صلاح الدين الجورشي
أفريقيا برس – تونس. بعيداً عن أجواء المعارضة في تونس وخطابها الاحتجاجي، وجد عديد البرلمانيين أنفسهم في تناقض شبه كامل مع رئاستي الجمهورية والحكومة، وهو ما أثار عديد الأسئلة والتعليقات، فهذا البرلمان انتُخِب على أنقاض المجلس الذي حله الرئيس قيس سعيد، ويفترض أن يكون داعماً شرعيته وموالياً له. لكن الأمثلة التالية تدل على أن شيئاً غير عادي حصل في الأثناء. خلال مناقشة الميزانية.
استغرب نائب وجود حوالى 40 موقعاً دبلوماسياً خارج البلاد لا يزال شاغراً منذ أكثر من سنتين. وتساءل عن المانع الذي يحول دون تأسيس المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء، وهما مؤسّستان على غاية من الأهمية والحساسية بالنسبة إلى رئاسة الجمهورية. أما النائب عن “الخط الوطني السيادي”، فقد قال إن النظام الرئاسي “لا يعني الانفراد بالسلطة وإنهاء دور الأجسام الوسيطة من أحزاب ومنظمات ووضعها في خانة الفساد”، فهذا من شأنه أن “يؤدّي إلى تصحّر البلاد”. وأضاف أن “استسهال زجّ الناس في السجون وعدم احترام الإجراءات في غياب محاكمات عادلة لا يمكن أن يؤسس لدولة قوية وعادلة”. واعتبر نائبٌ آخر أن مشروع قانون المالية لسنة 2026 “لم يشهد له مثيلاً من قبل”. ورأى رابع أن بناء جدار بين الرئيس والبرلمان “لن يزيد الأزمات إلا تعمّقاً”، وأن “سياسة الرئيس الوحيد والأوحد قد سبق وأدّى إلى انقلاب بن علي على بورقيبة، كما أدّى إلى انقلاب الشعب على بن علي”. وغرّد آخر: “فرحنا عندما تخلينا عن النظام البرلماني وأقمنا نظاماً رئاسياً. لكن من ذلك التاريخ لم يتحقق أي شيء على أرض الواقع”. وقال نائب: “عندما يخاف المواطن من التعبير ويتردد المستثمر أمام غموض القرار لن تتحقق أي تنمية”. وتساءل أحدهم: “إلى متى سيستمر هذا الجنون في تونس؟”. وأجاب: “النظام فاقد رشده”، و”كل المؤشرات تدل على أن رئيس الجمهورية منفصل عن الواقع، فالرجل يعيش في كوكب آخر كما قال عن نفسه”.
… نكتفي بهذا القدر من الأمثلة، ونتساءل عما يحدث وراء هذا المشهد، فالبرلمان منقسم على نفسه، ودُعي رئيسه عبر لائحة إلى إعلان استقالته بعد انسحاب أعضاء عديدين من مكتب المجلس، وهناك نداء إلى قيس سعيد لعقد جلسة من أجل تقييم الأوضاع العامة في البلاد، ما دفع نواباً آخرين أكثر إخلاصاً للرئيس، رأوا في انتقاد رموز الدولة مؤشّراً خطيراً لا بد من التصدي لأصحابه، لكن هذه الأصوات لم تنجح في التقليل من حجم الأزمة التي تضرب البرلمان في العمق، وتجعل منه مجرد هيكل دون سلطة ولا قرار.
الغريب في هذا أن النواب الذين وجهوا كل هذا النقد، عقبوا على ذلك بالتشديد على تمسّكهم بمحطة 25 جويلية (25 يوليو/ تموز 2021). ومنهم من حاول التمييز بين نقد الرئيس والإصرار على مباركة الإجراءات التي اتُّخِذَت، مثل حل البرلمان. رغم ذلك، يبدو أن التجربة السياسية الراهنة قد استنفدت أغراضها. هذا ما أكدته معظم الأطراف السياسية والاجتماعية. لقد تبيّن لهم أن الدولة لا يمكن أن يديرها فرد واحد، مهما كانت نزاهته، وأن إلغاء المعارضة ليس فكرة جيدة، لأن التجربة أثبتت أن ذلك لن يمنع صعود معارضين من داخل المنظومة الحاكمة تدعو إلى المطالب نفسها، وترفع شعارات شبيهة بالتي ردّدها السابقون. لهذا، دان بعض النواب أوضاع المساجين السياسيين الذين كانوا في المعارضة، وطالبوا باحترام قواعد المحاكمة العادلة، وتابعوا المواجهة الدائرة بين جزء من المحامين ومصلحة السجون، وذلك بعد اعتداء بالعنف تعرّض له السجين جوهر بن مبارك، وفق ما روى محاموه.
في كل أسبوع، تندلع أزمة أو تحصل مواجهة، وكأن تونس تمر بحالة مخاض، وهي مقبلة على حدثٍ ما، لأن هذا الاحتقان يعكس بنية تحتية مترجرجة، ولكن لا أحد يعلم متى تحصل الولادة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس





