عندما تُذكّرنا كوريا الجنوبية بتونس

33
عندما تُذكّرنا كوريا الجنوبية بتونس
عندما تُذكّرنا كوريا الجنوبية بتونس

معن البياري

أفريقيا برس – تونس. ما تقوله الوقائع التي تتابَعت أخيراً في كوريا الجنوبية أن ما فرعَن قيس سعيّد في تونس أنه لم يُواجَه بما كان (وما زال) يلزَم أن تُواجَه به فرعنتُه. لم يتعثّر هذا الرجل بأي عقبةٍ من أي نوع، منذ دشّن انقلاب 25 يوليو (2021) على مؤسّسات بلده، بحلّ البرلمان، وواصل حربَه في تجويف الحياة السياسية، وصناعة دستوره، وتنظيم استفتاءاته وانتخاباته البرلمانية والرئاسية، وفرض كل ما يطرأ على مزاجه، بالتوازي مع سجنه حقوقيين ومناضلين وحزبيين وأصحاب رأي، واستصداره أحكاماً قضائيةً على قياداتٍ سياسيةٍ وزعاماتٍ، فها هو راشد الغنوشي في السجن والمنصف المرزوقي في منفاه تتوالى ضدّه الأحكام. وفي أزيد من ثلاث سنوات، واصل سعيّد ارتكاباته هذه وغيرها بنجاحٍ مدهشٍ، دلّ على أن النخبة السياسية والأهلية والمدنيّة في تونس مُرتجفة. وليس من أولوياتها الدفع بالتمرين الديمقراطي الذي كانت البلاد تعبُر فيه، وكثيرٌ منها منشغلٌ بمكاسب عابرةٍ ومكائد بائسة وخصومة مع عنوان سياسي معيّن.

أما في كوريا الجنوبية، وليس صاحب هذه الكلمات خبيراً في أيٍّ من شؤونها، فقد أحبطت المعارضة، بأطيافها البرلمانية والنقابية والمدنية، مُراد الرئيس، يون سوك (وصل إلى منصبه في 2022)، ومعه الجيش، أن يدشّن مساراً شبيهاً بمسار انقلاب 25 يوليو في تونس، عندما قرّر مساء الثلاثاء فرض الأحكام العرفية، وسوّغ فعلتَه هذه بضرورتها في مواجهة كوريا الشمالية ولحماية النظام الدستوري للبلاد. لم يقتنع قطاعٌ عريضٌ من الناس بهذا الكلام، وتحسّبوا من أعلان الجيش نيّته حظر أنشطة البرلمان والأحزاب، وفرض السيطرة على وسائل الإعلام والنشر، فكانت المظاهرات والاحتجاجات والمسيرات الشعبية السلمية، أمام البرلمان والقصر الرئاسي، معطوفةً على تحرّك النواب المتماسك، لمّا صوّتوا، في جلسة طارئة عاجلة، على رفض قرار الرئيس، وكان لافتاً أن النواب من حزب الرئيس شاركوا في هذا. والمرتقب أن يعزِل البرلمان هذا الرئيس إذا لم يُبادر إلى الاستقالة.

ما حدث في ليلة الثلاثاء الأربعاء الماضية في سيول هو ما لم يحدُث في ليلة الأحد الاثنين في الأسبوع الأخير من يوليو/ تموز 2021 في تونس. أُريدَ في البلد الآسيوي أن يرتدّ إلى ما قبل معايشته الديمقراطية الإجرائية والتعدّدية في 1988، فحمى أهلُه ونخبُته والنواب المنتخبون والتشكيلات المدنية فيه هذه التجربة، فلم يُجيزوا للرئيس أن يمضي في الذي أراده، وإنْ سوندَ بقيادة الجيش. بل فتحت الشرطة لاحقاً تحقيقاً ضدّه بتهمة الخيانة، لأنه أعلن الأحكام العرفية. وإذا صحّ أن تصوير “كاميرا خفيّة” تسلّم زوجة الرئيس حقيبة يدٍ قيمتها 2200 دولار هديةً من قسٍّ داعمٍ تطبيع العلاقات بين الكوريتين ساهم في إشعال الغضب على الرئيس وأسرته ومعاونين له ومسؤولين في الدولة، بسبب ما يُشاع عن تورّطهم في رشىً واستغلال نفوذ، فهذا عظةٌ أخرى من المشهد هناك لنا، نحن العرب الذين يقيم بين ظهرانينا قيس سعيّد، ويبيعُنا كلاماً لا يتوقّف عن حربه على فسادٍ وفاسدين، من دون أن نُصادف متّهماً من هؤلاء أمام أي قاضٍ. ومن دون أن يجهر أحدٌ أمام من باعَنا صفةً له أستاذاً للقانون الدستوري بأن الإفساد الذي أحدَثه في سياسيين ومشتغلين في الشأن العام أشدُّ خراباً من أي فسادٍ كلاسيكيٍّ معلوم.

سيُعزَل هناك، في كوريا الجنوبية، رئيسٌ حاول اقتراف شيءٍ مما مضى فيه قيس سعيّد، وقد يُحاكم، وربما نلقاه معتقلاً في بلده، أو لاجئاً في بلد آخر، وهو الذي قرأنا إن مستوى معيشة الكوريين (الجنوبيين) الاقتصادي في عهده القصير تراجَع، ما اقتطعَ من بعض شعبيّةٍ كان عليها. أما رئيس تونس، فتتجدّد رئاستُه، ويتسارع سير الاقتصاد في بلده إلى الخلف، وتغيب سلعٌ عديدةٌ من الأسواق، ونقصُ الحريات لا ينفكّ يزيد نقصاً. وفي الأثناء، ثمّة برلمانٌ أبكم، ومعارضة مُجفّفة، ولا تفلح مسيراتٌ واعتصاماتٌ احتجاجيةٌ ظرفية، محدودة وإن تتّسع أحياناً، في إحداث زخمٍ اعتراضيٍّ قويٍّ في البلاد.

فور أن أعلن الرئيس يون سوك الأحكام العرفية، وما إن قال الجيش ما قاله، أفضى رئيس البرلمان (الجمعية الوطنية)، بأن “المشرّعين سيحمون الديمقراطية مع الشعب”، وهذا ما صار. أما الذي قدّام عيوننا من تونس ففتكٌ نشطٌ بأبسط بديهيّات الحكم الطبيعي المؤسّسي، لأن المشرّعين لم يحموا، مع الشعب، البلد من بلاهاتٍ ركيكةٍ يُزاولها الرئيس هناك، وهو مزهوٌّ بها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here