قدماء البرلمانيين : هذه أخطاء بورقيبة وبن علي

81

 نشرت وداديّة قدماء البرلمانيين التونسيين قراءة نقديّة لسياسات فترة الحكم من 1955 إلى 2010 .

وأوضحت الودادية أنّه يمكن تقسيم حقبة حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة إلى فترتين:  الفترة الأولى عندما كان قادرا على تولي القيادة بما تتطلبه من بعد نظر استشرافي وبصيرة متوقدة في اختيار المواقف وإقناع الشعب بزعامته، والفترة الثانية عندما تقدم به العمر ووهنت قواه فضعفت طاقته على الاستجابة لمقتضيات رئاسة الدولة.

وأشارت القراءة إلى أنّ الفترة الأولى كانت زاخرة بالانجازات من بينها تخليص تونس من مخلفات الاستعمار في المجالات السيادية والاقتصادية والتربوية والثقافية ووضع الأسس الأولى لبناء الدولة التونسية الحديثة من حيث اختيار نمط دستوري للحكم يرتكز على إرادة الشعب.

ومن الانجازات الأخرى التي تحدّث عنها قدماء البرلمانيين، تبني تونس نمطا مجتمعيا تقدميا ذا طابع شعبي حقق تحرر المرأة من التخلف وتعميم التعليم ونشره في أقصى الأرياف وتوحيده وتعصير محتواه.

كما نجحت تونس في تحقيق مكانة رفيعة على مستوى العلاقات الدولية سمحت لها بتبوأ مكانة محترمة على المستويات الإقليمية والعربية والدولية.

وانتقد قدماء البرلمانيين “تعطل التحول السلس من هيمنة الرئيس الذي لم يقدر على التخلص من شعور بأنّه “أبو الشعب” والأجدر بالسهر على حظوظه الى فشل التنظيم الحزبي الحاكم في التوفيق بين ما كان يراه ويحرص عليه من ضرورة الحفاظ على وحدة القيادة وقوتها وبين الاستجابة لما أصبحت عليه النخب في البلاد من تنوع ووعي فنشأت عن ذلك أزمات تم فيها اللجوء إلى القوة”.

واعتبروا أنّ الأزمات الحادة كانت في التعامل مع الشباب بصورة عامة والجامعي بصورة خاصة ومع القيادات النقابية العمالية التي كانت مجالا لقوى المعارضة التي ضاقت بهيمنة الزعيم الرائد والحزب القائد.

وكانت الفرصة الثالثة والأخيرة وفق قراءة قدماء البرلمانيين في حكم الرئيس بورقيبة لولوج المجال الديمقراطي  الانتخابات التشريعية التي جرت سنة 1981 وشاركت فيها بعض التيارات السياسية المعارضة وكادت أن تفوز بمقاعد لولا ما شاب الانتخابات من تزييف منع الحزب الحاكم عن مواصلة تفرده بالسلطة.

وبينت القراءة في هذه المرحلة الدقيقة أن تنامي المطامع كان وراء الارتياح  لازاحة بورقيبة عن الحكم وتقلد خليفته زين العابدين بن علي رئاسة الجمهورية والحزب الحاكم.

وأكّدوا أنّه مثلما كانت حقبة الرئيس الحبيب بورقيبة ذات فترتين مختلفتين  يمكن تقسيم حقبة بن علي إلى فترتين ايضا.

الأولى شهدت بوادر تبشر بتحول الحكم رحّب به الشعب سواء المعارضون لبورقيبة أو المحايدون وأنصاره، وكان للبيان الذي أعلنه بن علي فجر 7 نوفمبر 1987 صدى طيبا واتخذت قوانين وإجراءات تنحو تجاه التغيير نحو الأفضل واستوعب الحزب الذي طور رسالته وأصبح اسمه “التجمع الدستوري الديمقراطي” أطيافا جديدة من الإطارات كانت معارضة أو مبعدة، وخفضت وطأة السجن والإبعاد عن تيارات معارضة وسمح لبعضها بالنشاط القانوني وأصبح الإعلام اقل قيودا وساد السلم الاجتماعي في القطاعين العام والخاص.

اما الفترة الثانية فتميزت بثلاثة عوامل أساسية تسللت إلى نظام الحكم وانحرفت بالمسيرة خلال سنواتها الأولى،  بعد أن انحصر اتخاذ القرارات المهمة في مركزية خانقة مرتبطة به شخصيا أو بمن يختارهم هو في أجهزة الدولة مما سهل اندساس الوصوليين وضعفاء النفوس فغابت عن الساحة وجوه بارزة من نواب برلمانيين وقادة فكر وبقايا عريقة من المقاومين وعوضتها وجوه  فنشأ ضمور كبير في الجانب الديمقراطي وتضاءل وجود الرأي المخالف لما تتخذه السلطة.

وأكّد قدماء البرلمانيين أنّ هذا الضمور صحبته أزمات مختلفة المدى من حيث الشدة والركون إلى استعمال العنف في علاقات الحكم بالمعارضين رافضي الاحتواء وأفلح هؤلاء في تسويق صورة إلى الخارج عن تعامل النظام معهم بعكس ما هو معلن مما جعل منظمات الدفاع الدولية عن حقوق الإنسان تتأثر بشكاواهم وتساهم في توجيه الانتقاد للنظام.

ومن العوامل الأخرى الثراء الفاحش والجديد في عائلات قريبة من بن علي وعلاقاتها بمفاصل الحكم وأجهزته الاقتصادية والمالية والقمركية والقضائية والأمنية والسبل التي يتم بها ابتزاز المال العام والخاص.

واكدت القراءة تفشي النقمة على هذا الوضع بين الغالبية النزيهة من المسؤولين في الدولة وبين من فرضت عليه أوضاع معينة البقاء في قيادة الحزب الشكلية واتسعت موجة الانتقادات الشعبية.

كل هذه العوامل، حسب القراءة النقدية لقدماء البرلمانيين، كانت نقاط الضعف الأساسية في الفترة الثانية لحكم بن علي وبسببها لم يستطع نظامه أن يتفادى ما جرى بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 حيث لم يستطع الكم الذي كان التجمع يذكر أنهم مناضلون في صفوفه الصمود.