أفريقيا برس – تونس. تدفع حملة الإيقافات والاعتقالات الأخيرة التي طالت أبرز قيادات ووجوه المعارضة التونسية، إلى التساؤل بشأن تـداعيات غياب قيادات الصف الأول على تموقع المعارضة في المشهد السياسي، إن كان سيضعف حضورها باعتبار ثقل هذه الشخصيات وشعبيتها ودورها في توجيه أحزابها، أم على العكس سيقوي هذا الغياب المعارضة أكثر حيث سيزيد من نضالها، ما سيمنحها تعاطفا وزخما شعبيا.
وعلى رغم ما شكله اعتقال راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية التي قضت محكمة تونسية مؤخرا بسجنه عاما وبغرامة مالية قدرها ألف دينار (حوالي 300 يورو)، من ضربة للحركة التي تعاني انقساما في صفوفها وتراجع في شعبيتها، إلا أن قياداتها تؤكد على تماسكها واستمرارها في مواجهة ومقاومة مشروع السلطة بشكل علني رغم التوقعات بالعودة لنشاطها السري بسبب ما تواجهه من ضغوط وملاحقات.
ويلفت سياسيون ومحللون أن تضييق الخناق على المعارضة باستهدافها بحملة إيقافات واعتقالات لا يضر المعارضة فقط بل المشهد السياسي ككل، حيث تواصل الرئاسة معركتها السياسية عبر تصفية الحسابات مع خصومها، في حين تصرف نظرها عن أزمة البلاد الحقيقة وهي اقتصادية بالأساس.

ويشير الناشط السياسي والنائب السابق مصطفى بن أحمد في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن” الاعتقالات بصفة عامة حين تدخل للمشهد لا تضعف المعارضة بل الحياة السياسية ككل..تضعف السلطة كما تضعف المعارضة لأنها خرجت عن نطاق الدور الطبيعي للسياسة”.
ويتابع بالقول: “عوضا أن نتجادل ونتنافس على التصورات وعلى الحلول وعلى المشاكل تحول النقاش على الأدلة وعلى المحاكم وعلى تقديرات القضاء لذلك لا أعتقد أن المحاكمات والاعتقالات تخدم المشهد السياسي بصفة عامة”.
وأردف بالقول:”المعارضة رغم هناتها ومشاكلها وإن كنا نتفق معها أو لا من الناحية المبدئية والأساسية نحن ضد معالجة الأوضاع بالمحاكمات هذه مسألة مبدئية بل في ظل إطارها السياسي”.
المواجهة مستمرة
وبموازاة حركة النهضة، تؤكد أحزاب معارضة أخرى التي تقبع أبرز قياداتها في السجون مثل زعيم الحزب الجمهوري عصام الشابي وغازي الشواشي الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي على استمرارها في النضال وعدم إذعانها لأساليب السلطة القعمية والتصعيدية.
وبالفعل تتحرك الأحزاب المعارضة بشكل لافت في الآونة الأخيرة عبر النجاح في مؤتمراتها مثل حزب التيار الديمقراطي الذي عقد مؤتمره في نهاية أفريل/أبريل الماضي ووقع الإشادة بمخارجه وتقييمه الجريء لأدائه في السنوات الأخيرة.
كما تعمل أحزاب أخرى من العائلة الديمقراطية مثل حزب المسار وأخرى يسارية مثل الحزب الاشتراكي على صياغة مبادرات تطرح حلولا جدية لأزمات البلاد، لكن تهدف قبل كل شيء إلى توحيد صفوف المعارضة ولم شتاتها.
وإن كانت عملية التوحيد تشكل تحديا بسبب الاختلافات الفكرية بين أحزاب المعارضة التونسية، إلا أن جميعها تؤكد استمرارها في مواجهة السلطة التي نجحت في فرض مشروعها فيما وقع تهميش الأحزاب والأطراف التي رفضت أن تواليها.
وتبحث المعارضة عن خيارات جديدة بهدف إعادة التموقع، وبخسارتها لقيادات بارزة بسبب السجن والاعتقال ترى في المقابل في قياداتها الشابة وفي خططها لتشبيب هياكلها سلاحها الجديد في هذه المرحلة. وقد اعتبر متابعون أن اعتقال القيادات الوازنة سمح بظهور جيل جديد من القيادات لم يسمح له بالبروز في السابق، حيث منحت له الفرصة اليوم على طبق من ذهب بسبب املاءات الواقع، وعليه حسن استغلالها لإرضاء طموحه السياسي من جهة، وتعزيز حضور أحزابهم في المشهد من جهة ثانية.
وتراهن المعارضة على كسب تعاطف الشارع واستعادة قاعدتها الشعبية، وتوظف في ذلك ورقة الحريات وهي خياراتها المتبقية للضغط على السلطة بهدف تعديل سياستها في حقها والتراجع عن نهج الفردية والإقصاء.
وبالرغم من أن اعتقال قيادات وازنة مثل الغنوشي يخلط أوراق أكبر جبهة معارضة في تونس وهي جبهة الخلاص الوطني، إلا أنه هناك إجماع في صفوف المعارضة على رفضهم المحاكمات السياسية استنادا للمرسوم 54 بهدف تصفية الخصوم بالأساس، وليس بسبب الحرص على عملية المحاسبة المنشودة.
ويشكل الملف الحقوقي نقطة التقاء المعارضة رغم اختلافها، ما يمنحها فرصة للتوحد ويقوي حضورها مستعينة بدعم المنظمات الحقوقية والمدنية وطيف واسع من الشارع المستاء من تردي وضعه المعيشي بعد فقدان المواد الأساسية وارتفاع مخيف للبطالة وتواصل ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
ويتوقع متابعون أن تلجأ المعارضة إلى خيار الشارع وورقة الاحتجاجات في حال استمرت السلطة في عملية الإقصاء، ويعد الشارع ورقة ضغط قوية يستخدمها بشكل خاص الاتحاد الوطني للشغل الذي تشهد علاقته بالرئاسة فتورا وتذبذبا، فيما يقف في صف الأحزاب الرافضة لسياسة الحكم الفردي، ما يعني أن توتر العلاقة بين الاتحاد والرئاسة ينصب في صالح المعارضة بالأساس.
خيارات محدودة
مع ذلك يرى محللون أن الخيارات أمام المعارضة بعد حملة الاعتقالات الأخيرة محدودة وذلك بسبب افتقادها إلى دعم شعبي حقيقي، في حين يلتف الشارع حول خطوات الرئاسة ويراها صائبة في حق طبقة سياسية عجزت عن إدارة البلاد طيلة عقد من الزمن.
ويبين المحلل السياسي منذر ثابت في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن” الموضوع متعلق بالسياق العام فحين قمعت المعارضة في عهود سابقة كان النظام قد اتخذ شكلا استبداديا يعني كان هناك تمثلا شعبيا ايجابيا لصالح المعارضة حينها. ”

ويشرح ثابت ” الأمر يتعلق بالسياق العام لتشكل الوعي الجمعي.. هناك وعي جمعي أو حالة من حالات الوعي الجمعي الداعم للمعارضة على أساس أنها حاملة لمشروع الحرية والديمقراطية وهذا وضع حين تقمع فيه المعارضة تسجل مكاسب هامة في مستوى الرأس المال الرمزي أي في مستوى الرصيد الشعبي.. فالمعارضات متى قمعت في سياق المطالبة بالديمقراطية تكون بالطبع عملية القمع لصالح المعارضة. ”
مستدركا: “لكن في السياق الحالي الأمر يختلف لأنه ثمة اتفاق بأنه هناك حالة ديمقراطية بعد سنة 2011 و تواصلت وفي شكلها المشوه إلى حدود 25 جويلية 2021 يعني في مستوى الوعي الشعبي هناك تجربة ديمقراطية مشوهة دفعت الرأي العام إلى الحسم في النخبة، النخبة المثقفة الديمقراطية الليبرالية التقدمية في تداخلها وتحالفاتها مع التيارات اليسارية والإسلامية وهو تحالف موضوعي فرض على الساحة. ”
وتابع” في هذا السياق الأمر مختلف بعد خسارة المعارضة قيادات بارزة فباتت هذه التنظيمات في حالة شلل ومحدودية تحرك، وأعتقد أن هذا لا يخدم المعارضة في هذا الظرف التي تمر به خاصة أن السياق بعيد كل البعد عن المطلب الديمقراطي بل منشغل أكثر بالنظام والانضباط و أولا وقبل كل شيء منشغل بالجانب الاجتماعي والاقتصادي الذي تم إهماله خلال العشرية الأخيرة. ”
وخلص ثابت بالقول: في مدى المنظور لن تستفيد المعارضة من إيقاف قياداتها وتفكيك تنظيماتها، لكن على المدى البعيد يمكن أن تستثمر هذا متى تغيرت السردية العامة للوعي الجمعي، حاليا الوعي الجمعي في سياق سردية الحسم في النخب السياسية المحترفة ذات العلاقة بمنظومة حقوق الإنسان ومنظومة التعددية والديمقراطية في معناها الكوني”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس