آمنة جبران
أهم ما يجب معرفته
دعا الناشط البيئي فراس الناصفي الحكومة التونسية إلى وقف سكب الفوسفوجيبس في البحر، مشيراً إلى الأضرار التي تسببها هذه المادة على الواحة البحرية في ولاية قابس وصحة السكان. وأكد أن إيقاف هذا السكب هو واجب إنساني واقتصادي وبيئي وقانوني، مشيراً إلى ضرورة تفكيك الوحدات الصناعية الملوثة لحل المشكلة البيئية.
أفريقيا برس – تونس. دعا فراس الناصفي، الناشط البيئي، في حواره مع “أفريقيا برس” الحكومة التونسية إلى ضرورة وقف سكب الفوسفوجيبس في البحر بشكل فوري، وذلك لما تسببه هذه المادة من أضرار تهدد الواحة البحرية بولاية قابس، كما تعرض صحة السكان للخطر. لافتاً إلى أن “إيقاف سكب الفوسفوجيبس واجب على الحكومة، وهو واجب إنساني واقتصادي وبيئي وقانوني لا يحتمل التأجيل.”
وأشار إلى أن “أكبر ملفات الفساد موجودة بالمجمع الكيميائي، حيث هناك لوبيات تريد الإبقاء على المجمع لمواصلة الفساد المالي والإداري بارتياح، وهو ما لا يسمح به سكان الجهة.” مؤكداً أن “تفكيك الوحدات الصناعية الملوثة هو الحل الأمثل للمشكلة البيئية بقابس، وهو حل يمكن تطبيقه على أرض الواقع دون إضرار الاقتصاد.”
ولفت إلى أن “احتجاجات قابس الأخيرة وضعت حداً لخطط الشركات الأجنبية والقوى الخارجية التي تريد زيادة الوحدات الملوثة بالجهة، حيث ضيعت هذه الاحتجاجات مطامع هذه الدول.” مبيناً في ذات السياق أن “قابس هي الأولى بتطبيق شعار ‘لا للتدخل الأجنبي’ التي ترفعه السلطة في كل مرة.”
وفراس الناصفي هو ناشط بيئي وصانع محتوى مختص في قضايا البيئة والمناخ، سبق له أن وثق حالات الاختناق في ولاية قابس، وهو أحد النشطاء المشاركين في حراك قابس ضد التلوث.
مع استمرار اقتحام الأهالي لمقر المجمع الكيميائي ورفع شعارات تطالب بتفكيكه، كيف يمكن للحكومة أن توازن بين المطالب الشعبية والاعتبارات الاقتصادية؟
في البداية يجب التوضيح أنه لم يقع اقتحام المجمع الكيميائي من قبل الأهالي إلا مرتين فقط منذ بداية الاحتجاجات، وكان الهدف من ذلك هو غلق المجمع بسبب إطلاقه تسريبات غازية حينها، ثم بقيت الاحتجاجات أمام المجمع وليس داخله.
وفيما يخص قدرة الحكومة على الموازنة بين المطالب الشعبية والاعتبارات الاقتصادية، نحن نرى أن الأولوية لصحة المواطن، فهو مصدر المال والثروة. ومن واجب الحكومة البحث عن حلول جدية لهذا المشكل الذي يهدد حياة السكان. ومثلما نجحت الإرادة السياسية في إنشاء هذا المجمع في سبعينات القرن الماضي، هي قادرة اليوم على إيجاد حل عبر رؤية استراتيجية اقتصادية ودراسة علمية تأخذ بعين الاعتبار صحة المواطن، وهذا الأهم بالنسبة لنا. نعتقد أن الحكومة، في حال توفر الإرادة السياسية، قادرة على إيجاد الحلول وتفكيك الوحدات دون الإضرار بالاقتصاد.
الحكومة أعلنت في ديسمبر عن مباحثات مع الصين لتأهيل وحدات الإنتاج في المجمع الكيميائي، هل ترون هذه الخطوة كافية لمعالجة أزمة التلوث أم مجرد حل مؤقت؟
في الواقع، نحن كسكان ولاية قابس وصلنا إلى حالة إحباط ولا نثق في مثل هذه المباحثات. فمنذ الثورة إلى اليوم، قامت الحكومات المتعاقبة بتشكيل أكثر من 30 لجنة، ثم وقع تشكيل خمس لجان في عهد الرئيس الحالي قيس سعيد. وبرأيي، المباحثات مع الصين هي حلول ترقيعية دون فائدة، ولن تساهم في الوصول إلى هدفنا وهو تفكيك الوحدات. وبرأيي، الحلول الوقتية زادت المشاكل الصحية والبيئية في قابس. نحن نتوجس اليوم من انفجار ربما يضر بأكثر من 40 كلم من الرقعة الجغرافية بالجهة، وقد يتسبب بعشرات الوفيات بسبب تسريبات المجمع الملوثة. لذلك، مسألة المباحثات مع الصين مجرد مسكنات لإسكات الناس، وهو قرار في غير محله. وبدلاً من ذلك، يجب أن يتخذ قرار فوري بتفكيك الوحدات، هذا هو الحل.
كيف يمكن للدولة أن توازن بين الحفاظ على المجمع الكيميائي كركيزة مهمة في الاقتصاد، وآلاف فرص العمل التي يوفرها المجمع، وبين حماية البيئة وصحة المواطنين؟
تستطيع الدولة الموازنة من خلال المحافظة على دور الوحدات بنقلها إلى منطقة أخرى بعيداً عن المناطق السكنية. وقد سبق أن وقع نقل الوحدات الصناعية بولاية صفاقس إلى منطقة الصخيرة، وقد كللت هذه العملية بالنجاح. ويمكننا اليوم أيضاً نقل الوحدات من قابس في حال كانت هناك إرادة سياسية حقيقية. أما الترويج على أن نقل وتفكيك المجمع سيؤدي إلى خسارة آلاف الوظائف، فهذا مجرد تهويل. فعدد العمال بالمجمع قرابة 2400 عاملاً، وكل سنة يتناقص هذا العدد لعدم حصولهم على مستحقاتهم في حال إحالتهم على التقاعد. إذن، نسبة التشغيل بالمجمع ضعيفة مقارنة بعدد سكان الجهة. مقابل ذلك، فقد تضرر العديد من العاملين في قطاعات أخرى مثل العاملين بقطاعي الفلاحة والصيد البحري جراء التلوث. وأؤكد مرة أخرى أنه لا يوجد حل آخر لهذا المشكل البيئي غير تفكيك الوحدات، فصحة المواطن أهم من قضية التشغيل نفسها.
هل تعتقدون أن تفعيل قانون 2017 المتعلق بوقف سكب الفوسفوجيبس في البحر يمكن أن يشكل بداية الحل؟
وقف سكب الفوسفوجيبس ليس مجرد حل، بل هو طلب مستعجل لا يحتمل التأجيل، لما يسببه من دمار للواحة البحرية المطلة على البحر المتوسط. نحن نتحدث هنا عن دمار الإنسان والنبات والحيوان والطبيعة بسبب سكب هذه المادة، ونتحدث عن أكثر من 14 ألف طن يرمى يومياً في البحر من هذه المادة السامة. لذلك يجب أن يكون هناك قرار فوري وحيني لوقف سكب الفوسفوجيبس، وعلى الحكومة أن تقوم بتنفيذ هذا القرار بشكل فوري، وهو جزء من الحل للمشكلة البيئية، وهو الجزء الأخطر. خاصة أن الحكومة قررت زيادة إنتاج الفوسفاط مؤخراً بنسبة 80 بالمئة، وكان القرار حينها مفجعاً وسيئاً جداً، وهو سبب خروج أهالي قابس للاحتجاج، لأننا أحسسنا وكأن الدولة لا تهتم بصحة مواطنيها. وبعد هذه الاحتجاجات، تراجعت الحكومة عن قرارها السابق. لذلك، وقف سكب الفوسفوجيبس واجب على الحكومة، وهو واجب إنساني واقتصادي وبيئي وقانوني، لأن الدستور يقر بذلك، لذلك يجب أن يوقف سكبه في أقرب وقت ممكن لما يشكله من خطر كبير على حياة الناس.
هناك حديث عن وجود لوبيات مرتبطة بالمجمع الكيميائي، وإن استمرار التلوث في قابس يخدم مصالح أطراف نافذة، سواء عبر عقود توريد أو صفقات مشبوهة، هل هذا صحيح؟
برأيي أكبر ملفات الفساد موجودة في المجمع الكيميائي وفق إقرار الرئيس نفسه، هناك لوبيات ورجال أعمال تستفيد من هذا المجمع، وهو جزء من وحدات صناعية أخرى، وأخطرها المجمع الكيميائي. للأسف، هناك أشخاص وجهات تعمل في الخفاء لأجل الإبقاء على المجمع لأجل الحفاظ على مصالحهم. فالحرب الإعلامية ضد قابس من حسابات وهمية تؤكد وجود لوبيات تريد الإبقاء على المجمع لمواصلة الفساد المالي والإداري بارتياح، ونحن لن نسمح بذلك بالتأكيد.
هل توجد شركات أجنبية مرتبطة بالمجمع الكيميائي تستفيد من استمرار نشاطه رغم الأضرار البيئية؟
من المؤكد وجود مجموعة من الشركات الأجنبية المرتبطة بالمجمع. في الواقع، لا أعلم عددها بالضبط، لكن غالبية هذه الشركات فرنسية. وعلى غرار علاقاتها بالمجمع، تسعى فرنسا للقيام بمشاريع الهيدروجين الأخضر في قابس بزيادة وحدات أخرى في هذا المجال، وهو ما عبر عنه أهالي الجهة بالرفض والاحتجاج. وفي تقديري، أكثر من 90 بالمئة من صادرات المجمع تذهب لفرنسا ودول الاتحاد الأوروبي، رغم أن فرنسا في نفس الوقت تضخ أموالاً طائلة تحت مسمى حماية البحر المتوسط حتى لا تصلها تداعيات التلوث.
هل تعتقدون أن بعض القوى تضغط للحفاظ على عمل المجمع باعتباره مصدرًا للفوسفات والمواد الكيميائية المهمة عالميًا؟
طبعًا، هناك قوى خارجية تضغط للحفاظ على المجمع، وهي بمثابة لعبة جيوسياسية. فالاتحاد الأوروبي لديه مشاكل مع روسيا في علاقة بالغاز وغيره من المواد، على غرار خلافاته مع الجزائر، لذلك يعمل على الإبقاء على المجمع للاستفادة من هذه المواد رغم عدم مواكبتها للمعايير الصحية. والنتيجة هي مواصلة قابس لاستقبال مثل هذه المشاريع على حساب صحة سكانها. لكن احتجاجات قابس الأخيرة ضيعت أهداف هذه الدول، وفي النهاية إرادة الشعوب تنتصر مهما كانت القوى التي تواجهها. ونعتقد أن قابس هي الأولى بتطبيق شعار “لا للتدخل الأجنبي” التي ترفعه السلطة في كل مرة.
ما السيناريوهات المحتملة إذا استمرت الاحتجاجات دون حلول ملموسة؟
قابس قدمت درسًا نضاليًا بيئيًا في شهر أكتوبر الماضي من خلال قيامها باحتجاجات سلمية عفوية. وقد رفعنا شعارات موحدة تطالب بتفكيك الوحدات وإزالتها من المناطق السكنية. رسالتنا كانت واضحة، وكنا نترقب ردة فعل الرئيس قيس سعيد الذي يساند شفاهياً ما نقوله، لكن نريد منه ترجمة ذلك إلى فعل. وإذا ما تم تجاهل مطالبنا، فموقفنا واضح هو التصعيد السلمي. إما أن نموت بشرف أو يموت المجمع. الجيل الجديد اليوم اختار العيش بكرامة، نحن نطالب بحقنا في الحياة في بيئة سليمة لا أكثر ولا أقل.
هل يمكن أن تتحول أزمة قابس إلى نموذج وطني لإعادة صياغة العلاقة بين الصناعة والبيئة في تونس؟
نحن سعداء بردة الفعل المحلية والدولية إزاء احتجاجات قابس. الناس خرجت للاحتجاج وللمطالبة ببيئة سليمة على عكس المطالب الأخرى، لأننا نؤمن بأن مستقبل الحياة من خلال حماية البيئة أولاً. فمن المهم أن تكون قابس نموذجًا وطنيًا. نحن خرجنا للشارع للاحتجاج حتى نقول إن الدولة إذا أرادت النجاح عليها أن تضع البيئة أولوية قبل الصناعة. وبدل من ذلك، يمكن أن ينهض اقتصادنا عبر الاعتماد على قطاعات أخرى مثل السياحة والفلاحة وغيرها. ونحن نطالب بشكل دائم بضرورة اعتماد منوال تنموي بديل يعوض المصانع المضرة، والانتقال نحو الاقتصاد الأخضر في خطوة جديدة لبناء مستقبل أفضل.





