حوار آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أبدى القيادي البارز بحزب الوطد الموحد أيمن العلوي في حواره مع “أفريقيا برس” عن أمل وسعي الحزب أعقاب مؤتمره الأخير إلى توحيد نضالات القوى اليسارية في تونس بتنوعها لأجل قلب موازين القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية لصالح مصالح الشعب الذي يعاني غالبيته من التهميش والبطالة والفقر.
وأشار العلوي أن حزب المنتمي لصف المعارضة لا يمكنه أن يلتقي مع حركة النهضة التي تقود بدورها جبهة الخلاص المعارضة تحت أي أرضية سياسية كانت، لافتا أن الحزب يقارع ويصارع النهضة سياسيا ونضاليا كما بقية خصومه السياسيين وهو صراع على مستوى المشاريع بالأساس، حسب وصفه.
ذكرت مؤخرا أن مسألة توحيد اليسار ستكون على رأس أعمال المؤتمر الثاني لحزب الوطد، هل حان الوقت للقيام بنقد ذاتي ومراجعة؟
للتدقيق فقد تداولنا في مؤتمرنا مسألة توحيد النضالات الشعبية التونسية المتفرقة لفئات عديدة منها قوى سياسية يسارية تنتمي للعائلة اليسارية الجذرية المحافظة على الخط السياسي لليسار المناهض للسلطة القائمة في تونس ولخياراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن المسألة لم تعد تختصر على ذلك، هناك نضالات متعددة في الحقل النسوي في الحقل النقابي، في حقل المعطلين عن العمل في حقل الفقراء، لدى العمال الكادحين وفي الفئات المهمشة وفي الجماهير الرياضية والأحياء الشعبية.. يعني هناك تنوعا للنضال في غالبية الفئات الاجتماعية المفقرة في تونس، المؤتمر تداول بالتحديد في كيفية استنهاض هذه الحركة وجعلها حركة منظمة تعبر على مصالح غالبية التونسيين والتي يقابلها في الحقيقة طبقات عائلية ومالية متحكمة في اقتصاد البلاد متشابكة المصالح متحالفة مع كبار بيروقراطي الدولة، هذه الفئة المنظمة أكثر نريد أن تقابلها غالبية مصالح التونسيين لتكون أكثر تنظما وفعل في الواقع.
برأيك هل ستنجحون في توحيد اليسار رغم الانقسامات العميقة؟
طبعا نحن طرحنا على عاتقنا مهمة توحيد هذه النضالات وهي في الواقع ذات عمق يساري من الناحية الاجتماعية والتقدمية، لأنه أصبح مفهوم اليسار بالنسبة لنا فيه كثير من الميوعة، وكثير من المنتسبين إلى اليسار اليوم يساندون بشكل مفضوح خيارات لا علاقة لها باليسار ولا بالإشكاليات الاجتماعية الكبرى، ما سيكون عليه الفرز هو الموقف السياسي والخيار السياسي والتموقع الاجتماعي.
هل حزب الوطد مستعد لترميم تصدع اليسار بمعالجة انشقاقاته وخلافاته أولا خاصة أنها تؤثر سلبا على صورة الحزب شعبيا ومكانته السياسية؟
مسألة وحدة اليسار قبل طرحها علينا قبل ذلك طرح هذا السؤال: هل هي وحدة أفراد أو وحدة مجموعات هل هي عملية تجميعية؟.. في السياسة العملية التجمعية ليست الوحدة، العملية هي التي تقوم بالأساس على توحيد أكثر ما يمكن من الحركة المناضلة وتوحيد أكثر ما يمكن من النضالات والتنظيمات التي تلتقي على حدود وبرامج واضحة ومنسجمة، لا يمكن أن تكون هناك وحدة مع أفراد ومع أشخاص وصلوا إلى حالة تناقض.. هذه هي المسألة اليوم.
بالنسبة لصورة الوطد وتأثير الخلافات عليها: الوطد ليست لديه خلافات من باب هامشي أو من باب طارئ أو مستحدث، هذه الخلافات تعمقت شيئا فشيئا عبر الزمن وهي خلافات تمس جوهر الموقف السياسي وجوهر النظرة للمجتمع والسياسة والانحيازات التاريخية لهذا التنظيم، وتم إدارة هذه الخلافات بشكل جيد داخل الحزب حين كان من الممكن إدارتها، ثم وصل الأمر حد التناقض فانفجر هذا الخلاف بوضوح وصار الانقسام.
رئيس الحزب الاشتراكي محمد الكيلاني قال أن اليسار التونسي عاجز عن الإقرار بفشله ولا يملك جرأة المراجعة ولا يملك مشروع لتونس، هل أنت مع هذا التوصيف؟
مع احترامنا وتقديرنا لمحمد الكيلاني، نحن خلال البيان الختامي لمؤتمرنا عبرنا بوضوح على أن حزب الوطد يتحمل جزءا من مسؤولية هذا الوضع الذي وصلت إليه القوى الجذرية والثورية والتقدمية في تونس، وقد قمنا بالنقد اللازم لسلسلة الإخفاقات وسلسلة الأخطاء وسوء التقديرات السياسية والنظامية، وبروز هذا النقد على مستوى الأفعال والممارسة هذا ما ستحدده الممارسة والتاريخ.
قلتم أن الوطد مستعد لكلّ التنازلات المبدئية والحقيقية من أجل يسار فاعل وناجع، هل يمكن أن يكون إلى جانب حركة النهضة، ضمن خطة طريق مشتركة؟
لا يمكن المزايدة على حزب الوطد وقياداته في مقارعته والتصدي لحركة النهضة خاصة في اللحظات التي كانوا فيها قلة قليلة من واجهوا سطوة النهضة وسطوة الإخوان المسلمين عندما أعطي في فترة ما الضوء الأخضر على مستوى الامبريالي العالمي وعلى مستوى قوى الهيمنة والاستعمار لإخوان المسلمين لإنفاذ مشروعهم في الوطن العربي ولتشتيته من المحيط إلى الخليج.. نحن قارعنا ذلك الحكم بوجوه مكشوفة بمظاهرات بمناضلينا في كل مكان وتوج ذلك بتقديم الأمين العام الشهيد شكري بلعيد شهيدا في هذا السياق.
نحن نرى حركة النهضة وحركة الإخوان المسلمين كمشروع سياسي لديه أجندة اقتصادية واجتماعية نيوليبيرالية، لديه مشروع مجتمعي رجعي قاومناه ومازلنا في ذلك الاتجاه ونعتبر مشروعها أمس واليوم غدا هو مشروع متناقض تماما معه ولا يمكن الالتقاء تحت أرضية سياسية وبأي شكل من الأشكال مع الإخوان المسلمين وتفريعاتهم في أي وقت كان.
وللتوضيح نحن لم نتحدث عن تقديم تنازلات فصراعنا هو رفضا لتقديم أي تنازلات فيما يخص موقفنا السياسي وفي استقلالية موقفنا، نحن تحدثنا عن بذل الجهد والعطاء اللازمين، أي جهدنا الفكري والتنظيمي والنضالي والاجتماعي والسياسي وذلك حتى يبني ويعدل موازين القوى في تونس ، ونؤكد أن موازين القوى المنفلتة والمنقلبة ليس بين شخص اسمه رئيس الجمهورية والأحزاب سياسية بل هي موازين قوى في عمقها اجتماعي بين طبقة برجوازية وعائلية متحالفة مع كبار بيروقراطي الدولة تهيمن على مصالح الشعب التونسي وترهن سيادته وتلحق اقتصاده وثروته بهذه المافيات وبهيمنة الرأسمالية العالمية مقابل غالية مصالح التونسيين من فقراء وطلبة وعمال وغيرهم، وأيضا من أصحاب مؤسسات صغرى ومتوسطة من غالبية هذه المصالح، التي لا تجد من يعبر عنها اليوم لبناء نهوض اجتماعي واقتصادي في تونس.
هل أنتم مع حذف حركة النهضة من الحياة السياسية؟
نحن تنظيم بعيد كل البعد على المقاربات الفاشية والاستئصالية ولا نعتقد أن هناك مشروعا سياسيا أو فكرة يمكن أن تنسى بإلغاء الأفراد وبالمقاربات الدموية والاستئصالية، نحن وكما سبق وأن ذكرت صارعنا ونصارع حركة النهضة وغيرها من خصومنا السياسيين صراعا سياسيا ونضاليا، وهو صراع على مستوى المشاريع وضرب أفكارهم الرجعية والمتخلفة في وجودهم المادي في المجتمع.
إن حركة النهضة وسطوتها وتعبيراتها موجودة في تعليم متخلف في اقتصاد متخلف في فلاحة متخلفة في ثقافة متخلفة.. وبغياب تنظيم اسمه حركة النهضة لن يلغي وجود تنظيمات أكثر تخلفا وأكثر رجعية من أن تبرز في المجتمع. الحل الحقيقي في نضال وصراع من أجل التطوير والتقدم ومن أجل بناء هذا المجتمع الذي مازال يعاني من التخلف.
هل أسباب الخلافات داخل أحزاب اليسار تعود لتجربة الجبهة الشعبية أم الموقف من 25 جويلية عمق أكثر هذه الخلافات؟
طبعا كل لحظة تاريخية وكل منعرج سياسي في تاريخ تونس يكون فيه خلافات داخل التنظيمات السياسية، وعلى كل، الفعل السياسي كما هو الفعل في الحاضر هو فعل في التاريخ وكل طرف سيتحمل مسؤولية مواقفه أمام التاريخ وأمام حاضره. ولا أعتقد أن هذه الخلافات بسبب تداعيات تجربة جبهة الشعبية لان خلافاتها وسياقاتها أبعد من مسألة 25 جويلية.
أما 25 جويلية هي لحظة مع تقدم المسارات فيها أحدثت اختلافات في وجهات النظر في قراءة الواقع، ولا أعتقد أن الفرز فيه نهائي بشكل حاسم لأن الأحداث السياسية في تونس مازلت حبلى بالمفاجآت.
هل تعتقد أن الأيديولوجيا سبب تعثر اليسار السياسي وعجزه عن تحقيق قاعدة شعبية واسعة؟
نحن لدينا موقف فكري من هذه المسألة: القول بانتهاء الأيديولوجيا هو في حد ذاته أيديولوجيا تروجها الدوائر النيوليبرالية في العالم، وهو قول يتضمن انتصار أيديولوجيا وحيدة وهي انتصار الرأسمالية وانتصار المشروع الامبريالي الصهيوني في الوطن العربي..نحن مازال لدينا مقاربة فكرية متماسكة وديناميكية لديها وجهة نظر من المجتمع ومن السلطة ومن ماضي وحاضر ومستقبل تونس والوطن العربي والعالم ككل. وما إذا كانت قادرة على تقديم حلول أو لا.. فانا لا أعتقد أن هذا السؤال سليم لأن هذه المقاربة لم تصل إلى السلطة حتى تطرح حلولها وفشلها من عدمه، من يحاسب على الحلول وفشل مقارباته الفكرية والتنظيمية هي كل الأحزاب التي تداولت على الحكم في تونس وفي مقدمتها حركة النهضة.
أين تتموقعون اليوم سياسيا، هل أنتم في المعارضة أم مع مسار 25 جويلية؟
نحن حزب في المعارضة…
كيف تقيم تجربة المعارضة بعد 25 جويلية وهل تمتلك برنامجا بديلا بوسعه أن يقنع الشارع؟
نحن نميز بين المعارضات اليوم في تونس، نحن نعتقد أن هناك المعارضة الوطنية والشعبية التي لا تلتفت ولا تراهن إلا على ديناميكية الشعب التونسي وعلى نضالاته النقابية والسياسية والاجتماعية والشعبية، ونحن نعتقد كسائر الوطن العربي هناك طغمى من المعارضة المرتبطة عضويا بالدولة وأجهزتها وترتبط بأجنداتها الأجنبية ومراهنتها الرئيسية والأساسية على الأجنبي الاستعماري وعلى أجهزة الاستخبارات وعلى عملية تنصيبها بشكل فوقي لاسترداد مصالحها ومغانمها في السلطة، لا لأجل إحداث تقدم بمصالح الشعب التونسي، نحن نعنقد أننا في فرز وتمايز وتناقض تام مع هكذا أنواع من المعارضات ..
كما لا أعتقد أن هذا النوع من المعارضة يملك برنامجا وتحديدا التي تقودها حركة النهضة التي كانت بالأمس القريب على رأس سدة الحكم وتصول في البلد وأجهزة الدولة، لكن لم تقدم إلا الكوارث السياسية والأمنية والإستراتيجية لمصالح تونس.
أما عن المخرج لأزمة البلد كما سلف وذكرت، يتمثل في قلب موازين القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية لصالح مصالح الشعب التونسي التي يعيش فئات كبيرة منه التهميش، وبالمراهنة على تثوير غالبية التونسيين وتنظمهم من أجل بناء مشروعهم الاقتصادي والسياسي والوطني بشكل مستقل عن إرادة الهيمنة الخارجية وبشكل مستقل عن هيمنة اللصوص التاريخيين لتونس والطبقات والعائلات المتنفذة على اقتصادها وبلادها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس