صلاح الدين الجورشي
أفريقيا برس – تونس. الدائرة تضيق، والأوضاع تزداد احتقاناً. هذا ما كشفت عنه “قارئة الفنجان”. فالمسيرة الحدث التي عاشتها العاصمة التونسية يوم 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري كشفت عن تحوّلات حصلت خلال الأسابيع الأخيرة، جعلت الأضداد تلتقي في مسيرة مشتركة ضد نظام الرئيس قيس سعيد. فحالة الانقسام التي استفادت منها السلطة في المرحلة الماضية جرى تجاوزها شكلياً على الأقل، فالتقى الجميع تحت شعار مشترك “لا للظلم”، يتقدّمها الشباب الغاضب، وتنوّع مشاركوها من نساء وإسلاميين ودستوريين ويساريين معتدلين وغيرهم، فكان الانطباع العام ارتياحاً وحماسة وعزماً على مواصلة السير على نهج التصعيد والقطيعة مع السلطة.
أثار هذا المنعرج غضب الرئيس الذي نعت معارضيه بـ”الخونة”، مؤكّداً في الخصوص أن المعارضة “تتحمّل مسؤولية فسادها وممارساتها السابقة”، معتبراً أن “محكمة التاريخ حسمت موقفها، ولا عزاء للخونة ولا رجوع إلى الوراء”، ومعلناً أن “الدولة لن تقف مكتوفة الأيدي”، معتمداً من جديد على قوله السابق: “خصوم في الظاهر وأصبحوا اليوم حلفاء يوزّعون الأدوار بينهم”. وبدل أن يردع هذا التهديد الأحزاب والمجتمع المدني، حصل العكس، حيث رفض المعارضون “خطاب التخوين”، وازدادوا إصراراً على تصعيد تحرّكاتهم السلمية.
لم يتوقّف رد فعل السلطة عند حدود تخوين معارضيها وتهديدهم، بل شمل أيضاً دوائر الاتحاد الأوروبي، فهي تعتقد أن مصدر قوة المجتمع تأتي من الخارج، وليس من الداخل. لذلك كان السعي طوال المرحلة الماضية على تجفيف مصادر التمويل الذي كانت تحصل عليه معظم الجمعيات، وهو ما تسبّب في تعطيل عديدٍ منها. لهذا تعمل الرئاسة على منع كل أشكال التواصل بين سفراء الدول الأجنبية ومختلف الهيئات المدنية المستقلة عن السلطة. ونظراً إلى أن سفير الاتحاد الأوروبي قد أدّى زيارة للأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، جرت دعوته من رئاسة الجمهورية التي اعتبرت ما قام به خروجاً عن التقاليد الدبلوماسية. وهو ما أثار دهشة الأوروبيين واستغرابهم، ودفعهم إلى التذكير بالاتفاقيات التي تجمعهم بتونس. لكن الإشكال الذي حصل يتمثل بأن هذا اللقاء الذي جمع الطرفين حصل في توقيت سيّئ، لأن اتحاد الشغل يعيش أزمة عميقة مع السلطة، وهو ما دفعه نحو تصعيدٍ متزايدٍ ضدّها من خلال شروعه في سلسلة من التحرّكات المفتوحة على جميع الاحتمالات، خصوصاً بعد دعوة المكتب التنفيذي إلى تنظيم مسيرة احتجاجية يوم 5 الشهر المقبل (ديسمبر/ كانون الأول). وبناءً عليه، اعتبرت السلطة هذا اللقاء في هذا التوقيت الحرج انحيازاً من السفير الأوروبي إلى جانب النقابيين ودعمهم في هذا الظرف الساخن والمتوتر.
من جهة أخرى، ما حصل بين الرئيس والسفير اعتبرته أوساط المعارضة يصبّ في مصلحتها، خصوصاً أن الأحداث تتوالى بسرعة لتزيد من تعميق الأزمة السياسية والاجتماعية. ففي السياق نفسه، التأم اجتماع آخر تشاوري بين الطبوبي وعميد المحامين ورئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وهو لقاء له أكثر من دلالة، لأن من شأن توحيد الجهود بين هذه المنظمات أن يضع مزيداً من العقبات في وجه السلطة، ويجعل الانفراد بالنقابيين، سواء بمحاولة عزلهم أو التفكير في محاكمتهم، احتمالاً مستبعداً، حالياً على الأقل.
في ظل هذه الأوضاع المعقدة، ذهبت أطرافٌ في المعارضة إلى الاعتقاد أن نظام الحكم قد اقترب من ربع الساعة الأخير من نهايته. لكن الواضح أن هذه الأطراف في ما يبدو قد تسرّعت في حكمها وفي تأويلها الأحداث، ولم تدرس بجدّية جميع الاحتمالات، فالمؤكد أن السلطة تواجه مأزقاً ليس هيّناً، لكن النظام لا يزال يتمتع بمساحة للحفاظ على بقائه وصمود فترة أطول. وما إطلاق سراح المحامية والمعلقة السياسية سنية الدهماني فجأةً سوى واحدةٍ من أوراق عديدة يمكن استعمالها مستقبلاً لتخفيف الاحتقان، رغم أنه اضطرّ إلى ذلك بسبب ضغط الشارع والتقاء أطراف المعارضة، إلى جانب حصول سنية على جائزة حرية الصحافة الدولية لعام 2025.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس





