آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أكد عماد الخميري، الناطق الرسمي لحركة النهضة، في حواره مع “أفريقيا برس” أن الحركة متمسكة بحقها في العمل السياسي”، وأن “ما يثار من دعوات في الآونة الأخيرة لحلها سواء من داخل الحركة أو من خارجها، هي فرضية غير واردة وغير ممكنة، باعتبار أن النهضة تمثل جزءا من المجتمع التونسي ولها جمهور واسع، وهي تعكس تيار اجتماعي أصيل له ثوابته ومبادئه، كما يحمل رسالة وطنية هدفها الدفاع عن الحرية وعن الديمقراطية وهو ماض فيه رغم ما يتعرض له من ضغوطات وتضييقات.”
وأوضح أن “الحركة مستعدة للانفتاح على كل من يريد المساهمة في إخراج البلاد من أزماتها، كما ستواصل العمل ضمن الإطار الجبهوي من خلال جبهة الخلاص الوطني.”
ورأى أن “الحراك الحقوقي الناشئ يبشر بالتقاء مكونات سياسية ومدنية على أهداف وطنية أبرزها الدفاع عن الحقوق والحريات، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين دون تمييز، وهو ما أهم ما يمكن أن تلتقي بشأنه التيارات السياسية اليوم.” وفق تقديره.
وعماد الخميري هو الناطق الرسمي لحركة النهضة التونسية، ورئيس كتلتها النيابية في برلمان 2019/2024.
من المرتقب انعقاد مؤتمر حول الحريات في تونس، هل ستكون حركة النهضة من ضمن المشاركين في هذا المؤتمر؟
أثارت دعوة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والاجتماعية إلى مؤتمر وطني للحقوق والحريات لأجل دولة ديمقراطية المقرر يوم 31 مايو، خصوصا نص ومضمون المبادرة، حفيظة العديد من الأطراف داخل مكونات المبادرة ومن خارجها، حيث عملت على استهدافها والضغط على أصحابها بما يرجح تعطيل دينامياتها، والحد من إمكانياتها في التجميع وتحرير أطرها من التصنيفات القديمة، وربما نجحت في إعادتها إلى مربع التصنيفات، التي كرست حالة الانقسام في الساحة الوطنية بما فسح المجال واسعا أمام عودة الاستبداد وتكميم أفواه الجميع، فالراجح لدي أن المبادرة أجهضت أو تعطلت، فنحن لم نسمع على اجتماعات تحضيرية، ولم يخرج أيضا أصحابهم ليعلنوا عن مآلات مبادرتهم.
برأيك هل سيكون لهذا الحراك الحقوقي اللافت في الآونة الأخيرة تأثيرا ايجابيا على المشهد السياسي والحقوقي؟
الحراك الحقوقي الأخير الذي شهدته بلادنا إثر المحاكمات القاسية التي تعرض لها العديد من المناضلين من المختلف التيارات السياسية والفكرية، والتي صدرت بحقهم أحكام سجنية طويلة الأمد وهي أشبه بأحكام الإعدام الغير معلنة، والتي شملت قادة الأحزاب وصناع الرأي في البلاد، هذا الحراك الذي تلى أيضا إعتقال نشطاء أبرزهم المحامي أحمد صواب، برأيي يخطو خطوة نحو الاتجاه الصحيح.
فهذا المشهد الغير مسبوق الذي رأيناه في المسيرات والمظاهرات التي خرجت للتنديد بإيقاف صواب، حيث خرج جنبا إلى جنب إسلاميون ويساريون وليبراليون ودستوريون، تلاه أيضا خروج عديد من المكونات من مربع مساندة 25 جويلية ثم إلى معارضة المسار معارضة صحيحة، ثم الاستعداد إلى الالتقاء والتجميع ونبذ الانقسام المجتمعي في الساحة السياسية، كل هذا يعد ببداية تشكيل وعي تمثله شرائح واسعة في المجتمع خاصة لدى شرائح شبابية، ومفاد هذا الوعي أن دعم ومعالجة ديمقراطية متعثرة أفضل بكثير من مساندة حكم شمولي استبدادي بسط سيطرته على كل نواحي الحياة، استهدف المؤسسات الممثلة والعمل الحزبي والنشاط الجمعياتي والعمل الإعلامي والصحافة الحرة وضرب حق المواطن في الاختيار، وضرب مبدأ التداول السلمي على السلطة عبر انتخابات نزيهة وشل الحياة الاجتماعية والاقتصادية بما جعل ما تعيشه تونس غير مسبوق في تاريخها الحديث على كل الأصعدة، وضرب أسس التعايش السلمي في المجتمع، كل هذا يمثل خطورة حقيقية على بلادنا وعلى مستقبلها وعلى استقرارها.
أعتقد أن هذا الحراك الناشئ مبشر بالالتقاء على أهداف وطنية كبرى راهنة، أبرزها هو حماية الحقوق والحريات من كل استهداف، والالتفاف حول مطلب إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين دون تمييز، وكذلك العمل على عودة الديمقراطية، والدفاع على استقلالية القضاء وحق التونسيين في حياة سياسية بلا استهداف ولا تجريم، هذا أبرز ما يمكن أن تلتقي عليه اليوم الساحة السياسية المناهضة لمسار 25 جويلية.
كيف يمكن تخفيف التوتر بين السلطة والمعارضة في تونس؟
هذا الباب مدخله هو رفع المظالم، لا يمكن الحديث عن استقرار مجتمعي وتنمية بمعناها العام، إذا كان هناك ظلما مسلطا على المجتمع، وإذا كان هناك ظلم تمارسه السلطة السياسية، فالمدخل لتخفيف التوتر هو رفع المظالم وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وعدم الزج بالمؤسسة الأمنية والقضائية في الصراعات السياسية، كذلك رفع القيود المسلطة على الإعلام، ورفع القيود المسلطة على العمل الحزبي وعلى العمل الجمعياتي، وفتح المقرات الحزبية لحركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني، وعدم تسليط الضغوط على العمل السياسي وعدم تجريمه، كما يجب أن نخطو خطوات في اتجاه استقلالية حقيقية للقضاء، كل هذا يعد مدخلا لرفع أسباب وموجبات التوتر.
وبطبيعة الحال مدخله أيضا القبول بأن البلاد ملك للجميع، وأننا كلنا شركاء في تجاوز مشكلات الراهن وبناء المستقبل، وأن البلاد لا يمكن تقسيمها فسطاط موالي للسلطة وفسطاط معارض يوصف بشتى النعوت القبيحة والعمالة والفساد، ومدخله أيضا العدول عن سياسة الإنكار والهروب إلى الأمام، كل هذا يعد مدخلا لتخفيف التوتر، لكن ما نراه على أرض الواقع هو مخالف تماما لهذه التمنيات، بل هناك استمرار لنهج الانغلاق وإنكار الأزمة، وقد بلغنا اليوم مدخلا آخر من مداخل الظلم، وهو تسليط عقوبة جديدة على المعتقلين السياسيين بإيداعهم إلى سجون في داخل البلاد بعيدا عن مقر سكناهم وبعيدة عن المقرات القضائية التي يبحثون فيها كما هو منصوص عليه بالقوانين، وهو مدخل آخر من مداخل التنكيل ومن تسليط الضغط والعقاب الغير قانوني على سجناء الرأي وسجناء السياسة في هذه البلاد.
هناك جدل بين نشطاء إسلاميين من حركة النهضة ومن محيطها في الآونة الأخيرة حول مسألة حل الحركة لنفسها، وإن كانت ستمثل مخرجا مشرّفا لحركة خسرت ثقلها التاريخي والسياسي والديني بعد تجربة الحكم في العشرية الأخيرة، ما رأيك في ذلك؟
في البدء نحن نفرق بين هذه الدعوات التي تدعوا إلى حل النهضة، بين تلك التي تصدر عن جهات الاستئصال وعن داعمي الاستبداد في كل العقود، وبين ما سمعناه من دعوات صدرت عن جهات في تيار الحركة وفي التيار المحيط بها، والذي يقودها في هذا القول وشائج عاطفية تتعلق بدرء ما أصاب هذا التيار، تيار الهوية والديمقراطية، وما تمثله حركة النهضة من أرصدة بشرية رجالا ونساء، شبابا وإطارات، هذه الحركة التي عانت من مخلفات الصراع الذي دار منذ عقود بين أنظمة الاستبداد وسلطته في تونس منذ ثمانينات القرن الماضي ببعناوينها وبتعبيراتها المختلفة منذ أن كانت تحمل إسم الاتجاه إسلامي إلى اسم حركة النهضة، وقد كان من نتائج هذا الصراع شهداء سقطوا من الحركة تحت التعذيب وفي السجون والمعتقلات، وعقود من السنوات سرقت والتي قضاها رجالنا ونسائنا وراء القضبان فداءا للهوية ولتيار الحرية والديمقراطية لشعبنا، لهؤلاء نقول أنه مازلنا نعتقد أن الحركة تدفع كل ذلك من أجل مصلحة البلاد ومن أجل الحرية، ومن أجل أن ينعم الشعب بالديمقراطية عبر مختلف أجياله، ونعتبر أننا نقوم بهذا الدور، وواعون بأننا جزء من تيار كامل بالبلاد ينحو نحو هذا المنحى ويقوم بهذه الرسالة الوطنية، ولم نلحظ أن هناك تأسيسا فكريا لهذه الدعوة أو تنظيرا يمكن لنا مناقشته مع إخواننا وأصدقاءنا الذين ندين لهم بالنصيحة والرأي.
أما الجزء الثاني المتعلق بما اعتدنا سماعه من الكثير من الدعوات التي ما فتئت تتمسك بفكرة التقسيم والاستئصال، نحن نقول لهم أن النهضة لم تدخل تونس عبر تأشيرة، وهي تمثل هذا التيار الكبير داخل المجتمع التونسي، هذا التيار الذي يجمع بين الذاتية وبين المحافظة الثقافية، وكذلك الإيمان القوي بالحداثة، هذا التيار تمثله أجيال ويعكس صوتا داخل المجتمع، ويمثل أيضا تعبيرا لتوجهات داخل المجتمع، لذلك لا يمكنه أن يتأثر بمثل هذه الدعوات، هؤلاء يتناسون أن النهضة تيار اجتماعي واسع وأصيل، وأن آلاف التونسيين تعبر عنهم النهضة عبر وجودها القانوني وبثباتها على العلنية والقانونية، وبالابتلاءات التي أصيبت بها في علاقة بتمسكها ودفاعها عن المبادئ وعن الديمقراطية.
نحن جزء من هذه التربة ومكون أصيل من مكونات البلاد بتاريخها وبأصالتها، واعتقادي أن النهضة ستبقى متمسكة بهذه الخيارات والثوابت، ومؤمنة بالدور الموكول لها، وهي ذات جمهور واسع، الطبيعة تأبى الفراغ ودعوات الحل يمكن أن تستجيب لكيانات ليست أصيلة لا تعبر حقيقة عن واقع المجتمع، حل هذه الكيانات لا يمثل إشكالا، لكن حل هذه التيارات التي تمثل جزءا من المجتمع وجزء من رأي العام فهو غير ممكن، هو حل تأباه قوانين الطبيعة، وجمهور النهضة متمسك بحقه في العمل السياسي، ومتمسك بحق البلاد في الديمقراطية، وفي تعدد سياسي يمثل كل المجتمع وكل التيارات الموجودة، وفي حقه في صنع القرار والمشاركة في السلطة، وهو ما يصنع الاستقرار، وما يصنع الاندماج المطلوب لكل التيارات السياسية.
كيف يمكن لحركة النهضة الحفاظ على تأثيرها السياسي ورصيدها الشعبي في ظل سجن أبرز قياداتها؟
في الحقيقة هوامش العمل السياسي تضيق في ظل سلطة تجرم العمل السياسي وتستهدف العمل الجمعياتي، وتضيق على حرية الإعلام وتستهدف كل الحقوق التي جاءت بها ثورة الحرية والكرامة، وفي ظل هذا الوضع ليس هناك من خيار أمام الحركة غير الالتزام بخطها السياسي الوطني المبدئي الذي يقف إلى جانب الحق ويرفض الظلم المسلط على الناس، وكذلك الدعوة إلى توسيع المشتركات والتشبث بالنظام السلمي المدني لبناء ديمقراطية حقيقية تكفل التنمية والعدالة للجميع.
وفي ظل التضييق على العمل السياسي، لا خيار لنا سوى التمسك بعملنا الجبهوي ضمن جبهة الخلاص، وكذلك الاستعداد للانفتاح على كل من يريد المساهمة في إخراج البلاد من ورطتها، هذا من ضوابط الخط السياسي العام، الذي يجعلنا في معركة مع الاستبداد وفي معركة ضد الظلم وهو خط مبدئي منذ 2021، وقد بدأ الجميع يلتحق بهذه المقاربة بعد التأكد أنه ليس هناك مسار لإصلاح حقيقي، إنما خطوة إلى الوراء تعود بنا إلى مراحل الحكم الاستبدادي الشمولي.
تعي الحركة كذلك على مستوى داخلي إلى أهمية فسح المجال لأجيال جديدة، التي من شأنها أن تساهم في حمل أمانة الحركة، وكذلك أهمية ما نقف عليه من تقييمات، هناك ورقات جاهزة نريد أن نخرج بها إلى الرأي العام الوطني، بهدف تقييم مرحلة ما بعد الثورة لتشاركنا فيها وحتى تقف على تعثرات الانتقال الديمقراطي، وهذا التقييم ليس جلدا ذاتيا كما يريده البعض للحركة على حساب بقية المكونات الموجودة حتى تتحمل بمفردها مسؤولية ما حصل في مرحلة ما بعد الثورة، إنما هو رأي موضوعي ذاتي نريد مشاركته مع الرأي العام الوطني لنحقق به أقدار من المصالحة وتبنى به الثقة مع مختلف الشرائح بالبلاد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس