إضراب قطاع النقل: اتحاد الشغل يختبر وزنه في الشارع

2
إضراب قطاع النقل: اتحاد الشغل يختبر وزنه في الشارع
إضراب قطاع النقل: اتحاد الشغل يختبر وزنه في الشارع

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. تعود منتصف ليل السبت حركة النقل بين المدن بشكل عادي في تونس بعد شلل تام دام لمدة ثلاثة أيام (30 يوليو – 1 أغسطس 2025) على خلفية إضراب شامل في قطاع النقل البري دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل وأثار جدلا حول توقيته وتداعياته.

الإضراب، الذي شلّ حركة التنقل في ذروة الموسم الصيفي، ووصفه الاتحاد وجامعة النقل بأنه كان “نجاحا”، اعتُبر من قبل البعض تحركا نقابيا مشروعا للضغط من أجل تحسين أوضاع القطاع المتدهورة، بينما رآه آخرون خطوة غير مسؤولة زادت من معاناة المواطنين وأضرت بالاقتصاد.

الناشط المدني والسياسي حسام السايبي دعم الإضراب واعتبره ضروريا لحماية المرفق العمومي، بينما وصفه المحلل السياسي الدالي البراهمي بأنه “ابتزاز جماعي” يعمّق أزمة الثقة مع المواطن. وبين التأييد الشعبي الجزئي والسخط العام، يجد الاتحاد نفسه أمام معادلة صعبة: المطالبة بالإصلاح دون خسارة التأييد الشعبي.

ويقول حسام السايبي لـ”أفريقيا برس”، إن “قطاع النقل في تونس مثل أغلب القطاعات العمومية يعيش في أزمة هيكلية وغير قادر على التطور بسبب أزمة من نتاج منظومة الحكم منذ سنوات”، مضيفا أن “هذا القطاع مهم جدا اقتصاديا ونقابيا. ووضعه يؤثّر جدا على المواطن والاقتصاد”.

في المقابل، يرى المحلل السياسي التونسي الدالي البراهمي أن “إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل عن إضراب عام في قطاع النقل العمومي على كامل تراب الجمهورية لمدة ثلاثة أيام يعكس مرة أخرى لجوء المنظمة إلى سلاح الشلل الاقتصادي والاجتماعي دون حساب كلفة ذلك على الشعب”.

ويقول البراهمي لـ”أفريقيا برس”: “قرارا كهذا لا يضغط على الحكومة بقدر ما يرهق المواطن البسيط الذي يعتمد على النقل العمومي في عمله ومعيشته اليومية ويهدّد استقرار قطاعات حيوية ويعطل الدورة الاقتصادية بالكامل. بدل أن يكون الاتحاد قوة اقتراح وإصلاح يتحول الإضراب الشامل إلى أداة ابتزاز جماعي تضرب المرفق العمومي في العمق وتزيد من فقدان الثقة بين المواطن والهياكل النقابية”.

جاء إضراب النقل في تونس ليكشف هشاشة البنية التحتية للقطاع العمومي، ويعيد تسليط الضوء على أزمة ثقة متنامية بين المواطن والنقابات. فبين مشروعية المطالب التي ينادي بها أعوان النقل، واستياء الشارع من توقيت الشلل التام، يجد الاتحاد العام التونسي للشغل نفسه في مفترق طرق صعب.

ويعاني قطاع النقل في تونس من تراجع كبير في مستوى الخدمات وتدهور ظروف العمل خاصة في ظل الحرارة القاسية دون تجهيزات ملائمة وغياب أدنى معايير السلامة المهنية.

ويرى متابعون أن دور الاتحاد ضروري في هذا السياق خاصة وأن الحكومة لم تبد أية تحرّك لتحسين الأوضاع، وحتى الحافلات التي يتم شراءها في كل مرة لتطوير الأسطول هي حافلات مستعملة سرعان ما يلحقها الإهمال.

تزامن هذا الإضراب، الذي وصفه المسؤول النقابي صلاح الدين السالمي بأنه “ناجح بنسبة 100%”، مع فترة حساسة، حيث تشهد البلاد ذروة تنقل بين المدن بسبب العطلة الصيفية وعودة التونسيين المقيمين بالخارج، مما تسبب في اضطرابات واسعة وزاد من معاناة المسافرين الذي يشتكون أصلا من سوء خدمات النقل.

وتقول زهرة، التي قدمت من مدينة توزر للعلاج وكانت تريد العودة إلى منزلها في المدينة التي تبعد 500 كم على العاصمة تونس، لكنها فوجئت بالإضراب: “لم أكن أعلم بالإضراب… بعد أن أنهيت العلاج، قصدت المحطة لكن وجدت الحافلات متوقفة عن العمل والناس محتارة”. وأضافت بغضب: “المسافة لمدينتي طويلة، وليس هناك بديل”.

“الناس وقتهم مضبوط بالدقيقة، أخذوا إجازات بعد تعب ليعودوا إلى عائلاتهم ومدنهم، عندهم مواعيد وأعراس والتزامات صحية، وكان بالإمكان تفادي هذا الإضراب في هذا الوقت الحرج”، يقول كريم، موظف خمسيني وجد نفسه عالقا في محطة باب عليوة للنقل نحو الخطوط الجنوبية.

ورصد “أفريقيا برس” تعليقات متكررة في الشارع وعلى منصات التواصل الاجتماعي، تتهم الاتحاد بـ”الاستهتار بمصالح الناس” و”الاستقواء بالشارع في وقت غير مناسب”، في المقابل هناك من التونسيين من أيّد هذا التحرّك باعتبار أنه يصب في مصلحة المواطن الذي “يعاني الأمرّين من سوء الخدمات في قطاع النقل”، على حد تعبير حبيب بن محمّد.

ويضيف حبيب، الذي كان في زيارة خاطفة للعاصمة ليوم واحد لكنه اضطر لتأجيل عودته: “قد لا يكون التوقيت في محله، خاصة أن الاضراب دام ثلاثة أيام وهي طويلة نسبيا، لكن ظروف النقل سيئة جدا وهذا دور النقابات والاتحاد ويجب أن يعود للنشاط”.

واعتذر الاتحاد للمواطنين عمّا قد يلحقهم من تأثيرات نتيجة الإضراب، موضحا أن السبب يكمن في غياب الجدية والتعنت من الطرف الحكومي خلال التفاوض. وقال السالمي: “إن شركات النقل ليست سيارات إسعاف لكي يتم إجبارها على العمل عبر التسخير. وأضاف أن غياب الجدية في المفاوضات هو ما دفع النقابة إلى هذا القرار”.

وأشاد الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري في تدوينة على فايسبوك، بالإضراب باعتباره “شكلا من الحوار القانوني عندما يستهتر الطرف الآخر بالمطالب المشروعة.. تحية إكبار إلى عمال وأعوان النقل على صمودهم ووحدهم ونضاليتهم”.

لكن الدالي البراهمي يرى أنه “في ظرف اقتصادي هش مثل هذه التحركات العشوائية قد تُقرأ كصراع نفوذ أكثر من كونها دفاعاً عن حقوق الشغالين”، في المقابل يرى حسام السايبي أن “هذا الإضراب مهمّ حتى يتمكن أبناء القطاع من فرض مطالبهم المشروعة، والتي أهمها تغيير أو أصلاح الأسطول غير الصالح وأيضا على تحسين الحقوق الاجتماعية، وأيضا حتى لا يتم التفريط في هذا القطاع للخوصصة”.

أبرز الإضراب عمق أزمة النقل العمومي في تونس، وفتح مجددا النقاش حول دور الاتحاد كقوة ضغط وإصلاح، وحدود تحرّكاته في ظل فترة دقيقة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. إذ تتطلب المرحلة وعيا مضاعفا بتبعات التحركات الاجتماعية، وحرصا أكبر على التوفيق بين الدفاع عن الحقوق المشروعة وضمان استمرارية الخدمات الأساسية. هذا التحرك لم يكن مجرد إضراب مهني، بل مؤشرا على الحاجة إلى إصلاحات جذرية وشراكة فعلية بين كل الأطراف الفاعلة للخروج من دوامة الأزمات المتكررة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here