افريقيا برس – تونس. رضا حرشاني منذ القرن الماضي تبنى عديد المفكرين العرب كأدونيس، وعابد الجابري، وحسن حنفي، وحسين مروة، ومحمد أركون وفؤاد زكريا، ونصر أبو زيد نظرة نقدية للموروث الفكري العربي لكن جل هذه المحاولات لم ترتق الى بنية مشروع فكري متكامل ولم يكن لها اي تأثير حقيقي على الفرد العربي وخاصة الشباب الذين تأثروا بسرعة بأفكار الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحرية التعبير بعد بالربيع العربي أكثر مما تأثروا قبله بما قدمته هذه المشاريع الفكرية من أفكار كالقومية، والليبيرالية، والماركسية، والتقدمية، واليسار الإسلامي… وذلك لأن الأفكار الأساسية التي بُنيت عليها هذه المشاريع قائمة على الاستقطاب الأيديولوجي، بعيدة كل البعد عن العلمية والموضوعية والواقعية. هذا الانحياز الإيديولوجي بيّن مدى اختلال المنهجية المتبعة لصياغة أفكار وأطروحات هذه المشاريع وعدم جديتها في تناول الواقع العربي كما هو دون إسقاطات خارجية أو تاريخية. ثورات الربيع العربي كشفت عن حالة من الفراغ الأخلاقي والمعرفي لدى المجتمعات العربية لذلك نجدها تحولت في كثير من البلدان إلى فوضى وتخريب. غياب فكر ممهّد لهذه الثورات التي كانت نابعة أساسا من المواقع الافتراضية أحدثت حركة دون ركائز معرفية وفكرية مما أدى إلى فشلها جميعا.
كل أطروحة فكرية جديدة إذا ما أريد لها النجاح يجب أن تكون نابعة من الواقع ذاته وقائمة على منهجية قوية ومستقلة بعيدا عن كل ما هو موروث (تاريخي يُكرِّر نفس المقولات) أو مستورد من الخارج (بنظرة غربية مسقطة). هذا لا يعني تبني فكرة القطيعة مع المشروعات الفكرية المطروحة منذ عقود ولكن يجب أن نستفيد منها ونتجاوزها نحو رؤية جديدة وإبداع نظريات فكرية جديدة وليدة الواقع وتأخذ بعين الاعتبار كل ما هو أخلاقي وديني واجتماعي لبناء مستقبل أفضل. يجب أن تكون هناك مُراجَعة نقديّة جذريّة لكل هذه الأفكار والانخراط في حركة التجديد، انخراطاً إبداعيّاً يؤسِّس لفكرٍ عربي جديد لا يسعى بالضرورة إلى “الانقطاع التامّ عن الماضي” على حدّ تعبير أدونيس، ولكن يجب أن ننظر إلى الماضي بشقيه البعيد والقريب نظرة نقدية تمكنه من التحرر من إستبداد التاريخ والمستعمر أو المستورد وتزيل عنه الجمود حتى لا يبقي الزمن العربي “زمناً جامداً ميّتاً” على حد قول الجابري.