الاحتراق الوظيفي.. ظاهرة منتشرة في دول الشرق الأوسط

1
الاحتراق الوظيفي.. ظاهرة منتشرة في دول الشرق الأوسط
الاحتراق الوظيفي.. ظاهرة منتشرة في دول الشرق الأوسط

أفريقيا برس – تونس. يعرف الاحتراق أو الإنهاك الوظيفي، على أنه نوع من القلق الذي يتعلق بالعمل، فهو حالة من الإجهاد البدني والنفسي، يتضمن الإحساس بالتراجع في الإنتاجية وضياع الهوية الشخصية.

واللافت أنه لا يمكن تشخيص “الضغط” من خلال الفحص الطبي. ويظن الخبراء أن الحالات المرضية الأخرى مثل: التوتر والاكتئاب هي المسؤولة عن الإعياء، بسبب عوامل محددة تتمثل بالصفات الشخصية والحياة العائلية، ويكون لها تأثير في استهداف الأفراد المعرضين للإصابة بالتعب الوظيفي، والذي يمكن أن يؤثر على الصحة البدنية والنفسية.

في هذا السياق، اعتبر المعالج النفسي هربرت فرودنيرجر، وهو أول من أجرى أبحاثا ودراسات عن هذا الأمر، أن “الاحتراق الوظيفي” أو “BURNOUT” يعني التكلفة المرتفعة للإنجاز العالي، وتتمثل في حدوث “تقلص” أو “اختفاء” للدافع أو الحافز الذي يحركنا في الحياة، أو يدفعنا للمضي في العمل وتحقيق التطور المهني، ويحدث الإنهاك بشكل خاص عندما تفشل جهود الفرد في الوصول إلى النتائج المرجوة.

مصطلحان متنابذان

يمكن التفريق بين الاحتراق النفسي والوظيفي من خلال الخصائص الثلاث التالية:

– أولا: ينشأ الاحتراق النفسي من مشقة العمل النفسية، جراء تضارب الأدوار وازدياد المهام وحجم العمل.

– ثانيا: يحصل الإنهاك لهؤلاء الذين يتبعون المثالية في أداء الأعمال، والاضطلاع بالمسؤوليات المهنية والوظيفية.

– ثالثا: يرتبط التعب عادة بالأعمال المترتبة على الفرد القيام بها، ويتعذر عليه تحقيقها.

الأعراض

في سياق متصل، ذكرت الاختصاصية النفسية غنوة يونس في بحث لها تم نشره في المجلة العربية للعلوم الإنسانية، أن “أعراض متلازمة الاحتراق النفسي جراء الإنهاك الوظيفي، تتمثل في فقدان القيمة والاكتئاب وكره العمل الذي يشغله الفرد، وقد يعاني الأخير من الضغط العصبي، بما في ذلك التعب والإنهاك وفقدان التركيز”.

وأضافت: “الاحتراق الوظيفي شائع بشكل كبير بين الأشخاص الذين يعملون في وظائف تتطلب مجهودا بدنيا ونفسيا مثل الخدمة العسكرية، أو وظائف بدوامات طويلة، وهذا يطال العاملين في المجالين الصحي والاجتماعي. أردفت: “يتعرض هؤلاء غالبا للاحتراق الوظيفي، وقد يتألمون من مشاكل تتعلق بالأرق والشعور بالتعب الدائم والارهاق وضيق النفس والتعرق. هذه التفاصيل مجتمعة قد تفضي إلى تراجع إنتاجيتهم”.

وتابعت: “أيضا من الأسباب المحتملة، التداخل بين أوقات العمل وفترة الراحة، فيشعر الموظف بأنه لا يستطيع الانتهاء من مهام عمله، وبأنه لا يمكنه التعامل مع ضغط الوقت، وهذا يكشف ان تفاقم هذه الاعراض يقود الى الإصابة بالاكتئاب، كما قد يصل الأمر في الحالات الأسوأ إلى حد التفكير بالانتحار”.

وأشارت يونس إلى أن “التفاوت القائم في الوقت الراهن لجهة قيمة رواتب الموظفين اللبنانيين على وجه التحديد، بحيث أن قسماً يحصل على الأجر بالفرش دولار، وبإمكان هذه الزمرة العيش برفاهية وتأمين الاحتياجات الضرورية وحتى الكمالية، في حين أن شريحة واسعة تتقاضى رواتبها بالليرة اللبنانية، وبالتالي لا يمكن لهذه الفئة تأمين المتطلبات الأساسية، الامر الذي يجعل هذه المجموعة تشعر باللاعدالة والإحباط والاكتئاب”.

لبنان في الصدارة

على خطٍ موازٍ، كشف تقرير صادر عن مجلة العلوم الإنسانية في جامعة ستوكهولم، تناول حالة العمل العالمية للعام 2025، وجاء لبنان في المرتبتين الثانية والثالثة (وفقا لعدة معايير) كأكثر بلد يكابد فيه الموظفون توترا يوميا وعصبية في مجال عملهم. واحتل المرتبة الثانية كأكثر بلد في منطقة الشرق الأوسط يعاني العاملون فيه، قلقا يوميا في نطاق الوظيفة. اما حالة الغضب اليومي في بيئة العمل لدى الموظفين فهي ثالث أعلى نسبة في المنطقة.

وارتكز التقرير على 3 مقاييس هي: مشاركة الموظفين، المشاعر السلبية اليومية وسوق العمل، وأشار “إلى أن تدني مستوى مشاركة الموظفين في عملهم، يؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد العالمي، حيث إنه يكلف 8.8 تريليونات دولار، أي ما يشكل 9% من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، وهو ما بيّن أن 44% من الموظفين المستطلَعِين يعانون توترات يومية في مجال عملهم، و21% هم في حالة غضب يومي، معتبرا هذه المستويات قياسية بالرغم من أن العالم قد تعافى من جائحة كورونا في العالم 2022.

وفي السياق، أظهر التقرير أن 53% من الموظفين في العام 2023 يبحثون عن وظائف على مسافة قريبة من أماكن سكنهم (مقارنة بـ 45% في العام 2021)، في حين ان 51% من الموظفين المستطلعين يفتشون عن وظيفة جديدة. وقد بينت نتائج الاستطلاع أن مشاركة الموظفين في عملهم لها تأثير أكبر بـ 3.8% إضعاف من أثر بُعد مسافة مكان العمل عن منازلهم.

الأرقام

بالتوازي، نشر التقرير تفاصيل الإحصاءات حول مستويات توتر الموظفين المشاركين وغير المشاركين بشكل مباشر، والذين يعملون في مقر عملهم أو في بيئة هجينة (في مقر عملهم وفي منازلهم) او من منازلهم. وكشفت البيانات أن 29% من الموظفين الذين يعملون في مكان عملهم يعدون مشاركين في بيئة العمل وفي حالة توتر يومي. فيما 38% يعتبرون غير مشاركين، و52% غير مشاركين بشكل مباشر. بالإضافة الى ذلك، 34% من الموظفين المشاركين والذين يعملون في بيئة غريبة، يعتبرون في حالة غير مشاركة، و54% غير مشاركين بشكل مباشر.

وذكر التقرير أن لبنان احتل المرتبة 13 من أصل 15 بلدا في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا من حيث معيار مشاركة الموظفين في بيئة العمل، اذ ان هذه النسبة وصلت الى 9% فقط. وقد جاءت إيران في المرتبة 14 (9% نسبة مشاركة) تبعتها الجزائر في المرتبة 15 بنسبة 18%مشاركة.

أضاف التقرير أن لبنان هو ثاني أكثر بلد في المنطقة يقاسي فيه الموظفون توترا يوميا في بيئة عملهم، حيث أن 67% منهم يعاني من هذه الحالة (مسبوقة فقط من تركيا مع نسبة توتر تقدر بـ 68%.).

وفي السياق عينه، تشير حسابات لبنان إلى أن حالة الغضب اليومي في بيئة العمل لدى الموظفين هي ثالث أعلى نسبة في المنطقة عند مستوى 41%. وانتهى التقرير الأسبوعي الذي نشره بنك “الاعتماد اللبناني” إلى أن لبنان في أدنى مرتبة بين نظرائه في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا من حيث مناخ العمل، حيث ان 7% من الموظفين المستطلعين اعتبروا أن الوقت الراهن ملائم للبحث عن عمل جديد.

أحمد الحناش – مدرس مساعد في الجامعة المالية التابعة لحكومة روسيا الاتحادية – دكتوراه في العلوم الاقتصادية. مارس الصحافة منذ السنوات الدراسية في الجامعة، وله مقالات حول الشأن الاقتصادي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here