آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أعلنت أحزاب وشخصيات وطنية وعدد من مكونات المجتمع المدني في تونس، في الآونة الأخيرة، عن إطلاقها رسميًا مبادرة “التزام وطني”، في محاولة لإحياء المشهد السياسي من جديد، الذي يعيش حالة من الركود منذ انطلاق مسار 25 جويلية.
وأوضح شكري عنان، الناطق الرسمي باسم حركة “حق”، وهي أحد الأطراف الفاعلة في هذه المبادرة السياسية الجديدة، في حواره مع “أفريقيا برس”، أن “وثيقة التزام وطني” هي بمثابة عهد جمهوري أو عقد وطني نسعى من خلال ما تضمنه من مبادئ وأهداف إلى تأسيس نظام حكم ديمقراطي مدني يفصل بين الدين والعمل السياسي، ويقوم على التعددية ويضمن التداول السلمي على السلطة، ويرتكز على دور الأحزاب والمنظمات الوطنية والمجتمع المدني في إدارة الشأن العام بمقاربة تشاركية دون إقصاء أو تهميش أو شيطنة أو تخوين.
ولفت إلى أن مبادرة “التزام وطني” هي التزام سياسي وأخلاقي، وتؤسس لأخلقة السياسة، وهي نتاج التقاء مبادرات أُطلقت سابقًا، من بينها مبادرة حركة حق التي أُعلن عنها في 8 فيفري 2025، وتسعى إلى تجميع المعارضة حول قيم ومبادئ مشتركة.
وأكد أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والخلافات السياسية التي تعيشها تونس تستوجب الحكمة والتعقل، على اعتبار أن مجمل هذه المشاكل بتشعّبها لا يمكن أن تجد حلولًا إلا بالحوار وفي إطار أسلوب تشاركي.
وشكري عنان هو الناطق الرسمي باسم حركة “حق”، وإطار سامٍ بمؤسسة عمومية، متخرّج من المدرسة الوطنية للإدارة بالرباط، ومن كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الرباط أكدال في المملكة المغربية، كما أنه باحث في القانون العام، اختصاص القانون الدستوري والعلوم السياسية.
أعلنتم مؤخرًا في حركة حق عن انخراطكم في مبادرة سياسية جديدة بعنوان “التزام وطني”، هل يمكن التعريف بهذه المبادرة، أهدافها والأطراف المشاركة فيها؟
حركة حق شريك فاعل في مبادرة “التزام وطني” التي تم الإعلان عنها والتوقيع على الوثيقة خلال الندوة الصحفية التي انعقدت يوم 15 أكتوبر 2025 بأحد نزل العاصمة، والتي شاركت فيها إلى جانب حركة حق كل من الحزب الدستوري الحر، والحزب الاجتماعي التحرري، وعدد من الشخصيات الوطنية الاعتبارية. وكان أول الموقعين عليها رئيس الجمهورية الأسبق السيد محمد الناصر، الذي أضفى حضوره وتوقيعه على الوثيقة قيمة اعتبارية كبيرة.
ويجدر القول إن مبادرة “التزام وطني” تمثل التزامًا سياسيًا وأخلاقيًا، وتؤسس لأخلقة العمل السياسي، وهي نتاج التقاء عدة مبادرات سابقة، من بينها مبادرة حركة حق التي أُعلنت في 8 فيفري 2025.
وقد عُقدت جلسات ولقاءات تمهيدية، تلتها اجتماعات دورية منذ 24 ماي 2025، انبثقت عنها لجنة صياغة أوكلت إليها مهمة إعداد وثيقة أُطلق عليها اسم “التزام وطني”، تهدف إلى تجميع المعارضة حول قيم ومبادئ تكون القاسم المشترك بيننا، نلتزم بها في الحاضر والمستقبل، سواء كسلطة أو كمعارضة.
وقد تمسك الموقعون والموقعات على وثيقة “الالتزام الوطني” بجملة من المبادئ تتمحور حول ما يلي:
– السيادة الوطنية واستقلال القرار الوطني ورفض جميع أشكال الوصاية أو الارتهان للخارج.
– سيادة الشعب التي تُمارَس عبر انتخابات حرّة ونزيهة وشفافة وخاضعة لرقابة قضاء مستقل.
– النظام الجمهوري القائم على الديمقراطية الحقة، والتفريق بين السلطات والتوازن بينها، وتكريس التعددية والتداول السلمي على السلطة.
– اعتماد حكم مدني قائم على حياد القوات المسلحة، وضامن لحرية الضمير والفصل بين الدين والعمل السياسي، ورفض جميع أشكال العنف والتطرف.
– حياد الإدارة ومنع إقحامها في الصراع السياسي حفاظًا على النظام الديمقراطي.
– اعتماد الكفاءة كعنصر أساسي في تسيير شؤون الدولة ومؤسساتها.
– التمسك بالمنظومة الدولية والوطنية لحقوق الإنسان، والالتزام بتربية الناشئة على القيم الإنسانية وقيم المواطنة والتسامح.
– وضع أسس نظام سياسي يهدف إلى بناء اقتصاد فعّال يخلق الثروة ويوزعها بعدالة، بما يتيح النهوض الاجتماعي الشامل.
– ضمان المساواة الفعلية في النص القانوني وأمامه بين جميع المواطنين والمواطنات، وترسيخ مكتسبات المرأة التونسية والعمل على تطويرها.
– إيلاء الشباب الحقوق والمكانة التي يستحقها، وتمكينه من المساهمة الفعالة في الشأن العام.
– إعلام مستقل وحر وتعددي يلعب دوره في ترسيخ المسار الديمقراطي.
ما هي رؤية هذه الوثيقة التي ناقشتها تيارات سياسية وفكرية مختلفة لبناء حكم مدني وديمقراطي؟
تضمنت وثيقة “التزام وطني”، علاوة على المبادئ المذكورة أعلاه، أهدافًا يسعى الموقّعون عليها إلى تحقيقها بالطرق السلمية المتاحة، وذلك من أجل وضع منظومة دستورية وقانونية تؤسس لنظام حكم جمهوري مدني يقوم على مبدأ الفصل بين السلط والتوازن بينها ويمنع الاستبداد.
ويستوجب ذلك بالضرورة تعديل القانون الانتخابي، بما يضمن نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، ويسمح لمن نال ثقة الناخبين بحكم البلاد وفق برنامج انتخابي، دون المساس بأسس الديمقراطية، ومنها الحق في معارضة الأغلبية الحاكمة بعيدًا عن منطق الشيطنة والتخوين والتآمر.
ولضمان الديمقراطية الحقة، يتطلب الأمر من ناحية بناء مؤسسات وهيئات محصّنة دستوريًا وذاتيًا، قادرة على إيقاف التجاوزات المحتملة ومقاومة الانفراد بالحكم، بما يعزّز الأمان السياسي في البلاد. ومن ناحية ثانية، إرساء المؤسسات الضامنة للحقوق والحريات والتداول السلمي على السلطة، وفي مقدمتها المحكمة الدستورية، والمجلس الأعلى للقضاء، والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، مع توفير الضمانات القانونية الكفيلة بحمايتها من أيّ تدخلات.
تراهنون في حركة “حق” على إعادة تأسيس عقد جمهوري قائم على التوازن بين السلطات. ما التحديات التي تواجهكم لتحقيق هذا الهدف، خاصة في ظل مناخ يميل للتفرّد وفق استنتاجات المتابعين؟
نحن في حركة “حق” نعتبر أن النظام السياسي الذي أرساه دستور 25 جويلية 2022 هو نظام هجين. فعلاوة على البناء القاعدي، الذي أثبتت التجارب المقارنة فشله، فهو دستور لا يؤسس لديمقراطية حقيقية. ومن بين هناته أنه ألغى “السلطات” وأقرّ “الوظائف”، ومن القواعد التي لا جدال فيها في مفهوم “الوظيفة” وجود “رئيس” و”مرؤوس”، وخضوع كل وظيفة (مرؤوس) لسلطة الرئيس.
ومن هذا المنطلق، وما دامت “السلطات” قد أصبحت “وظائف” في دستور 2022، فلم يعد المجال مجال حديث عن سلطات مستقلة، وهو ما يحيلنا إلى نظام سياسي بعيد عن النظام الديمقراطي القائم على الفصل بين السلط والتوازن بينها والرقابة المتبادلة.
وعلى هذا الأساس، خصصت وثيقة “التزام وطني” الجانب الأكبر من المبادئ والأهداف لتحديد رؤية المؤسسين والموقّعين لنظام الحكم الذي يسعون إلى تحقيقه، وهو النظام الديمقراطي القائم على دستور يضمن مدنية الدولة والنظام الجمهوري والفصل بين السلط والتوازن بينها، حتى نتجنب الانفراد بالسلطة.
ووثيقة “التزام وطني” هي بمثابة عهد جمهوري أو عقد وطني نسعى من خلال ما تضمنه من مبادئ وأهداف إلى تأسيس نظام حكم ديمقراطي مدني، يفصل بين الدين والعمل السياسي، ويقوم على التعددية التي تضمن التداول السلمي على السلطة، ويُبنى على دور الأحزاب والمنظمات الوطنية والمجتمع المدني في إدارة الشأن العام بمقاربة تشاركية، دون إقصاء أو تهميش أو شيطنة أو تخوين.
ذكرتم أن المبادرة مفتوحة على الجميع دون استثناء، كما تطالب بإصدار عفو عام على جميع المعتقلين السياسيين وإلغاء النصوص غير الدستورية، هل برأيكم ستجد دعواتكم صدى سياسيًا وشعبيًا أمام استمرار نفور الشارع من الشأن العام؟
في البداية، وجب التأكيد على أن مبادرة “التزام وطني” لن تكون كباقي المبادرات السابقة، فهي من ناحية أصبحت منذ مساء يوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 مفتوحة عبر منصة للتوقيع الإلكتروني لمن يرغب، مع ضمان سرية هوية الموقّع/ـة إن اختار/ـت ذلك. ومن ناحية ثانية، فإن المؤسسين والموقّعين سيبدؤون اجتماعات تنسيقية للتقييم وتحديد خطوات التحرك اللاحقة من أجل إنجاح المبادرة وتحقيق أهدافها.
كما يجدر التأكيد على أن الأزمة التي تمر بها تونس تستوجب بالضرورة تنقية الأجواء، إذ لا يمكن الانكباب على إيجاد الحلول الكفيلة بتجاوز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية قبل تنقية المناخ السياسي، من خلال عدة آليات ممكنة، منها إصدار قانون عفو تشريعي عام لفائدة جميع المعتقلات والمعتقلين بسبب عملهم السياسي أو المدني وسجينات وسجناء الرأي، وإطلاق سراحهم وعودة المغتربات والمغتربين قسرًا. هذا علاوة على ضرورة إلغاء النصوص القانونية غير الدستورية والمصادرة للحقوق والحريات، والمتعارضة مع المنظومة الوطنية والدولية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها المرسوم 54 لسنة 2022 والنصوص المشابهة.
ومما لا شك فيه أن هذه المطالب المشروعة تستوجب وجود إرادة سياسية ورغبة في تجاوز الأزمة، يسبقها بالضرورة إيمان بوجود أزمة في البلاد تتطلب الحوار والتشاركية، لأن سياسة الهروب إلى الأمام والمغالبة وتخوين المعارضة ليست الحل، ولن تكون الحل لأزمة تونس.
هناك انتقادات طالت المبادرة الجديدة بسبب عودة اصطفافات قديمة للمشهد ووجوه سياسية أخذت فرصتها في الحكم مع استمرار تغييب الشباب، ما رأيكم في ذلك؟
إن مبادرة “التزام وطني”، ووفق ما تضمنته من مبادئ وأهداف، تولي الأهمية القصوى لعنصر الكفاءة في إدارة الشأن العام، وتعطي الفرصة لجميع الطاقات والخبرات من مختلف الفئات العمرية. فلا نفرّق بين الشباب والكهول، ولا بين الرجل والمرأة، فالجميع لهم الحق، بل ومن واجبهم، المشاركة في الحياة العامة.
ونحن في حركة حق، وكما أكدنا سابقًا، نعتبر أن “الشباب حل وليس مشكلًا، والمرأة حل وليست مشكلًا، والمتقاعدون حل وليسوا مشكلًا”. وقد كرّسنا ذلك عمليًا، والدليل شباب حركة حق ونساؤها الذين واكبوا الندوة الصحفية ليوم 15 أكتوبر 2025، إذ كان من مثّل الحركة في لجنة الصياغة، وهو رئيس اللجنة السياسية لحركة حق، من شباب الحركة. وبصفة عامة، فإن أغلب رؤساء اللجان في حركة حق، وفي إطار القيادة الجماعية الوظيفية التي نعتمدها بعيدًا عن الشخصنة والزعاماتية، هم من الشباب.
إن منطق الإقصاء لا وجود له في مقاربتنا داخل حركة حق. فكما نؤمن بضرورة تشريك الشباب والمرأة، نؤمن أيضًا بـ تلاقح الأجيال، وأخذ الخبرة ممن تمرّسوا بالشأن العام وساهموا في بناء مجد الأمة التونسية بعد الاستقلال. ويبقى لهؤلاء دور في المساهمة في مبادرة “التزام وطني” وإنجاحها، فـتونس تُبنى بجميع بناتها وأبنائها دون تمييز في السن أو الجنس، ولكل مكانته وموقعه ودوره في البناء الحضاري الذي نصبو إليه.
ما أبرز الحلول التي تطرحها المبادرة للخروج من المناخ السياسي المأزوم؟ وهل يمكن أن تساهم هذه المبادرة في فتح باب الحوار مع السلطة والعودة إلى التشاركية؟
كما سبقت الإشارة، فإن من أوكد الأولويات المطروحة لحل الأزمة السياسية في تونس، وبعد الإقرار بوجود الأزمة، هو تنقية المناخ السياسي من خلال العديد من الآليات، ومنها إصدار قانون عفو تشريعي عام لفائدة جميع المعتقلات والمعتقلين بسبب نشاطهم السياسي أو المدني وسجينات وسجناء الرأي، وإطلاق سراحهم وعودة المغتربات والمغتربين قسرًا، وإلغاء النصوص القانونية المصادرة للحقوق والحريات، وفي مقدمتها المرسوم 54.
كما تدعو المبادرة إلى تعديل دستوري يضمن نظام حكم جمهوري مدني يقوم على التعددية والتداول السلمي على السلطة، ويرتكز على مبدأ الفصل بين السلط والتوازن بينها، ويمنع الاستبداد، مع وضع قانون انتخابي يعيد الاختصاص الحصري في النزاعات الانتخابية للمحكمة الإدارية، ووضع جميع الآليات الكفيلة بضمان انتخابات حرّة ونزيهة وشفافة، وتركيز المؤسسات الدستورية الضامنة لعلوية الدستور ودولة الحق والقانون، وفي مقدمتها المحكمة الدستورية، والمجلس الأعلى للقضاء، والهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
إن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والخلافات السياسية والتحديات الداخلية والخارجية التي تعيشها تونس تستوجب الحكمة والتعقل، إذ إن مجمل هذه المشاكل بتشعّبها لا يمكن أن تجد حلولًا إلا عبر الحوار وفي إطار أسلوب تشاركي يجمع السلطة والمعارضة والأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية. فالحوار يبقى الحل الأنجع والأفضل.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس





