آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أعاد إيقاف القاضي السابق والمحامي أحمد صواب، الزخم إلى شارع الحبيب بورقيبة أو يعرف بـ”شارع الثورة التونسية”، حيث تعددت المسيرات الاحتجاجية بمناسبة الاحتفاء بعيد العمال، بين مسيرات مؤيدة للسلطة وأخرى معارضة لها، كما دخل الاتحاد العام التونسي للشغل على خط المشهد من جديد، بتعبيره عن رفضه لما أسماه “بتجاهل السلطة للنقابات.”
وشارك مئات التونسيين، الخميس، بمسيرة وسط العاصمة، للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب، عضو هيئة الدفاع عن المتهمين بقضية “التآمر على الدولة”، الذي تتهمه السلطات بـ”التحريض على العنف”.
وتأتي المسيرة بدعوة من شبكة تونس للحقوق والحريات “ائتلاف مدني واسع”، وقد انطلقت من أمام مبنى المحكمة الإدارية وسط العاصمة باتجاه مبنى الاتحاد العام التونسي للشغل، ومنه إلى شارع الحبيب بورقيبة.
وتزامنت المسيرة المنددة بإيقاف صواب، مع مسيرة أخرى مؤيدة للرئيس قيس سعيد حيث عبر أنصاره عن دعمهم له، كما نددوا بالتدخل الأجنبي في شؤون البلاد، وذلك أعقاب تعبير فرنسا وألمانيا والمفوضية السامية لحقوق الإنسان عن رفضها للأحكام الصادرة مؤخرا بحق المتهمين بقضية التآمر.
وشهدت المسيرة الاحتجاجية المنددة بإيقاف صواب، مشاركة متنوعة لعديد الأحزاب والأطياف السياسية. وقال خليل الزاوية الأمين العام لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، الذي كان أحد الحاضرين بالمسيرة لـ”أفريقيا برس” أن “المسيرة عبرت عن كل الاحتياجات والغضب الموجود بالشارع التونسي.”
وتابع بالقول “لقد ندد التونسيون اليوم بالوضع الاجتماعي المتردي، وبالوضع السيئ لواقع الحقوق والحريات مع وجود معتقلين سياسيين بالسجون وسجناء رأي، وآخر من تم إيداعه بالسجن هو المحامي أحمد صواب.”
وأشار أن “الهدف الأساسي لهذا التحرك هو المطالبة بإطلاق سراح صواب، وكانت مناسبة لالتقاء عديد الأطياف السياسية رغم اختلافاتها وتناقضاتها.”
واستدرك “لكن نستطيع أن نقول أنه التقاء ميداني فقط متعلق بقضايا الحقوق والحريات”، مستبعدا أي “إمكانية لتوحد قوى المعارضة في الوقت الحالي، حيث مازال هذا الأمل بعيد المنال”، وأن “هدف هذه القوى هو الضغط لأجل إصغاء السلطة لمطالبها المتمثلة في حماية ترسانة الحريات بالبلاد.”
بدوره، أوضح حسني الحمودي، عضو اللجنة المركزية لحزب العمال في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “المعارضة التونسية بشتى تفريعاتها تناضل اليوم لا فقط للإفراج على القاضي السابق والمحامي أحمد صواب، بل من أجل التراجع على كل الأحكام الجائرة التي طالت عدد كبير من المناضلين مثل الأستاذ غازي الشواشي، والأستاذ عصام الشابي وغيرهم في ما يعرف بقضية التآمر.”
ورأى أن “تونس اليوم تعيش واقعا متعفنا في جل المجالات”، وأنه “على كل القوى المعارضة منذ ما قبل 25 جويلية أن تدفع بكل طاقتها من أجل الإطاحة بنظام الشعبوية، والتقدم بالمجتمع التونسي وإرساء نظام جديد بعيدا ونقيضا لكل الرجعيات التي حكمت تونس لعشرات السنين.”
وتراهن المعارضة على التحركات الاحتجاجية لأجل حشد الشارع ضد السلطة خاصة مع استمرار مناخ التضييق واستهداف الخصوم استنادا للمرسوم 54.
وتندد المعارضة بمضي السلطة في نهجها الفردي في إدارة الأوضاع دون تشريك بقية المكونات السياسية والمدنية، وفق إجماع بأن الرئيس سعيد لا يعترف بدور الأجسام الوسيطة ضمن مشروعه السياسي ورؤيته للحكم.
ويلفت حسام الحامي، المنسق العام لائتلاف صمود، في حديثه مع “أفريقيا برس” أنه “لا يوجد أي حق مكتسب دون ضغط، فالحقوق تفتك ولا تعطى، ومن المفيد الضغط بطريقة مبدئية ودون حسابات سياسية، ومطالبنا اليوم هو إطلاق سراح أحمد صواب وبقية المساجين السياسيين وسجناء الرأي.”
وأضاف بالقول “ضغطنا متواصل وليس المهم متى ستستجيب السلطة، المهم أن نواصل الضغط حتى تقع الاستجابة لهذه المطالب، والمهم أننا ندافع عنها دون حسابات سياسية.”
وشكل عيد العمال فرصة للاطلاع على موقف اتحاد الشغل، من المستجدات الأخيرة، وقد بات جليا مدى تراجع دور الاتحاد وتأثيره في المشهد من انطلاق مسار 25 جويلية.
وبعد أن تصدر اتحاد الشغل طيلة عشرية كاملة ( 2011-2021) المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد حتى أنه تدخل في تشكيل الحكومات، إلا أن الرئيس سعيد اعتبر أن دوره في المشهد الجديد هو دور نقابي فقط، حيث وقع التخلي عنه كوسيط مع الحكومات ومؤسسات الدولة.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، قوله “كان أملنا أن تنكب كل الجهود على معالجة المسائل الاقتصادية والاجتماعية، لكن استمرّت سياسة التفرد بالرأي والقرار.”
ودعا في كلمة له بمناسبة عيد العمال، إلى”فتح المفاوضات الاجتماعية في أقرب الآجال حفاظا على الاستقرار الاجتماعي وصونا لحقوق العمال”، قائلا إن “هذه المفاوضات حق وليست منة من أحد.” وفق تعبيره.
وتعتقد المعارضة أن مازال للاتحاد ثقل في المشهد رغم ما تعرض له من تضييقات من قبل السلطة ورغم تصدع بيته الداخلي، حيث يمثل موقفه الداعم لملف الحريات عامل قوة ومن شانه أن يزيد الضغوط على السلطة.
ويقول الحامي لـ”أفريقيا برس” في كل وقت كان لاتحاد الشغل دور وطني في مسائل الحقوق والحريات، واليوم يعد من أكثر الأطراف المتضررة في هذه المسألة، وقد رأينا نقابيين في السجون وآخرين ملاحقين قضائيا، وتضييقات على العمل النقابي وصعوبات في التحاور مع الطرف الحكومي.”
وأردف “مع ذلك يواصل اتحاد الشغل لعب دوره الوطني ودعم قضايا الحقوق والحريات. وهذا ما نراه إيجابيا حتى نصل لأهدافنا المشتركة المتمثلة في دولة القانون والديمقراطية، بالإضافة إلى هدفنا في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين.”
وعكست المسيرات المتباينة في شارع الثورة حجم الانقسام في الشارع التونسي، مع ذلك يستبعد محللون أي تغيير قد يطرأ على المشهد بسبب ضعف المعارضة وافتقادها البدائل والبرامج، إضافة إلى حفاظ الرئيس سعيد على قاعدة شعبية مهمة رغم الانتقادات.
ويستنتج المحلل السياسي خالد كرونة في حديثه مع”أفريقيا برس” أن “الانقسام ليس أمرا طارئا أو مستجدا، وليس ذلك في تقديري أمارة تحول في المشهد السياسي تبعا لثبات موازين القوى حاليا لصالح السلطة، في حين انكفأت المعارضة لما انحصرت انشغالاتها فقط بالعناوين الحقوقية وما يتصل بحيثيات الملاحقات القضائية، دون رؤية مخالفة للنظام فيما يتصل بالسياسات الاقتصادية والإجراءات الاجتماعية والمواقف الدبلوماسية”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس