إياد بن مبروك: المقاطعة معركة لتحرير فلسطين وتونس

13
إياد بن مبروك: المقاطعة معركة لتحرير فلسطين وتونس
إياد بن مبروك: المقاطعة معركة لتحرير فلسطين وتونس

حذامي خريّف

أفريقيا برس – تونس. يقول إياد بن مبروك، منسق الحملة التونسية للمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، في حوار مع “أفريقيا برس”، إن كل المجهودات التي تقدمها الأطر الداعمة لفلسطين لا ترتقي إلى صرخات الرضع في غزة الصامدة، مشددًا على أهمية استمرار التحرك والعمل بالسبل المتاحة في ظل عجز أنظمة الحكم العربية وتواطئها وخذلانها للقضية المركزية.

ومنذ تأسيسها عام 2014، نجحت الحملة التونسية للمقاطعة ومناهضة التطبيع في أن تصبح مرجعًا موثوقًا في تحديد معايير التطبيع والمقاطعة على المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية والرياضية. لكن الطريق لم يكن خاليًا من التحديات، سواء على صعيد النفاذ إلى وعي الجمهور العام أو على صعيد تمرير تشريعات رسمية تُجرّم التطبيع.

أين وصلت الحملة التونسية للمقاطعة ومناهضة التطبيع اليوم؟ وما أهم إنجازاتها وتحدياتها؟

حملتنا حققت العديد من النجاحات التي لا نزال غير راضين عنها وغير مكتفين بها بالتأكيد، من بينها المساهمة في انتشار مفاهيم التطبيع ومناهضته وطرح مسألة تجريم التطبيع على الطاولة وفي قلب المشهد السياسي والشعبي. ولكن أبرز ما حققته الحملة، حسب اعتقادي وبفضل مثابرة مناضليها منذ تأسيسها عام 2014، هو أن هذا الإطار تحوّل إلى مرجع نظر في تونس فيما يخص معايير التطبيع ومعايير المقاطعة على جميع المستويات: الاقتصادي والسياسي والثقافي والرياضي. أن تتحول الحملة إلى مرجع نظر موثوق هو خطوة كي يتحقق الهدف والجدوى من وجودها أصلًا. فلنتخيل غياب هذه الجهة (مهما كان اسمها)، ستعمّ الفوضى وستتداخل المعايير، وستعمل كل جهة حسب المعايير التي تتبناها.

هذا النجاح النسبي هو نتيجة بحث دقيق وعلمي لأعضاء الحملة، وتعاون بين حملتنا وبقية حملات المقاطعة الفلسطينية والعربية. وأقول إن هذا النجاح نسبي لاعتبارين: الأول أن هذه المعايير والمصطلحات لم تصل حتى اللحظة إلى الجمهور الواسع الذي نسعى إليه، والثاني هو عدم تمرير قانون يجرّم التطبيع مع كيان الاحتلال، خاصة وأن الفرصة والسياق السياسي سمح بذلك يوم 2 نوفمبر 2023، لكن ميزان القوى السياسي لم يكن لصالحنا. ونون الجمع أعني بها القوى الوطنية الداعمة لقضية فلسطين، التي ترى في حرية فلسطين تحرر تونس من قوى الاستعمار أيضًا.

كيف انعكست الحرب الأخيرة على غزة على نشاط الحملة وعلى تجاوب المواطنين مع دعوات المقاطعة؟

بعد السابع من أكتوبر، وتناسبًا مع عظمة ما يحدث ومع هول الإبادة الجماعية، كان لا بد للحملة أن ترفع من سقف معاييرها، فأدرجنا المراكز الثقافية التابعة رسميًا للدول الشريكة في الإبادة في قائمة المقاطعة. لم تكن هذه النقلة بغرض التعجيز، بل اعتبرناها ضربًا مشروعًا لمصالح الدول الشريكة في الإبادة، وضرب مشاريع الهيمنة الناعمة التي تسعى هذه الدول إلى تمريرها تحت يافطة الثقافة.

من جهته، تفاعل الجمهور التونسي إيجابيًا مع دعوات المقاطعة، خاصة في لحظات الذروة الأولى. ورغم أن هذا الإيمان بقدرة الفعل الجماعي على التأثير في مجريات الحرب، على المدى المتوسط والاستراتيجي، لم يترسخ في الوعي الجمعي بالطريقة التي نريدها حتى الآن، إلا أننا نثمّن كل تقدم في نبذ الغريزة الاستهلاكية المفروضة عبر عولمة السوق، ونعتبره خطوة إضافية في خلق نسق حياة جديد يفتح الإمكانات مستقبلًا أمام التصنيع الوطني والتشجيع على الاستهلاك المحلي. من هذا المنطلق تحديدًا ـ منطلق القطيعة مع القوى المهيمنة ـ رفعنا شعار “فلسطين تحررنا”.

أما بالنسبة للثغرات والتحديات، وحسب قراءتي الشخصية لما واجهنا من صعوبات منذ تأسيس حملتنا، فأعتقد أن أعقد مسألتين هما:

1. اقتصاديًا: ما زلنا نرصد عدة اختراقات لمنتجات صهيونية تعرض في السوق التونسية وتلقى رواجًا، خاصة في المجالات الحيوية مثل الفلاحة، وتحديدًا في منظومة “الري قطرة قطرة”. هذه المنتجات تأتي إلى تونس غالبًا عبر وسيط آخر (أوروبي مثلًا).

2. ثقافيًا: تمثل الزيارات إلى أراضي 1967 الفلسطينية إشكالًا متواصلًا بالنسبة لنا في تونس. ففي حين نعتبرها شكلًا من أشكال التطبيع المقنّع لأسباب عدة (منها تحكم العدو الصهيوني في المعابر وسماحه لبعض الفنانين والمؤثرين بالدخول إلى الأراضي المحتلة من أجل ترويج دعايته القائمة على التسامح والعيش المشترك) يصر بعض الفنانين على خرق هذا المعيار تحت مسمى “كسر الحصار على الفلسطينيين” و”زيارة السجين لا السجان” وغيرها من الحجج. وهي ذات الحجج التي تعتمدها بعض وكالات الأسفار في زياراتها الثقافية أو الدينية أيضًا.

كسر الحصار على الفلسطينيين بالنسبة لنا يأتي ردًا على العدو الصهيوني، الذي لا ينفك يحرك آلته الدعائية العملاقة من أجل فرض سرديته.

في تونس نواجه مشكلًا آخر يتمثل في المهرجانات التي تموّلها الدول الشريكة في الإبادة أو المراكز الثقافية التابعة لها. نحن لا نهاجم الفنان في هذه الحالة باعتباره الحلقة الأضعف، إذ يجد نفسه مضطرًا في كثير من الأحيان لممارسة مهنته وكسب قوته. لكننا نوجه سهام النقد إلى إدارات المهرجانات ومن خلفها الدولة، التي تتقاعس عن توفير دعم حقيقي واستثمار في المجال الثقافي، إذ ما زالت رؤيتها قاصرة تعتبر الثقافة مجرد ترفيه أو من الكماليات.

كيف تردون على الأصوات التي تشكك في جدوى المقاطعة الاقتصادية والثقافية للكيان الإسرائيلي؟

عندما نتكلم عن أصوات تشكك في جدوى المقاطعة، لا أريد الحديث عن الجمهور الواسع لأنه ليس من السليم المزايدة على أحد حين يتعلق الأمر بالمقاطعة. ولأن الجمهور الذي يردد هذه المقولات لا يخلقها بل يتلقاها ويعيد إنتاجها ونشرها. المقاطعة أيضًا “حرب”، وهي تخضع للمصالح الاقتصادية. فحين نعتبر أننا ندافع عن مصالح أوسع الجماهير، تطلق رؤوس الأموال التي لها مصلحة اقتصادية في التطبيع أو في التعامل الخفي مع الكيان – من أجل مراكمة الربح – هذه المقولات التي تُسَفِّه فعل المقاطعة. بل إنها تتبجح في الدفاع عن مصالح عمالها. ولعل كارفور مثال جيد بهذا الصدد.

فلننظر إلى المقولة الرائجة: “أنتم تريدون غلق باب الرزق أمام التونسيين”. هي حجة خلقها رأس المال نفسه قبل أن يُسربها عبر قدرته على الدعاية لتتغلغل بين الفئات الواسعة، وهو ذاته رأس المال الذي ينتهك حقوق العمال من أجل زيادة هامش الربح. في حين أننا أوضحنا أكثر من مرة أننا نريد وقف الشراكة مع الشركة الأم الفرنسية التي موّلت ولا تزال تموّل جيش الاحتلال في حرب إبادته. هذا الأمر حدث في الأردن مثلًا دون المساس بأي مورد رزق.

ما قصدته “بالحرب” هو السرديات المتقابلة والمعبرة عن مصالح مختلفة: مصلحة الجماهير في السيادة على ثرواتها، أم مصالح الصهيونية وأذنابها من النافذين في بلداننا. مصلحة المُهيمَن عليهم أم مصلحة المُهيمِن. ذات الأمر ينطبق على الحقل الثقافي، فالمسألة ليست مجرد خلاف في وجهات النظر، بل هي عمق الصراع. ولمن يبحث في تاريخه جيدًا أو يعيد قراءة كتابات المثقف الشهيد غسان كنفاني، سيدرك تمامًا أن الصهيونية، بالمعنى الثقافي، سبقت الحركة الصهيونية السياسية ومهّدت لها. هذا التفصيل الدقيق يجب أن يكون محورًا للعمل الجاد في لحظات الحرب و”السلم” (ولا سلم مع الكيان بطبيعة الحال).

ما هي الأدوات الجديدة (رقمية، إعلامية، فنية) التي يمكن أن تعزز الوعي والتضامن؟

أولًا يجب أن ندرك أننا لسنا مجرد متضامنين، بل نحن في قلب المعركة، من جبهات الإسناد والحشد الجماهيري المدني الواسع في هذه اللحظة بالذات. وهو ما يضع مسؤولية مضاعفة على عاتق شبيبة تونس عامة وأطر إسناد الحق الفلسطيني خاصة، من أجل إبداع أساليب نضالية جديدة.

مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية ستلعب دورًا هامًا بالتأكيد، فهي مربع للصراع أيضًا وللدعاية. ونحن في الحملة بصدد التجهيز لبعض الأمور التي قد تعطي قيمة مضافة لعملنا وقد تحسن من أدائنا ومن نجاعته على المستوى الإعلامي والدعائي.

ولكن، رغم أهمية هذه المنصات ما زلت أعتقد في التواصل البشري المباشر مع كل الناس، في أحيائهم وفي مقرات عملهم وفي الأسواق. هذا الأمر قد يكون متعبًا، لكنه يظل ضروريًا على الدوام، خاصة مع محدودية وسائل التواصل وانحيازها الدائم لرواية العدو وسرديته.

ما دور الحملة في دعم المبادرات الدولية مثل “أسطول الصمود” أو أشكال التضامن الأخرى مع غزة؟

لا يمكن الحديث عن المبادرات الميدانية التي حدثت دون فهم تكامل الأدوار وتضافر الجهود بين الأطر المسندة للحق الفلسطيني في تونس، سواء كان الحديث عن قافلة الصمود أو عن أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار على غزة أو حتى عن الفعل الميداني في الشارع التونسي (التظاهرات والمسيرات).

نحن ندعم بالتأكيد كل هذه المبادرات، ونشكر رفاقنا وأصدقاءنا في تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين، التي يتواجد البعض منا فيها أيضًا، على هذا المجهود الجبار والقدرة على تعبئة الشارع التونسي طيلة عامين. كما نشكر رفاقنا في حملة مقاطعة كارفور أيضًا الذين لا ينفكون يطالبون بفسخ التعاقد مع الشركة الفرنسية.

كل هذه المجهودات التي تقدمها الأطر المسندة لفلسطين لا ترتقي إلى صرخات الرضع في غزة الصامدة. ونحن مطالبون بالمزيد من العمل من أجل تحمل مسؤولياتنا في ظل عجز أنظمة الحكم العربية وتواطئها وخذلانها للقضية المركزية في تحررنا جميعًا.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here