة القيام بوقفة تأمّل تُمكّن القيادة والقواعد من الإقرار بالفشل في حماية المنظّمة، والشروع في نقدٍ ذاتي شفّاف وشامل، واكتساب الجرأة على تحمّل المسؤولية، ووضع خطة بديلة تشمل الأهداف والوسائل والأشخاص. فكل إصلاحٍ جدّي وجوهري يرتبط باللحظة المناسبة التي تفوّت الفرصة على الخصوم، وتمكّن الهياكل من استعادة المبادرة وبناء وعي جديد لمواجهة التحديات.

الأكيد أن الطبوبي أخطأ عندما اعتمد إجراءً غير ديمقراطي للتمديد في عمر المكتب التنفيذي، وهو ما فتح المجال للقدح في شرعيّته وشرعية القيادة. ورغم محاولاته اللاحقة لتقريب الفجوة بين الطرفَيْن، وتحمّل مسؤولية التصعيد ضدّ السلطة عبر الخطاب والتظاهر، وأخيراً إعلان الإضراب العام، فإن تلك الخطوات لم تكن كافيةً للخروج من المأزق، وهو ما دفعه نحو الاستقالة. وكانت تلك خطوة متعجّلة، إذ لم يسبق لأيّ أمين عام أن أقدم عليها. فهي من جهةٍ كانت كانسحاب الجنرال من معركة مشتعلة قبل وضع خطّة لإنهاء الاشتباك وتأمين الجبهة الداخلية. فوضع بذلك الجميع في مأزقٍ حادّ، وجعل البدائل محدودةً وملغّمة.

وإذ يتوقّع بعضهم أن يتراجع الطبوبي عن استقالته، إلا أن من شأن ذلك أن يجعله أضعف، وأكثر استعداداً لتقديم مزيدٍ من التنازلات المهينة. وإدراكاً منه لخطورة الوضع، استشار عميداً سابقاً للمحامين موثوقاً في أمانته وكفاءته حول تقديم موعد عقد المؤتمر العام للمنظّمة، في محاولة لتجنّب اعتراض بعضهم على ذلك. فمسؤولياته تفرض عليه عدم التسبّب في إيجاد فوضى نقابية بعد رحيله. لكن الردّ على محاولته لم يتأخّر كثيراً، فصاغ عشرة أعضاء من المكتب التنفيذي عريضة رفضوا فيها تقديم موعد المؤتمر، فأعادوا بذلك إقفال الزاوية.

مرّة أخرى، يتأكّد أن من شأن وضع الحسابات الحزبية والأيديولوجية على حساب المصلحة النقابية، التضحية بأهم المنظّمات الاجتماعية في البلاد. لقد انعكس صراع النقابيين وتباين أجنداتهم الحزبية على الأوضاع العامّة، وزاد من مخاطر تعميق أزمة الحريات، وأضعف المجتمع المدني والسياسي، فالاتحاد يعتبر أهم حليف للمنظّمات والأحزاب، وأقواها في مواجهة النزعات التسلطية للدولة. وما حصل في الفترة الماضية دليلٌ على ذلك، بعد أن عاد التنسيق بشكل متواتر بين الطرفَيْن في ظلّ الأزمة الاجتماعية والسياسية المتصاعدة.

ستبقى هذه الأزمة مفتوحةً على مختلف السيناريوهات في ظلّ مشهدٍ متوتّر. ومهما تكن الاحتمالات، فسيكون الاتحاد الخاسر الرئيس في ما يجري. وفي المقابل، تخطئ السلطة إذا اعتقدت أن تفكّك الاتحاد وإصابته بالشلل سيكونان في مصلحتها، وسيوفّر لها الاستقرار الاجتماعي والسياسي. فعلى خلاف ذلك، تونس مُقبلة على تصاعد حدّة التوتّرات الاجتماعية التي ستشهدها معظم الجهات والقطاعات. لأن من فوائد وجود منظّمة نقابية مستقرّة أنها تلتزم القوانين والإجراءات الإدارية، كذلك فإنها تتحكّم في ردّات الفعل، وتتولّى تأطير الاحتجاجات وإدارة التفاوض مع الحكومة وأصحاب المؤسّسات، فتجنَّب البلادُ بذلك حالةَ الفوضى التي من شأنها أن تستنزف الدولة وهياكلها وميزانيتها.

وبناءً عليه، صدق رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي حين قال: “نكبتنا في نُخبتنا”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here