هل تنجح الضغوط الفرنسية في تمرير حكومة تونسية موالية لها لإنجاح قمتها الفرنكوفونية؟

54

كريم السليتي

يبدو أن المشهد الفسيفسائي داخل البرلمان التونسي ليس المشكلة الوحيدة التي يعانيها الوضع السياسي في تونس في مسار تشكيل الحكومة، فقد ظهر مؤشر جديد وهام عن وجود تدخل وضغط فرنسي قوي من أجل تمرير حكومة تدين بالولاء التام لها.

فرنسا هذه المرة لم تعد ترضى بأن يقتصر نصيبها من الكعكة الحكومية التونسية وزارة الثقافة ووزارة المرأة ووزرتي التربية والتعليم العالي، كما جرت العادة في حكومات بورقيبة وبن علي وبعض حكومات ما بعد الثورة. اليوم وفي ظل هذا الانقسام السياسي والاصطفاف الإيديولوجي، صارت حتى وزارات السيادة تثير شهية الفرنسيين.

الضغوطات والتوجيهات الفرنسية هي من أسقطت حكومة الجملي أمام البرلمان وهي أيضا من أتت بإلياس الفخفاخ المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة والتي تشير مصادر متعددة أنه مزدوج الجنسية. ليس هذا فحسب فأعضاء الحكومة الجدد وخاصة منهم أولئك “المستقلين” وغير المعروفين لدى عامة الناس، هم إما من ذوي الجنسية الفرنسية أو من ذوي الخلفية الفرنكوفونية الصريحة، حيث أن عددا منهم من خريجي المدارس والجامعات الفرنسية ويتبنى الفكر العلماني على الشاكلة الفرنسية المعادية للثقافات الأخرى والأديان.

فرنسا دخلت بقوتها لفرض أسماء معينة تعلم يقينا مدى ولائها للغتها وثقافتها وسياساتها في تونس وخارجها. والهدف من ذلك ضمان وجود حكومة تونسية موالية لها بها وزراء يجتهدون لرد الجميل لها، خاصة وأن قمة فرنكوفونية ستنظم في تونس أواخر العام الحالي وسط عدم ترحاب شعبي بها.

هذه القمة الفرنكوفونية كان قد قبل باستضافتها الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي نكاية في حزب حركة النهضة بعد أن دب الشقاق بينها وانتهى تحالفهما. ومن المعلوم أن هذه القمة لا تخدم إلا المصالح الفرنسية وليس لتونس أي استفادة منها، بل على العكس ستضرب السيادة الوطنية وستكرس الصورة النمطية بأن تونس دولة صغيرة لا تعدو أن تكون تابعا صغيرا للسياسات الفرنسية. وفرنسا تدرك ذلك جيدا وليس من مصلحتها وجود حكومة وحدة وطنية قوية أو حكومة بقيادة حركة النهضة أو حزب من الصف الثوري الذي عادة ما يكيل العداء للفرنكوفونية. بل إن من مصلحة فرنسا أن تكون هناك حكومة طيعة وضعيفة ليسهل التأثير علها واستمالة أفرادها لخدمة أجندتها أثناء وبعد تنظيم القمة الفرنكوفونية.

بعض الأحزاب على غرار حركة النهضة وائتلاف الكرامة لا يخفى عليهم مثل هذا الأمر، وقد أبدوا رفضهم للتشكيل الحكومي المقترح، لكن الغريب في الأمر هو صمت رئيس الجمهورية حامي السيادة الوطنية وكذلك الأحزاب القومية وعلى رأسهم حركة الشعب التي لا نكاد نرى لها موقفا ضد هذا التغلغل الفرنكوفوني في تونس على الساحة السياسية.

من الواضح أن فرنسا تعيش سن اليأس في تونس، فبعد أن استغلت السنوات الأخيرة لحكم الباجي قائد السبسي في تشديد قبضتها الاقتصادية والثقافية على الشعب التونسي وذلك بمحاولة السيطرة التامة على مسالك التوزيع من خلال سلسلة الفضاءات التجارية الكبرى والسريعة، والحصول على صفقات مشاريع بنية تحتية بالإضافة لمزيد السيطرة على سوق السيارات وغيرها من المشاريع. بعد كل هذه النجاحات الفرنسية جاءت الانتخابات بما لا تشتهيه مراكب فرنسا، حيث تعالت صيحات الفزع من قبل أحرار تونس منتقدين التغلغل الفرنسي في اقتصادنا وسياستنا وإدارتنا وأمننا وتعليمنا وإعلامنا وقضائنا، وصار كل ما هو فرنسي موضع شبهة وتخوف.

ومن حق التونسيين والطبقة السياسية التونسية التوجس من التدخلات الفرنسية، فقد أثبت النموذج السياسي الاستعماري الفرنسي فشلا ذريعا داخل فرنسا نفسها، ففرنسا التي بشرت بعهد الأنوار وحقوق الانسان كانت أسوأ مستعمر يسجله التاريخ الحديث من حيث سفك الدماء واستئصال الثقافات المحلية وفرض الهيمنة والاستبداد والأجندات بالقوة.

إن تراجع اهتمام التونسيين على المستوى الشعبي والأكاديمي بالفرنكوفونية عموما، جعل فرنسا تعدل من سياساتها التي أصبحت أكثر انتقائية، فهي اليوم تحاول التركيز على الطبقة السياسية وكبار موظفي الدولة لاستدراجهم للدخول في فلكها إما بالترغيب أو بالترهيب، لأنها تدرك أن القرار السياسي الاقتصادي يرجع في الأخير لهذه النخبة. وعلى التونسيين الوعي بخطورة هذا الاختراق وتأثيره على المصالح الاستراتيجية لتونس.

إن انتشار الوعي لدى التونسيين بأن لا مستقبل لهم مع النموذج الفرنسي والذي لم ينجح في أي من المستعمرات الفرنسية (تشاد، مالي، النيجر، الجزائر…) يجعل من فرنسا في موقف الهزيمة المدوية في تونس. وهو ما يفسر ولو جزئيا محاولاتها المتشنجة كلما خطت تونس خطوة نحو الانعتاق والخروج من تحت عباءتها وتحقيق مصالحها الاستراتيجية بعيدا عن الهيمنة الفرنسية. فهل تنجح الضغوط الفرنسية هذه المرة في تمرير حكومة تونسية موالية لها لإنجاح قمتها الفرنكوفونية؟

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here