أثارت تصريحات زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي على هامش إشرافه على المؤتمر المحلي لحزبه بالمكنين نهاية الاسبوع الماضي و المتعلقة بإمكانية تولّي حكومة تكنوقراط مقاليد السلطة الى غاية الإنتخابات، أثارت الجدل بين من إعتبرها مناورة جديدة لحركة مونبليزير وتمهيدا لسحب البساط من تحت يوسف الشاهد بعد صفقة جديدة بين مكوني توافق 2014 برعاية قطرية لا سيما بعد تزامن زيارة حافظ قائد السبسي الشهر الماضي إلى الدوحة مع زيارة راشد الغنوشي و بين من أعتبرها ورقة ضغط من مونبليزير لتحسين شروط التفاوض مع رئيس الحكومة و حزبه الناشئ مع مؤشرات جادة على توظيفه لمؤسسات الدولة لغايات حزبية لا سيما أن الشاب الذي يحاول إستنساخ التجربة الماكرونية في صراع مع الزمن مع اقتراب الإستحقاقات الانتخابية ، في حين رأى البعض أن تصريح الغنوشي جاء لإمتصاص غضب شق وازن داخل حركة النهضة عبّر عن إمتعاضه في آخر اجتماع لشورى الحزب من ممارسات رئيس الحكومة المريبة و المخاوف من تزوير الإنتخابات .
بين كل هذه التخمينات و التفسيرات و التي عادة ما تلي تصريحات الغنوشي الغامضة ،تأتي تصريحات سليم العزابي المنسق العام لحركة تحيا تونس خلال ندوة الإعلان رزنامة الحزب التأسيسية الخميس 22 فيفري 2019 التي قال فيها أن إمكانية إلتحاق رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالحزب واردة في وقت لاحق كما أكد ان الحزب مازال في طور التأسيس ولم يطرح مسألة ترشيح الشاهد من عدمها للإستحقاق الإنتخابي المنتظر نهاية هذه السنة ،وفي سياق متصل أكد القيادي في حركة “تحيا تونس” محمود البارودي في تصريح إذاعي أنه لا يمكن لرئيس الحكومة يوسف الشاهد الظهور في إجتماعات الحزب في الوقت الحالي نظرا لإنكبابه على العمل الحكومي و ذلك حسب تعبيره.
و بالتمعن في تصريحات قيادات حركة تحيا تونس المتماهية و المنهجة فيمكن الملاحظة بأنها تتقاطع مع تصريحات زعيم حركة النهضة ولو بشكل غير مباشر ،فالحديث على أن يوسف الشاهد لا يمكنه الحضور في الاجتماعات الحزبية نظرا لتفرغه للعمل الحكومي هي إشارة مدروسة للإيحاء بأن رئيس الحكومة يفصل بين الحكومي و الحزبي ،بمعنى أن يوسف الشاهد لن يتفرغ للحزب الا في حالة واحدة و هي الإستقالة من منصبه كرئيس للحكومة وهذا وارد على اعتبار أن حركة تحيا تونس قائمة بالأساس على صورة الشاهد تماما مثل ما ارتبطت حركة نداء تونس بصورة الباجي قائد السبسي ، كما أن الحصيلة الكارثية على المستويات الإقتصادية و الاجتماعية للحكومة الحالية ستكون إرثا ثقيلا لأحزاب الحكم و لرئيس الحكومة بدرجة أولى مما سيجعل إستقالته قبل أشهر قليلة بمثابة التخفف المعنوي من هذه التركة .
من جهتها أشارت مجلة جون أفريك في مقال نشرته الشهر الماضي بأنه و بحسب شخصيات سياسية مقربة من القصبة و من المشروع السياسي المنبثق من رحمها فإن رئيس الحكومة يوسف الشاهد يفكر بجدية في الإستقالة من منصبه نهاية شهر مارس للتفرّغ للنشاط الحزبي في إطار مشروعه السياسي.
كل هذه المعطيات تؤكد أن فكرة الإستقالة تراود رئيس الحكومة و بشدة و لن تكون إلا في إطار إتفاق مسبق مع حركة النهضة في شخص رئيسها راشد الغنوشي ،فهذا الخيار سيكون الأسلم للإثنين ،للنهضة التي تخشى توظيف وسائل الدولة لمآرب حزبية و تتوجس من تداخل الحكومي و الحزبي و هو ما عبرت عنه عديد القيادات داخلها،و لرئيس للحكومة يوسف الشاهد الذي يريد الظهور في شاكلة رجل الدولة الذي يفصل بين الحزبي و الحكومي لا سيما انه وقد تمكن من وضع قطار مشروعه السياسي على السكة .