كمال القرقوري: التكتل يسعى لديمقراطية حقيقية بدون تحالفات مغشوشة

5
كمال القرقوري: التكتل يسعى لديمقراطية حقيقية بدون تحالفات مغشوشة
كمال القرقوري: التكتل يسعى لديمقراطية حقيقية بدون تحالفات مغشوشة

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. أكد كمال القرقوري، عضو المكتب السياسي لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، في حواره مع “أفريقيا برس” أن “حزب التكتل، بعد مراجعة شاملة وتقييم موضوعي لتجربته خلال مؤتمره الأخير، يعلن عن مرحلة جديدة من مشواره السياسي والحزبي، التي تقوم على تحديث الرؤية، وضبط المعايير، وتكريس ممارسات ديمقراطية حقيقية، لا شكلية”.

وعن مساعي المعارضة التوحد والاصطفاف في هذه المرحلة من تاريخ البلاد التي تشهد تضييقًا على مناخ الحريات، أوضح أن “الحزب يواصل العمل على تكوين جبهة ديمقراطية تقدمية اجتماعية للتصدي للمنحى الاستبدادي للسلطة، إلا أن توحد المعارضة يستوجب قيام كل مكوناتها بمراجعات حتى لا يقع تكرار الأخطاء القاتلة في مرحلة ما بعد الثورة أو العودة إلى ديمقراطية مغشوشة”.

ورغم ما عُرف عن حزب التكتل بكونه “صوت العقل في المشهد السياسي”، إلا أنه أقر “بانشغال الأحزاب عقب ثورة يناير بالصراع على السلطة والتموقعات، في حين أنه لا معنى للديمقراطية دون حفظ كرامة المواطن”. وهي أهم الدروس التي يستخلصها الحزب.

وفي معرض تقييمه للقطاع الفلاحي بصفته خبيرًا في هذا المجال، رأى أن “الموسم الفلاحي جيد من ناحية الإنتاج، لكن هناك إخفاقات لا يمكن غض النظر عنها، حيث أن دعم الدولة للفلاح سلبي وضعيف أو مفقود خلال الأزمات. كل هذا يدفع صغار الفلاحين إلى التخلي التدريجي عن منظومة إنتاجهم بتغييرها نحو منتج أكثر ربحية أو باستنزاف غير مرشد للموارد الطبيعية لتقليص تكلفة الإنتاج، وهو ما ينجم عنه اختلال في العرض والطلب واللجوء للتوريد أو ارتفاع الأسعار”، وفق تقديره.

وكمال القرقوري هو سياسي ونقابي تونسي، وهو قيادي بحزب التكتل، وأستاذ علوم فلاحية بالجامعة التونسية، وخبير فلاحي لدى بعض المنظمات الوطنية والدولية.

في ظل الحراك الحقوقي الذي تعيشه تونس مؤخرًا منذ إيقاف المحامي أحمد صواب، هل سيتجه حزب التكتل نحو الانخراط في تحالفات حزبية بهدف صياغة تصور جديد للعمل السياسي في هذه المرحلة؟

التكتل عمل على تكوين جبهة ديمقراطية تقدمية اجتماعية منذ سنة 2011، ويواصل هذا العمل إلى اليوم، والدليل على ذلك انخراطه وتأسيسه مع المكونات الأخرى، جبهة القوى الديمقراطية وشبكة الحقوق والحريات التي تأسست في الفترة الأخيرة للدفاع عن الحقوق والحريات والتصدي للمنحى الاستبدادي للسلطة. وأكدت الإيقافات والأحكام الجائرة الصادرة ضد المعتقلين السياسيين والصحفيين، وكل معتقلي الرأي وآخرهم المحامي والقاضي المتقاعد أحمد صواب.

هل بوسع المعارضة التونسية تجاوز انقساماتها وطي صفحة الماضي من أجل تقديم بدائل؟

المعارضة منقسمة بطبعها، وما يفرقها قد يكون أساسيًا ويمنع تكتلها. انتظرنا مراجعات من المحافظين السياسيين المدافعين عن النظام الاستبدادي ما قبل الثورة ولم تأتِ، كما انتظرنا مراجعات من المحافظين الإسلاميين حول الأخطاء القاتلة ما بعد الثورة التي أسست لديمقراطية فاسدة ومغشوشة ولم تأتِ. لا يمكننا دون هذه المراجعات الانخراط في توجه مشترك، حيث سيكون هدفه من ناحيتنا إرساء نظام ديمقراطي، ومن الأطراف الأخرى العودة إلى الاستبداد أو ديمقراطية مغشوشة.

لقد قدّمنا في التكتل الديمقراطي، خلال المحطات السابقة، تضحيات جسيمة من أجل حماية المسار الديمقراطي والتصدي لكل محاولات الانفراد بالسلطة. وإذ نقرّ بأن لهذا الخيار ما له وما عليه، فإننا نعتبره خيارًا وطنيًا استوجبته المصلحة العليا.

وبعد مراجعة شاملة وتقييم موضوعي للتجربة، نعلن اليوم عن انطلاقة جديدة تقوم على رؤية محدثة وخطة عمل واضحة المعالم، تنطلق من ضرورة وضع شروط دقيقة لضمان مسار ديمقراطي فعلي لا شكلي.

وندعو، في هذا السياق، كل المؤمنين حقًا بالديمقراطية إلى الانخراط الجاد والمسؤول في هذا المسار، لأن بناء الديمقراطية لا يكون بالشعارات، بل بالالتزام والمواقف الصادقة.

أما هذا المسار، فلن يبدو صعبًا ولا مستغربًا إلا على من اعتاد اتخاذ الديمقراطية غطاءً ظرفيًا لا خيارًا مبدئيًا.

هل برأيك ستنجح المقاومة السلمية والمدنية للمعارضة في تحقيق مطالبها واسترجاع حضورها في المشهد السياسي؟

المقاومة لا يمكن أن تكون إلا سلمية، وهي مقاومة تحتاج إلى صمود ونفس طويل. الثبوت على المواقف التي تبنى على مبادئ صلبة وتتسلح بقناعة قوية، ما آلها إلا الإقناع والتواجد وتحقيق أهدافها. هذه الأهداف لا تقف في حدود الدفاع عن الحقوق والحريات، بل تطرح بدائل أساسها التساوي بين المواطنين وتحقيق النمو الشامل لكل الفئات والجهات. هذه المقاومة السلمية تتصدى اليوم إلى الشعبوية التي تفتقد لحلول حقيقية وشاملة وتقف في مستوى الشعارات والإجراءات الحينية والمحدودة، وفي بعض الأحيان متناقضة.

هل تتوقع أن تتفاعل السلطة إيجابيًا مع دعوات المعارضة في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين؟

لا أحتاج أن أتوقع، فالسلطة لم تتجاوب رغم أن هذه الدعوات لم تقتصر على المعارضة بل شملت العديد من المنظمات الوطنية.

ما هو موقف الحزب من اقتراح النواب مبادرة لتعديل الفصل 32 من مجلة الأحوال الشخصية؟

هذه المبادرة، كغيرها من القوانين، لم تكن مدروسة بالشكل الكافي، مما سيؤدي إلى نتائج سلبية على المواطنين والعائلات، وخاصة الأطفال والنساء. المؤسف أن الدعوة للحوار تقابل بالصد، وينتقل الحوار إلى إصدار بيانات وتصريحات ورفض الرأي الآخر برمته. مجلة الأحوال الشخصية تكتسي أهمية كبرى في حياة المواطنين، وتنقيحها يجب أن يمر بحوار دقيق وعميق.

بعد انعقاد المؤتمر الرابع للحزب وانتخاب أعضاء المكتب السياسي، ما هي أبرز الدروس والمراجعات النقدية التي يستخلصها الحزب؟

لا يمكن نجاح الانتقال الديمقراطي ولا معنى لديمقراطية لا تضمن للمواطن كرامته ولا تحقق له العيش الكريم، هذا الدرس الأساسي. وقد انشغلنا على هذا الهدف بالصراع السياسي والتموقعات، رغم أن التكتل كان يمثل صوت العقل في المشهد السياسي. الخطاب السياسي يحتاج إلى راديكالية نحو هذا الهدف، والمشهد السياسي يحتاج إلى وضوح بتكتل كل القوى الحاملة لنفس المبادئ.

خلال مؤتمرنا الرابع، نعلن عن مرحلة جديدة تقوم على تحديث الرؤية، وضبط المعايير، وتكريس ممارسات ديمقراطية حقيقية، لا شكلية. اشتغلنا بجدية ومسؤولية على ترسيخ هذه الضوابط، وبلورة تصور ديمقراطي نابع من الواقع الوطني وقادر على التفاعل معه. واليوم، نؤمن أن هذه الصورة يجب أن تُعمم، وأن تصل رسالتنا إلى الجميع، حتى أولئك الذين ما زالوا يشككون في صدق هذا التوجه. فالديمقراطية، في نظرنا، ليست امتيازًا يُمنح، بل مسار يُنتزع بالعزيمة، ويُصان بالوعي، ويُمارس بالحرية المسؤولة — وأشدد هنا على “المسؤولة”، لأنها جوهر البناء الديمقراطي السليم.

إن من واجبنا، في هذه اللحظة المفصلية، أن نسلّم المشعل للجيل الجديد، لا كشعار رمزي، بل كقناعة متجذرة، نغرسها في عقولهم ونفوسهم، ليحملوا راية الديمقراطية عن وعي وإيمان. فالديمقراطية ليست مجرد خطب وشعارات، بل ثقافة وسلوك، ومبادئ تُترجم إلى قرارات وممارسات في الشأن العام.

ما هو تقييمكم للموسم الفلاحي الحالي؟

الموسم الفلاحي الحالي جيد من ناحية الإنتاج، لكن برز إخفاق في إدارة الوفرة في زيت الزيتون، خاصة باللجوء إلى سجن مؤسس أكبر شركات التصدير في إنكار لقرينة البراءة. لكن لا يمكن تقييم موسم فلاحي في عزلة عن المواسم السابقة التي تراكمت نتائجها السلبية والإيجابية. لقد مررنا بفترة جفاف طويلة أثرت في منظومات الإنتاج التي ستحتاج لسنوات لإعادة بناء نفسها، مثل تربية الأغنام. منظومات إنتاج أخرى تتحكم الدولة في أسعار بيع منتوجها أو في كمية الإنتاج، تحتاج إلى مراجعات جذرية، مثل الألبان وتربية الدجاج.

هل سيشكل عيد الأضحى مشكلة للتونسيين؟ وهل المتسبب في الأزمة هو الفلاح أم المواطن أم وزارة الفلاحة والدولة؟

أثر الجفاف بشكل كبير في قطيع الأغنام، حيث خسر 2 مليون رأس من أصل 6.5 مليون في السنوات الأخيرة، ولجأ المربي إلى التضحية بالإناث حديثة الولادة ولم يجدد قطيعه، ثم إلى بيع جزء من القطيع للمحافظة على الباقي. وقد تعمقت الأزمة في السنوات الماضية جراء غلاء الأعلاف. في هذه الظروف، كان على الدولة دعم المربين للحد من خسائرهم والمحافظة على منظومة الإنتاج. ستحتاج إعادة بناء القطيع، إذا استمرت الظروف المناسبة، من ثلاث إلى خمس سنوات.

ما هي أبرز المشاكل التي يعاني منها القطاع الفلاحي حسب رأيكم؟

المشكل الأساسي هو أن القطاع الفلاحي لا يُعتبر قطاعًا اقتصاديًا حقيقيًا، حيث أن الأغلبية الساحقة من الفلاحين ليس لديهم مؤسسات اقتصادية، ولا يوجد لهم وجود في سجل المؤسسات، مما يجعلهم عرضة للاستغلال السهل، وخاصة الصغار منهم. وضعف تنظيمهم يفاقم هذا الوضع.

المشكل الثاني يتمثل في استعمال الفلاح كمدعم للقدرة الشرائية للمواطن بتسقيف الأسعار دون تحديد سعر أدنى، مما يجعل المنتج غير قادر على تعويض فترات انخفاض الأسعار في فترات ارتفاع الأسعار عندما يتم تسقيفها. والفلاح يواجه إكراهات هيكلية، تتمثل في عدم القدرة على إيقاف الإنتاج وضرورة بيع المنتج عند نضجه بالأسعار المتداولة، وإن كانت أدنى من تكلفة الإنتاج.

هذه الهشاشة تتفاقم بسبب العوامل المناخية وأسعار المدخلات الفلاحية. الدولة تدخلها عمومًا سلبي ودعمها للفلاح ضعيف أو مفقود خلال الأزمات. كل هذا يدفع صغار الفلاحين إلى التخلي التدريجي عن منظومة إنتاجهم بتغييرها نحو منتج أكثر ربحية، أو باستنزاف غير مرشد للموارد الطبيعية واستعمال مفرط للمدخلات لتقليص تكلفة الإنتاج، أو بالتخلي الكلي عن منظومة الإنتاج. مما يخلق اختلالًا في العرض والطلب، وينجم عنه اللجوء للتوريد أو ارتفاع الأسعار الذي ينتفع به من كانت لديه القدرة المادية على الصمود، ومن يمكنه الاستثمار في الفلاحة. الخاسرون هم الفلاحون وخاصة الصغار والمتوسطون منهم، والمستهلك.

هل سنشهد صابة زيتون وفيرة هذه السنة أيضًا؟

على أغلب التقديرات، ستكون صابة الزيتون القادمة قياسية نظرًا للظروف المناخية الملائمة. وعلينا الاستعداد لها من الآن لنجاح الموسم على جميع النواحي من الجني والتحويل والخزن والتسويق.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here