آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أشار نعيم الزيدي، عضو المكتب السياسي لحزب التكتل من أجل العمل والحريات، في حواره مع “أفريقيا برس”، إلى أن الحزب يقرأ الاحتجاجات المتصاعدة في ولاية قابس ضد التلوث بوصفها “جرس إنذار جديدًا”، مؤكدًا أن “إما أن تتحرك الدولة في اتجاه عدالة بيئية وتنموية حقيقية، أو ستتعمق الأزمة أكثر”.
وقال إن “التكتل مستعد لتقديم تصورات عملية للحل”، مبينًا أن “الحلول العاجلة يجب أن تكون واضحة وواقعية”، ومن أبرز الأولويات التي يقترحها “تفعيل خلية أزمة جهوية تضم ممثلين عن الدولة والمجتمع المدني والاختصاصيين البيئيين، لمتابعة الوضع الميداني يوميًا واتخاذ قرارات فورية بخصوص التلوث والانبعاثات”.
وأضاف أن “التكتل يساند مبدأ نقل الوحدات الصناعية الملوِّثة خارج مدينة قابس وبعيدًا عن مناطق العمران، ولكن بطريقة مدروسة تراعي إمكانيات الدولة”، مشيرًا إلى أن الحزب يدعو في الوقت ذاته إلى “إطلاق حوار وطني حول العدالة البيئية، لأن قابس تعبّر اليوم عن أزمة شاملة في علاقة الدولة بالجهات الداخلية”.
ونعيم الزيدي هو عضو المكتب السياسي لحزب التكتل من أجل العمل والحريات، حاصل على الإجازة في البيولوجيا التحليلية، وقد انضم إلى الحزب سنة 2018 وترأس قائمته في قابس خلال الانتخابات التشريعية سنة 2019.
كيف تقيمون الوضع البيئي الحالي في قابس؟
قابس لم تعد تحتاج إلى تقييم… فالوجع فيها يُشمّ قبل أن يُرى، والتلوث صار ظلًّا يسكن كل زاوية. لمن يطلب لجنة، نقول: تعالوا عشوا بيننا يومًا واحدًا، تنفسوا هواءنا، واشربوا من مائنا، وانظروا إلى بحرنا الرمادي، حينها ستفهمون أن الحديث عن التقييم بات ترفًا. قابس اليوم تبكي بلون الغبار من الأرض حتى السماء، لا شاطئ يحتضن أهلها، ولا نسمة تُفرح وجوههم. لقد تجاوزنا مرحلة التشخيص، فالجسد أنهكه المرض، وما نطلبه اليوم ليس وصف الداء، بل البحث عن شفاء — تفكيكًا للوحدات ووقف سكب الفسفوجيبس في البحر، المهم أن تستعيد قابس أنفاسها، أن تعود خضراء كما كانت.
هل ترون أن الخطط الحكومية السابقة لمعالجة الأزمة كانت فاشلة؟
بكل وضوح، نعم، الخطط الحكومية السابقة لمعالجة الوضع في قابس كانت محدودة ونتائجها دون المنتظر. كل الحكومات المتعاقبة تعاملت مع الملف بمنطق المسكنات لا بمنطق الإصلاح الحقيقي. قابس اليوم تدفع ثمن عقود من السياسات الخاطئة، التي تغلّب فيها منطق الربح السريع على صحة المواطن والبيئة.
لكن دعنا نذكّر بشيء مهم: التكتل حين كان شريكًا في الحكم رفع الملف البيئي لقابس في أكثر من مناسبة، وطالب بإصلاح شامل للمنظومة الصناعية وباحترام المعايير البيئية، لكن المرحلة كانت انتقالية وصعبة، ولم تكن كل القرارات بيدنا وحدنا.
اليوم، موقفنا واضح: الكلام لم يعد ينفع، الأزمة البيئية تتطلب خطة وطنية واضحة لإعادة تأهيل المنطقة الصناعية، حماية البحر والواحة، وتوفير بدائل اقتصادية نظيفة تخلق فرص عمل وتحافظ على الصحة. قابس لا تستحق وعودًا بعد اليوم، بل تستحق فعلًا.
ما هو موقف حزب التكتل من نقل الوحدات الصناعية الملوثة خارج المدينة؟
التكتل يساند مبدأ نقل الوحدات الصناعية الملوثة خارج مدينة قابس وبعيدًا عن كل مناطق العمران، لكن بطريقة مدروسة وواقعية تراعي إمكانيات الدولة. الوضع المالي صعب، والميزانية محدودة، لكن هذا لا يمنع من وضع خطة انتقال تدريجية تُموّل على مراحل بمشاركة الدولة والمؤسسات الصناعية والجهات المانحة.
الحلول يجب أن تكون قابلة للتنفيذ لا شعاراتية، والنقل ينبغي أن يتم ضمن مخطط استثماري بيئي يضمن تمويل البنية التحتية الجديدة، وبرامج تكوين للعمال، واسترجاع الأراضي الملوثة داخل المدينة لاستغلالها لفائدة السكان. التحول البيئي يمثل فرصة تنموية حقيقية وليس عبئًا ماليًا، والاستثمار في التنمية النظيفة هو استثمار في مستقبل قابس وتونس.
كيف يقرأ حزب التكتل تصاعد الاحتجاجات الأخيرة في قابس؟
حزب التكتل يتابع باهتمام ما يحدث في قابس، ويرى أن تصاعد الاحتجاجات ليس مفاجئًا، بل نتيجة طبيعية لتراكم الإهمال وغياب الحلول الواقعية لسنوات طويلة. الاحتجاجات تعبير مشروع عن معاناة حقيقية بسبب التلوث وانعدام الثقة في وعود الحكومات السابقة.
الحزب يعتبر هذه التحركات جرس إنذار جديدًا، ويدعو الدولة إلى وضع خطة واضحة للإنقاذ البيئي والاجتماعي بدل الاكتفاء بالتصريحات. التحرك نحو عدالة بيئية وتنمية حقيقية أصبح ضرورة وطنية، لأن قابس لا تستحق أن تكون ضحية السياسات الخاطئة، بل نموذجًا لتونس نظيفة ومنتجة.
هل شارك حزب التكتل في التحركات الأخيرة بقابس؟
حزب التكتل قريب من التحركات الاجتماعية السلمية في قابس ويؤمن بأن صوت الناس يجب أن يُسمع، لكنه لم يشارك في تنظيم الاحتجاجات الأخيرة ولم يحاول توظيفها سياسيًا.
الحزب يدعم المطالب المشروعة للأهالي، ويتواصل مع مكونات المجتمع المدني في الجهة لمتابعة التطورات ميدانيًا، مع التأكيد على سلمية التحركات وتنظيمها. موقف التكتل ثابت: الدفاع عن حق المواطنين في الاحتجاج ورفض أي محاولة لتوظيف معاناتهم سياسيًا أو انتخابيًا، والمطلوب اليوم حلول فعلية ومسؤولة من الدولة دون مزايدات.
ماهي الحلول العاجلة التي يقترحها الحزب؟
من وجهة نظر حزب التكتل، الحلول العاجلة يجب أن تكون واضحة وواقعية وتُدرج ضمن روزنامة تنفيذ دقيقة. الحزب يقترح ثلاث أولويات أساسية:
– تفعيل خلية أزمة جهوية تضمّ ممثلين عن الدولة، المجتمع المدني، والاختصاصيين البيئيين، تكون مهمتها متابعة الوضع الميداني يوميًا واتخاذ قرارات فورية بخصوص التلوث والانبعاثات.
– القيام بتدقيق بيئي عاجل ومستقل في كل الوحدات الصناعية لتحديد مصادر التلوث بدقة واتخاذ إجراءات فورية لوقف الأكثر خطورة على صحة المواطنين، حتى قبل نقل المصانع.
– وضع خطة حماية صحية واجتماعية عاجلة لأهالي قابس، عبر دعم المستشفيات الجهوية بالوسائل والتجهيزات الضرورية وتوفير مراقبة طبية دورية للمناطق الأكثر تضررًا.
وفي الموازاة، يدعو الحزب إلى إطلاق حوار وطني حول العدالة البيئية، لأن قابس تعبّر عن أزمة شاملة في علاقة الدولة بالجهات الداخلية، ما يتطلب تغيير منطق التهميش إلى منطق الشراكة.
إلى أين يمكن أن تتوجه الأوضاع إن تواصل التجاهل الرسمي؟
إذا تواصل التجاهل الرسمي، فإن الوضع في قابس سيتأزّم أكثر بيئيًا واجتماعيًا وحتى سياسيًا. الناس لم تعد تثق في الحكومة، والاحتقان بلغ مستويات خطيرة. استمرار الصمت أو الوعود غير الواقعية قد يولد انفجارًا اجتماعيًا حقيقيًا، لأن المواطنين يشعرون أنهم تُركوا لمصيرهم بين التلوث والبطالة والتهميش.
مع ذلك، الأزمة مازالت قابلة للحل إذا حدث تغيير جذري في طريقة التعامل. الدولة مطالبة بالإصغاء إلى المطالب والتحاور وتحمل المسؤولية، فالحل لا يكون بالقمع أو التجاهل بل بالحوار والقرارات الشجاعة. التكتل يحذر من تكرار الأخطاء السابقة، ويؤكد أن قابس لا تستحق أن تكون بؤرة أزمة جديدة، بل رمز العدالة البيئية والتنمية النظيفة في تونس.
ماهي الرسالة التي يوجهها حزب التكتل إلى أهالي قابس؟
أهالي قابس، أنتم لستم وحدكم. نحن نعيش نفس المعاناة اليومية من التلوث والبطالة والمشاكل البيئية، ونعرف تعبكم وخوفكم على صحتكم ومستقبل أبنائكم. نحن نعيش هذا الواقع معكم ونتقاسمه.
التكتل يقف إلى جانبكم قلبًا وقالبًا، ويطالب الدولة بالتحرك الفوري واتخاذ خطوات ملموسة لحماية المدينة وسكانها. كما يدعو إلى الحفاظ على السلم والمسؤولية في الاحتجاجات لأن قابس تستحق مستقبلًا نظيفًا، بيئة سليمة، وهواء نقيًا لأطفالها، وفرص حياة كريمة لشبابها.
نؤمن أن صوتنا مجتمعًا قادر على صناعة التغيير وبناء مستقبل يليق بقابس وأهلها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس
 
            