أما آن للنهضة .. أن تنظر.. في المرآة

79

بقلم : حياة بن يادم

تتساءلون لماذا النهضة ؟، دونا عن بقية الاحزاب، ترصدين ردة فعلها بعد صدور النتائج الاولية للدورة الاولى للانتخابات الرئاسية 2019 ؟ فأجيب، بكل بساطة، أن لها مرشح تبوء المرتبة الثالثة، و تفصله 2.7 نقاط على الفائز بالمرتبة الثانية و المتأهل للدورة الثانية للانتخابات الرئاسية 2019.

ما ان أفرجت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بعد مخاض عسير، عن قرارها، المؤرخ في 17 سبتمبر 2019، المتعلق بالتصريح على النتائج الاولية للدورة الاولى للانتخابات الرئاسية لسنة 2019، و التي آلت عمليات الاقتراع و الفرز و جمع النتائج الى النتائج الاولية، التى تقول، ان قيس سعيد تحصل على المرتبة الاولى بنسبة 18.4 بالمائة، ليكون منافسه في الدور الثاني نبيل القروي المتحصل على 15.6 بالمائة، ليقف مرشح النهضة ، و من بين من ناديت من الرجال ” اليس فيكم رجل ..

رشيد”، بحسرة على اعتاب الدور الثاني، دون القدرة على الولوج بنسبة 12.9 بالمائة ، ليلتحق الرجل الثاني سيف الدين مخلوف بنسبة 4.4 بالمائة و الرجل الثالث محمد المنصف المرزوقي بنسبة 3 بالمائة و الرجل الرابع حمادي الجبالي بنسبة 0.22 بالمائة، انهم من كانوا جماعات قبل ان يصبحوا فرادى، ولو بقوا على قلب رجل واحد، لتم تجنيب الشعب التونسي، و هو في غنى عنها، الدخول في نقاشات سياسية ركيكة و قانونية عقيمة لمترشح وراء القضبان، تلاحقه تهم الفساد و التهرب الضريبي.

ولتفسير ما حدث، و لفهم مضامين نتائج الصندوق لليلة 16 سبتمبر 2019، خرجت عدة قيادات نهضاوية على المحطات الاعلامية، لتدلي برايها ، و من ابرزها ، رئيس حزب حركة النهضة، الذي صرح ان قواعد هامة في الحركة، انخرطت في مشروع قيس سعيد دون العودة اليها، و دون الانضباط للقيادة، مقرا ان سبب هزيمة مورو غياب التواصل مع القواعد، مع تاكيده ان قيس سعيد ليس بالعصفور النادر للنهضة، و معاتبا المرزوقي، انه كان يتمنى ان يخرج من الباب الكبير و ينسحب لفائدة مورو مضيفا “اعتقدت انه استوعب ان ليس لديه فرصة للفوز” .

خطوة نوعية، اقدم عليها رئيس الحركة، ان اعترف بسبب الهزيمة واضعا اصبعه على الداء، و كان صائبا فيما ذهب اليه، و هو غياب التواصل و عدم انضباط القواعد للحركة. أتساءل سيدي الكريم، ما الذي كانت تفعله الهياكل المركزية و الجهوية و المحلية، المنتشرة في كل ربوع الوطن، منذ ان هبت على البلاد رياح ديسمبر المفعمة بالحرية و الكرامة، و التي حطمت الرقم القياسي مقارنة ببقية الاحزاب الظاهرة و الآفلة منها، و التي كان عنوان التنظيم و الهيكلة و الانضباط شعار تفاخرون به؟

سيدي الكريم، من منطلق و ان هذه الحركة، مغروسة في تراب هذا الوطن منذ عقود، وبقيت على قيد الحياة، تسقى من عذابات اجيال، اختاروا الانتماء اليها عن طواعية، و آخرين ذنبهم الوحيد، انهم بقوا على الفطرة، و لم يتماهوا مع الثقافة الغربية الدخيلة، فكان لهم نصيب عندما استلت السيوف و الخناجر من الانظمة السابقة المتلحفين بثقافة استعمارية استئصالية بامتياز، كان هدفهم ليس راس الحركة فقط، بل كان استئصال الهوية من جذورها، ليصبح المعتز بها منتميا رغما عنه، و في تلك المجزرة دفع الجميع، ان لم يكن الكثير، فالقليل، من الثمن.

سيدي الكريم،
بصفتي المعتزة بهويتها، اسمح لي ان اجيب على السؤال المطروح قدر فهمي ، السلطة براقة، و الحزب كبر حجمه، و تسلل اليه الغرباء، و القيادة المركزية لم نعد نراها الا في النزل و الصالونات الفاخرة، و عبر شاشات التلفاز و على صفحات التواصل الاجتماعي في صورة مبهرة تعكس انتمائها الى طبقة ارستقراطية غريبة لم نعهدها من قبل. و حتى في زياراتكم الميدانية، كنتم محاطون بحاشية تحجب عنكم التواصل مع القواعد بدون حواجز، وقس على ذلك بقية القيادات ليحتكر المشرفين على المكاتب اللقاء المباشر.

سيدي الكريم،
القواعد الذين مازالوا على قيد الحياة، فهم عبارة عن آثار من النظام السابق، تحصلوا على جبر ضرر قيمته لا يتجاوز الحبر المكتوب على الورق، محملينكم في جانب، التقصير في هذا الملف لصالح ملف اخر قبض اهله بالحين صكوك العفو، و شبابها و اغلبهم ابناء مناضلين هجروا المكاتب، لانهم لم يجدوا من يفهم لغتهم، و لغة التضحيات و العذابات لم تعد مجدية معهم، ولم يجدوا من يبوؤهم المكانة المأمولة في ظل ما يرونه من محابات في المعاملات.

و في كل هذا، لم يتدخل هيكلكم لايقاف نزيف التصحر، بل باعتمادكم منهجية خاطئة، و ذلك باعتماد الانتخابات الداخلية لاختيار اعضاء القائمات للانتخابات التشريعية 2019، زاد الطين بلة، لينهمك الجميع في الحرص على مصلحته الخاصة في جو مشحون بالتوتر، و ليزيد خروج قيادات من الصف الاول للعلن ناشرين الخلافات سببها ليس هموم القواعد و معيار الكفاءة، بل المصلحة الخاصة الضيقة .

الرسالة وصلت للقواعد، مفادها ان بريق السلطة و المصلحة الخاصة الضيقة العنوان الابرز للمرحلة، مما زاد من عزوفهم، في ظل غياب عملية تقييمية موضوعية للتجربة التي خاضتها الحركة منذ انتخابات اكتوبر 2011، حيث تراكمت الاخطاء، و هناك ممن يحرصون على تأجيلها، لانهم يدركون جيدا، ان القيام بها بصفة دقيقة و محايدة سيكون ثمنها ابعادهم.

سيدي الكريم،
بالنسبة لتصريحكم ان قيس سعيد ليس عصفور النهضة، نجد القيادي بالحركة العجمي الوريمي، يتعارض معكم ليقول “لو اجرت النهضة استفتاء داخليا لكان قيس سعيد يحتل مرتبة متقدمة في نوايا التصويت عند ناخبي النهضة لاعتبارات يطول شرحها”، أتساءل لماذا لم يجرى هذا الاستفتاء من قبل؟، لعلمي و ان حركة النهضة رائدة في هذا المجال، و خير دليل اعتمادكم لآلية الانتخاب في اعداد القائمات للانتخابات التشريعية 2019 ، لكنا وجدنا العصفور النادر و ارتحنا.

ليصرح القيادي في النهضة محمد بن سالم، ان قيس سعيد ليس عصفور النهضة، و لم يكتفي بذلك، بل ذهب بعيدا في اتهامات خطيرة لا نعلم مدى دقتها، و هل كانت ستصدر منه ان ترشح لولاية ثالثة على دائرة زغوان، ليقول ان النهضة “تحوي كثيرا من المرتزقة” متابعا “فرض رفيق عبد السلام في مسؤوليات حساسة اثار غضبا داخل النهضة”و يتابع ” الديمقراطية كثيرا داخل حركة النهضة و للاسف من دفعوا اعمارهم هم اكبر الضحايا”.

ليظهر قياديا اخر زبير الشهودي، معلنا استقالته من القيادة، و الالتحاق بالقاعدة و يدعو”رئيس الحركة الى اعتزال السياسة و ملازمة بيته و ابعاد صهره رفيق عبد السلام و كل القيادات الذين دلسوا ارادة كبار الناخبين داخل الحركة”.

بهذا الفلتان و عدم الانضباط، لقيادات الصف الاول، و ليس لاول مرة، اذ سبقهم القيادي لطفي زيتون من قبل مستقيلا من صفة مستشارا لديكم.. و تصريحات حادة لقيادات على اثر تشكيل القائمات يجعل من الصعب ان تنضبط القواعد لينطبق عليهم المثل القائل “الابل تمشي على كبارها”. للاسف.

سيدي الكريم،
لا نعلم ما الذي يجري، لكننا نعلم جيدا انكم اكبر بكثير من صهركم، و لكن صمتكم على هذه التصريحات تزيد من حيرة القواعد الشاردة بطبيعتها.

سيدي الكريم،
عاتبتم الرئيس السابق الدكتور محمد المنصف المرزوقي، و تمنيتم ان يتنازل لمرشحكم الاستاذ عبد الفتاح مورو، و ان لا يخرج من الباب الكبير، و هذا صحيح المرزوقي لم يخرج من الباب الكبير، لكنه خرج من باب ليس موجودا في معجم الابواب الحالية، انه باب المستقبل، الذي يفتح على الاجيال القادمة، و لو تنازل لمرشحكم لبقي درس التاريخ منقوص بعنصر ثابت، يقول هذا الدرس، انه كان يا مكان، في بلاد اسمها افريقية، استطاب الناس العيش فيها لشدة خضرتها و شعروا بالأنس فقرروا استبدال اسمها الى تونس الخضراء، و في ذات خريف مبكر، نطق صندوق الانتخابات امام رئيس الدولة و رئيس مجلس النواب و رؤساء الحكومات و الوزراء المترشحين انني لست ملككم مهما علا شانكم في السلطة، وانني ملك لارادة الشعب التونسي العظيم، ليفوز من هم خارج السلطة، و هي سابقة تاريخية لم يشهد لها الكون مثيل و لن يشهد لقيام الساعة. انتهى الدرس.

سيدي الكريم، اتساءل إن كان الدكتور محمد المنصف المرزوقي لم يخرج من الباب الكبير، من أي الابواب إذا، خرج الاستاذ عبد الفتاح مورو؟.

سيدي الكريم،قلمي ليس مؤهلا لتعداد تضحيات هذه الحركة على مدى التاريخ، لانكم لستم بحاجة لي، اذ تملكون أقلاما مبدعة قادرة على ان تجعل من الاخفاقات انتصارات، لكن اسمح لي، ان اقول لكم، ان هذه الحركة، امانة في رقبتكم فانتبهوا لعدم تغيير صبغتها، و الوقت مازال للقيام بعملية الاصلاح، لكن هذا الوقت لا ينتظر كثيرا، انه كالسيف ان لم تقطعه قطعك.

سيدي الكريم، اعلم ان هذه الحركة، هي جزء من الاحباس التي لم تقدر الانظمة الطاغية على تصفيتها و انها ملكية عامة على الشياع للشعب التونسي العظيم و والله لو اردنا امهارها لعجز مال قارون على ذلك.

اعذرني سيدي الكريم، على عدم استطاعتي لجم قلمي، الذي يكون رصاصا في بعض الاحيان، على امل ان يكون لينا في كل الاحيان، و استغفر الله لي و لكم.أما آن للنهضة .. أن تنظر.. في المرآة….

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here