إلهام اليمامة
أفريقيا برس – تونس. وقّعت الجزائر والنمسا وألمانيا وإيطاليا وتونس إعلانا لتطوير ممر الهيدروجين الجنوبي. ويعتبر هذا المشروع خطة إستراتيجية للجزائر حيث سيربط هذا الممر مواقع الإنتاج في الجزائر بالاتحاد الأوروبي، وتونس بالنسبة للجزائر طرف محوري في هذا الخطة، وهو ما يفسّر حرصها على التدخّل سريعا لدعم تونس سياسيا واقتصاديا على غرار أزمة النقص في الغاز المنزلي الأخيرة.
وفق الدبلوماسي التونسي السابق، عبد الله العبيدي، “تريد الجزائر أن تبقى تونس مستقرة، هذا هدفها بالأساس”. ويقول العبيدي، في تصريح لـ”أفريقيا براس”، “استقرار تونس مهم للجزائر. هذا واقع، الجزائر سارعت لدعم تونس لأن حدود تونس مع الجزائر آمنة، فيما حدودها مع ليبيا غير مستقرة كذلك مع المغرب، لذلك تعلق الجزائر أهمية كبيرة على استقرار تونس وتدعم وتساهم في ذلك”.
ويقول المحلل السياسي التونسي منذر ثابت، في تصريح لـ”أفريقيا برس”: أن “الجزائر تعتبر أن قلب الموازنة في شمال أفريقيا يمرّ عبر التحالف القومي مع تونس وبالتالي هناك مصالح مشتركة لكن مازالت تحتاج إلى ترجمة اقتصادية فعلية”، خاصة وأن تونس تعتبر الطرف الأضعف فـ “الدعم” الجزائري أغلبه بمقابل، وكما أوضح الخبير في الجيولوجيا والطاقة غازي بن جميع أن “الغاز الذي تورّده تونس من الجزائر هو بالعملة الصعبة”، وهذا يثقل كاهل تونس، كما أن اتفاقيات التبادل الحرب مع الجزائر تحتاج إلى جدية أكبر في تطبيقها وتفعيلها على أرض الواقع.
مشروع استراتيجي
وصف فيليب نيمرمان، وزير الدولة للشؤون الاقتصادية وحماية المناخ في ألمانيا المشروع بأنه “أحد أكبر وأهم مشاريع الطاقة المتجددة في عصرنا”. ويمتدّ هذا الممر بطول 3500 إلى 4000 كيلومتر وسيقوم بنقل الهيدروجين من شمال إفريقيا إلى أوروبا عبر خطوط أنابيب الغاز المحولة.
ووفق وكالة آكي الايطالية، فإن هذا المشروع الاستراتيجي الذي يعرف اختصارا بـ (South H2) يربط مواقع الإنتاج في الجزائر بالاتحاد الأوروبي”. ونقلت الوكالة عن وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب التزام بلاده “بتطوير صناعة الهيدروجين الأخضر، انطلاقا من موقعها الجغرافي المتميز ومواردها الغنية من الطاقة الشمسية والريحية، وبنيتها التحتية المتقدمة في قطاع الطاقة”، بحسب وكالة الأنباء الجزائرية.
وشدد عرقاب على “أن الجزائر تسعى لتكون مركزا إقليميا لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره إلى أوروبا، بما يساهم في تنويع إمدادات الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية”، موضّحا أن “المشروع يمثل “فرصة إستراتيجية لتعزيز التكامل بمجال الطاقة بين الجزائر وأوروبا”.
ولتحقيق هذه القفزة النوعية في كدال تصدير الطاقة، تحتاج الجزائر إلى دعم تونس والتعاون معها في هذا السياق. وبالتالي تحتاج إلى أن تكون جارتها وحليفتها التاريخية مستقرة سياسيا بالأساس حتى تمضيا قدما في هذا المشروع. وهذا ما يفسّر وفق الخبراء إسراع الجزائر بإرسال شحنة ضخمة من الغاز إلى تونس، خلال أزمة النقص في الغاز المنزلي التي شهدتها البلاد مؤخّرا والتي تسبب في امتعاض شعبي كبيرا.
وعانى التونسيون من نقص كبير في الغاز المنزلي، في ذروة موجة البرد التي شهدتها تونس مؤخّرا، الأمر الذي أثار استياء وغضبا بين التونسيين خاصة من أهالي المناطق الداخلية، ضمن وضع يؤكّد خبراء أنه لا يحتمل أية تحرّك شعبي من أي نوع، وربما هذا ما دفع الجزائر إلى الإسراع إلى دعم جارتها.
ولم تمنع موجة البرد الشديد ولا الثلوج التي غرمت شوارع مدينة عين دراهم، ومدنا أخرى في الشمال الغربي لتونس، الأهالي من الوقوف في الطوابير أمام محلاّت التزوّد بقوارير الغاز المنزلي.. ولم يكن الأمر أفضل حالا في مناطق أخرى من البلاد وحتى في العاصمة تونس.
سندس العوني من بين هؤلاء الذين “ذاقوا الويل من أجل الحصول على قارورة غاز”، على حد تعبيرها في حديث مع “أفريقيا برس”. تقول سندس، وهي سيدة من العاصمة، وتملك مطعما وسط أحد الأحياء الشعبية،: “حالنا يكاد يقف بسبب النقص الكبير في الغاز، نعاني من أجل الحصول على قارورة واحدة. وصل الأمر بنا أن أقفلنا ليومين لأننا استهلكنا كل ما نملك من قوارير غاز، حتى القوارير الاحتياطية ولم نجد سبيلا لتعبئتها مجدّدا”.
وتواصل محدّثتنا غاضبة: “ليست المرة الأولى التي تعاني منها من هذا النقص، السنة الماضية وفي نفس الفترة أيضا واجهنا نفس المشكل، هذا دون الحديث عن الزيت والسكر وبقية المواد الرئيسية”.
وتستمرّ أزمة النقص في الغاز المنزلي حيث تخلو أغلب محطات البنزين وبيع الغاز من قوارير الغاز. وقد توقفنا عن أكثر من محطة نسأل عن متى تتوفر قوارير الغاز والإجابة في الغالب مبهمة فلا أحد يعرف سبب الفقدان ولا متى يعود التزود بهذه المادة الحيوية.
وكانت الجزائر سارعت إلى التدخل بأن قدّمت لتونس أكثر من 5000 طن من الغاز المنزلي، وفق بيان لوزارة الصناعة والمناجم والطاقة التونسية.
إبقاء تونس “تحت السيطرة”
تزامنت هذه الأزمة مع إحياء ذكرى 14 جانفي في تونس، التي مرّت بسلام. وباستثناء مظاهرات مرخص لها وتحت رقابة أمنية شديدة لم تسجل البلاد احتجاجات أو اضطرابات رغم أن الغضب الكامن في الشارع التونسي لم يعد خافيا جراء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتعطّل عديد المسارات الحيوية في البلاد.
وهذا الغضب يهدّد تونس، مثلما يهدّد الجزائر، سياسيا واقتصاديا. فخط أنابيب الغاز الذي يمر عبر تونس يشكل مصدرا رئيسيا للإيرادات في ميزانية الدولة الجزائرية الضخمة. والاعتماد المتزايد من جانب أوروبا على الغاز الجزائري يدفع إلى المزيد من العمل على استدامة الاستقرار في المنطقة، خاصة في تونس التي صارت تعتمد بشكل كبير على الجزائر وقد واجهت مؤخرا انتقادات بـ”التبعية”. لكن، الدبلوماسي التونسي عبد الله العبيدي، ينفي ذلك، مؤكدا في تصريحاته لـ”أفريقيا برس” أن “تونس لا يمكن أن تكون في تبعية لأي جهة وهي لا تحتاج إلى ذلك… تونس لا يمكن أن تكون في تبعية للجزائر أو حتى للدول العظمى”.
وتعتمد الجزائر بشكل كبير على تونس في نقل الغاز إلى أوروبا خاصة بعد غلق خط الأنابيب المغاربي الأوروبي، الذي يمتد من الجزائر إلى إسبانيا عبر المغرب، وأغلقته الجزائر في عام 2021. ويعتبر خط أنابيب ترانسميد، الذي يمتد من شرق الجزائر إلى إيطاليا عبر تونس محوريا بالنسبة للجزار من جهة وأوروبا من جهة أخرى.
لكن، هذا الخط، وفق جيف دي بورتر، المسؤول في شركة North Africa Risk Consulting، المتخصصة في المخاطر فوق الأرض في قطاع الطاقة في شمال إفريقيا، يمر عبر بعض أفقر المناطق وأكثرها تهميشا في تونس، وحيث الخطر الإرهابي يبقى قائما، من ذلك مدينة سبيطلة (وسط).
ويوضح تقرير الشركة المتخصصة في الأمن الطاقي أن خط ترانسميد يبدأ من أكبر مركز للغاز في الجزائر في حاسي الرمل، قبل أن يتجه مسافة 300 ميل شرقًا إلى الحدود الجزائرية التونسية. ولإيصال الغاز إلى البحر الأبيض المتوسط، وعبره، يتم تزويد خط الأنابيب بمحطات ضغط تعمل على ضغط الغاز حتى يتدفق عبر خط الأنابيب. بدون هذه المحطات يظل الغاز راكدا بلا فائدة. ولدى شركة ترانسميد تسع محطات ضغط، أربع منها في الجزائر وخمس في تونس.
تعاني المنطقة التي يمر عبرها أول خط أنابيب ترانسميد في تونس من معدلات فقر عالية. وتعلم الجزائر أن قدرتها على ضمان أمنها الطاقي والاجتماعي يعتمد على مبيعات النفط والغاز؛ وإذا تعطلت محطة ضغط ترانسميد في تونس، فإن حصة الأسد من مبيعات الغاز الجزائرية ستتوقف. وإذا توقفت هذه المبيعات فإن أمن الجزائر سيكون في خطر.
وعلى الضفة الأخرى، هناك إيطاليا، المستفيد الأول من تدفق الغاز عبر خط أنابيب ترانسميد. يشكل الغاز 55% من توليد الكهرباء في إيطاليا و81% من قدرة التدفئة المركبة. ويمر 40% من إجمالي احتياجات إيطاليا من الغاز عبر خط أنابيب ترانسميد. وببساطة، تحتاج إيطاليا إلى الغاز الجزائري وخط أنابيب ترانسميد للعمل بشكل موثوق.
وهنا تتفق كل من إيطاليا والجزائر على ضرورة إبقاء تونس “تحت السيطرة”، ومن شأن التعاون بين إيطاليا والجزائر أن يساعد على استقرار تونس، خاصة وأن البلدين يتفقان في وجهات النظر بشأن ليبيا.
سياسيا كما اقتصاديا، تحتاج الجزائر أن تضمن استقرار تونس. ووفق تصريحات منذر ثابت لـ”أفريقيا برس”، “على المستوى السياسي هناك تقارب في توجهات بين السلطة في قرطاج والسلطة في الجزائر على أساس إحياء سياسة عدم الانحياز ورفض التدخل الخارجي مع اختلاف الإمكانيات حيث تمتلك الجزائر سلاح الغاز والبترول فيما تمر تونس بصعوبات”.
ويضيف ثابت أن “المحرك في العلاقات بين البلدين هو التصدي للتدخل الخارجي، خاصة الاختراق التركي على الجبهة الليبية الذي يحصل الآن ومخاطر الساحل الأفريقي، يعني الهاجس الأمني والاستراتيجي هو محرك للعلاقات. والجزائر ليس من مصلحتها أن تكون تونس في وضع سيء خاصة في ظل علاقات المد والجزر مع المغرب، لذلك الجزائر تحتاج إلى تونس كعنصر أساسي لارتكازها في المنطقة”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس