تواجه حركة النهضة هذه الأيام طبخة كبيرة تعد بهدوء بعيدا عن ومضات وبروبات المدارس القرآنية والغرف والاجهزة السرية وغيرها من الاسلحة الخفيفة، هذه المرة يبدو ان السبسي و فريقه الراعي مروا من الانتقام المشاغباتي، الى الانتقام التدميري،كما يبدو ان كتائب المستشارين هم الذين يخططون الى عملية إنزال كبرى سيستعملون فيها مؤسسات الدولة الحساسة.
الكل يدرك ان المؤسسة العسكرية رفضت جميع المشاريع الخارجة عن وظيفتها، فيما فشلت عناصر النقابات الأمنية في استمالة جهاز الأمن واعتماده في لعبة قذرة قد تعصف بالبلاد وثورتها ونسيج شعبها، لذلك وبعد الفشل في التعويل على المؤسسة العسكرية الاكبر والمؤسسة الأمنية الاكبر، حان الوقت للتعويل على المؤسسة المالية الأكبر!! البنك المركزي في الواجهة وتحت الطلب! الى جانب مؤشرات قوية تشير الى جرجرة دائرة المحاسبات لتدعيم العملية التي تحبك في القصر بأيادي مختصة سبق واحبكت وفشلت.
بداية العملية..
العملية انطلقت حين تم تسريب مراسلة وجهها محافظ البنك المركزي، تدعو ما يناهز 20 بنكا الى التثبت من حسابات حركة النهضة! التحرك قام به المحافظ مروان العباسي على خلفية مراسلة وردت على المؤسسة المالية الاولى في البلاد من دائرة المحاسبات بتاريخ 24 ديسمبر 2018 تحت عدد 302422.. اين المشكل؟
تلك هي دولة المؤسسات، وعلى الحزب الأول في البلاد ان يكون تحت ذمة دولة القانون وأجهزتها ومؤسساتها المالية والرقابية، ولما الريبة اصلا والحزب المعني سبق و قدم تفاصيل ومعلومات مكثفة عن وضعه المالي رفض الاعلام تناولها خوفا من المقارنة مع بقية الأحزاب، لا بل طلبت بعض أحزاب المال والاعمال والميركاتوات بخنق المسألة وعدم الترويج لها، وكانت بعض القنوات تستعد لتناول موضوع ميزانية النهضة وبعض حساباتها الاخرى بشكل واسع ومركز، ليس تثمينا وإنما للبحث عن الاستثمار السيئ والتنقيب على الثغرات المحتملة، لكن دعوة وردت على المؤسسات الإعلامية تطالبها بقتل الموضوع ما امكن، فقتلوه.. إذا مادامت النهضة بهذا الوضوح لما الريبة ولما الاشارة الى مؤامرة تحاك خلف الكواليس يرغب أصحابها في تسمينها الى ان تصبح السكين القادرة على ذبح الحزب الذي قاد البلاد منذ الثورة وتؤهله كل استطلاعات الرأي لقيادتها خلال المرحلة المقبلة؟
تلك ريبة دعمتها الشواهد فانتهت الى وقائع تؤكد المؤامرة، والمؤامرة بدأت تتكشف حين وقعت عملية التسريب،وحتى التسريب كان يمكن تجاهله بما أن النهضة وجبة شهية للدولة العميقة وهذه الدولة مازالت تعشش في مفاصل الإدارة، كان يمكن الحديث عن مغامرات لعيال مؤدلجة او قوى تبحث هنا وهناك عما يغذي برنامجها السياسي المتمثل في مراقبة “النهضة”، لكن اتضح ان الامر اكبر من التسريبات العشوائية، ففي سياق التثبت من سلامة النية وعفة المؤسسات، تم الاستفسار لدى السيد رئيس دائرة المحاسبات نجيب القطاري عن الحكمة في اختيار النهضة فقط دون غيرها للتثبت من حساباتها عبر إرسالية للبنك المركزي! المفاجأة أن السيد نجيب أكد ان الإرساليات شملت جميع الأحزاب الناجحة في الانتخابات البلدية!!!!
إذا يبدو ان في المسألة نوعا من التقصير..لا يهم.. هنا كان لابد من لوم الجهات الساهرة على سير أشغال البنك المركزي، ولِما تجاهلت كل الإرساليات وركزت فقط على حزب النهضة، ثم لماذا تم تسريب الإرسالية الخاصة بالنهضة دون غيرها؟! المفاجأة ان البنك المركزي نفى تماما ان يكون توصل من دائرات المحاسبات بإرساليات تخص الاحزاب الاخرى واكد ان الدائرة بعثت بإرسالية خاصة بالنهضة فقط لا غير!!!
الآن نحن امام مؤسستين في غاية الدقة، الاولى تقول بانها نزيهة شفافة ، مدت البنك المركزي بارساليات للتثبت من حسابات جميع الاحزاب، والثانية تسفه ادعاء الاولى وتؤكد انها تحركت باحترافية وفقا لإرسالية تخص وفقط حزب حركة النهضة!!!!!!.
ثم ماذا؟؟
ثم ان السيد محافظ البنك المركزي ليس الا مرشح حافظ قائد السبسي ليتولى مهام رئاسة الحكومة بعد إسقاط الشاهد الذي رفضت النهضة اسقاطه!
ثم ماذا؟؟
ثم ان السيد رئيس دائرة المحاسبات نجيب القطاري سيحال على التقاعد القانوني خلال شهر مارس المقبل..
ثم ماذا؟؟
ثم ان بعض الاقتراحات التي لم ترتقي الى حقيقة بحكم التكتم ربما، تقول بان رئيس الجمهورية لديه الحق في تعيين من يريد في بعض المناصب الخاصة بالمحكمة الدستورية، ومنصب في المحكمة الدستورية يعني التنصيب لموظف سامي بامتيازات وزير لمدة عشر سنوات.. والأكيد أن من تقاعد للتو من مهام دقيقة يمكنه القيام على المنصب المعني!
المشكلة هنا ليست في افراد النهضة بالمراقبة المالية، فهذا قد يسهم في تحسين انضباطها المالي، لكن ومادامت العملية منسوجة بطريقة غارقة في الشبهات، من يستبعد ان يتم التلاعب بالمسالة المالية مثلما تلاعبوا بالاغتيالات والغرف السوداء والتسفير ومدارس القرآن وجهاد النكاح..
وغيرها من مستنقعات الاستثمار الوبائي! لذلك وعلى الارجح انه يتحتم على النهضة تحصين دفاعاتها لصد هجوم الربيع الدامي، فكاسحات البنك المركزي وراجمات دائرة المحاسبات تبدو مؤنتها وذخيرتها وشرايينها موصولة مباشرة بقصر الضاحية الشمالية، والغالب ان النهضة ستكون أمام خيارين اثنين، إما مواجه هجوم الربيع الذي سيُشن على اكثر من محور، أو تقديم الشاهد على طبق من الماس لحافظ قائد السبسي، مع الموافقة على تعديل دستوري يعتمد النظام الرئاسي.
هناك الكثير من جعلان وديدان وبوم الأدلجة والاستئصال، يراقبون الأمر بلذة وتشفي ، ولا يهمهم ان استسلمت النهضة وخَرمَت القصبة على بعد امتار من استحقاقات 2019، كما لا يهمهم أن عدّلت الدستور ومكنت للابن بعد الاب.. لكن الغالب ان النهضة سترفض العرض وستحصن خطوطها ثم تستدعي احتياطاتها استعدادا لهجوم الربيع.