الديمقراطية ليست “ماكدونالدز” تفرضها واشنطن على الشعوب

44

صهيب المزريقي، كاتب تونسي

أفريقيا برس – تونس. في ظل مسودة مشروع قانون “استعادة الديمقراطية” التي أعدها الكونغرس الأمريكي، تتجدد المطالب التونسية الرافضة لأي تدخل أجنبي في شؤونها الداخلية، وكأن التاريخ الدموي للإمبريالية الأمريكية يرفض أن يُنسى أو يُمحى تحت شعارات براقة. تونس التي عانت عبر عقود طويلة من محاولات الهيمنة الخارجية، تؤكد اليوم أكثر من أي وقت مضى تشبثها بسيادتها الوطنية، كدليل قاطع على أن نظامها السياسي قائم على إرادة وطنية حرة غير خاضعة لأي شكل من أشكال الإمبريالية.

إن الحديث عن “استعادة الديمقراطية” التي يروج لها مشروع القانون الأمريكي، يستدعي التذكير بالتاريخ الحقيقي لواشنطن في المنطقة والعالم. فالديمقراطية التي تتحدث عنها الولايات المتحدة هي في الغالب غطاء لاستراتيجيات السيطرة والنفوذ، حيث شهد العالم مئات الآلاف من القتلى المدنيين في دول مثل العراق وأفغانستان وليبيا، جراء تدخلات عسكرية أمريكية تحت مبرر نشر الديمقراطية. على سبيل المثال، تشير تقديرات مستقلة إلى أن الحرب الأمريكية على العراق منذ 2003 أودت بحياة ما يقارب المليون ونصف المليون شخص، معظمهم من المدنيين، في حين أن التدخل في أفغانستان، الذي استمر لعقود، أدى إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين وتشريد الملايين.

ولا ننسى ليبيا التي تحولت إلى دولة فوضى بعد التدخل العسكري الأمريكي تحت شعار “حماية المدنيين”، مما تسبب في مقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين. هذه الأرقام تثبت أن السياسة الأمريكية ليست سياسة سلام أو ديمقراطية، بل هي سياسة قتل ودمار وتدمير للدول. في تونس، النظام السياسي الحالي يُظهر بوضوح تمسكه بسيادة الوطن، ويُبرز رفضه القاطع لأي تدخل خارجي، مهما كانت المبررات و إرتأى التعويل على الذات وعدم التوجه للجهات الإمبريالية المانحة موقفا وطنيا وجعل من فلسطين قبلته المركزية للأمة العربية صارخا في وجه العالم بحرية فلسطين وعروبتها من البحر إلى النهر ودعا إلى تشكيل نظام مالي عالمي جديد على أنقاض المالية العالمية الإمبريالية الحالية التي أبدت إفلاسها لا يمكن أن يكون موجبا للإقتراض منه والتفريط في سيادتنا،هذا الموقف الوطني الصلب يعكس وعيًا تاريخيًا بحقائق السياسة الأمريكية، وبأن الديمقراطية الحقيقية لا تُفرض من الخارج، بل تُبنى من الداخل عبر احترام إرادة الشعب وتعزيز مؤسساته.

تونس اليوم ترفض أن تكون ساحة لصراعات القوى العظمى، وتدافع عن استقلالها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. هذه السيادة الوطنية هي التي تجعلها نموذجًا فريدًا في المنطقة، حيث يصر نظامها على أن يكون مستقلاً، ويمثل مصالح شعبه بعيدًا عن أي تبعية أو وصاية. إن محاولة فرض مشروع قانون أمريكي يدّعي دعم الديمقراطية في تونس، هي محاولة لتكرار سيناريوهات فاشلة ومأساوية شهدها العالم العربي، حيث تُستخدم الشعارات كغطاء لتكريس نفوذ قوى خارجية تهدف إلى تحجيم استقلال الدول واستغلال مواردها. الشعب التونسي، الذي خرج بثورته في 2011 طالبًا بالكرامة والحرية والسيادة، لن يقبل العودة إلى الوصاية أو التبعية، ولن يسمح بتحويل بلاده إلى ساحة للتجارب الإمبريالية. السيادة الوطنية هي خط أحمر لا يمكن تجاوزه، والتاريخ الدموي للتدخلات الأمريكية دليل واضح على أن الديمقراطية التي يروجون لها ليست سوى قناع لتبرير الانتهاكات والتدخلات.

في النهاية، لا يمكن لأي مشروع خارجي أن يعيد الديمقراطية إلى تونس إلا إذا انبثق من داخل إرادة الشعب التونسي نفسه، ومن احترام سيادته وحقوقه الوطنية كاملة. تونس، بتاريخها وحاضرها، ترفض أن تكون نسخة مطابقة من تجارب الدول الأخرى التي جُرحت من التدخل الأمريكي، وتعلن تمسكها بنظام وطني مستقل يرفض الهيمنة بكل أشكالها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here