أفريقيا برس – تونس. في إحدى ضواحي العاصمة التونسية، تسأل منجية عن مكان مركز الاقتراع، فيما يجلس لسعد في إحدى المقاهي القريبة غير مبالٍ بالاستفتاء حول دستور يرى أنه لن يغير حياته نحو الأفضل.
هذان المشهدان يلخصان الانقسام الكبير داخل المجتمع التونسي حول الدستور الجديد، الذي يقول الرئيس قيس سعيد إنه سيؤسس لجمهورية جديدة تقوم على دولة القانون والمؤسسات وتعيد السيادة للشعب.
وتقول منجية (71 عاما): “شاركت في جميع المناسبات الانتخابية السابقة، ولن أفوت هذه الفرصة للتعبير عن رأيي في الدستور الجديد”. ورغم أنها تقرّ بعدم فهمها لأغلب فصول الدستور، التي تلتها عليها حفيدتها، لكنها “تثق بالرئيس وستصوت لدستوره الجديد”.
لكن لسعد (25 عاما) يفضّل احتساء قهوة “الألونجي” في مقهى قريب مع بعض الأصدقاء، رغم أنهم لا يشاطرونه الرأي ذاته حول مقاطعة الاستفتاء، فبعضهم يفضل المشاركة للتعبير عن رأيه (دون الإفصاح عنه)، لكنهم يفضلون تأجيل هذا الأمر حتى المساء، وخاصة أن اليوم الإثنين يصادف دخول “أوسّو” وهي فترة من الصيف تتميز بالحرارة الشديدة.
وتقول هيئة الانتخابات إن الإقبال في ساعات الصباح الأولى من اليوم الإثنين بلغ 6.32 في المئة، بواقع 564 ألف ناخب، وهي نسبة “مشجعة” وفق تقدير رئيس الهيئة فاروق بوعسكر، الذي أشار إلى أن نسبة الإقبال في ذات الفترة خلال الانتخابات الرئاسية عام 2019 لم تتجاوز 1.6 في المئة.
لكن هذه النسبة تحسنت لاحقا، حيث أعلن بوعسكر أنها بلغت 11.8 في المئة في حدود الساعة الواحدة ظهرا، إذ بلغ عدد المقترعين مليونا و53 ألفا، مرجحا ارتفاع هذه النسبة بشكل كبير خلال ساعات المساء مع بدء مشاركة الشباب.
تجاوزات بالجملة
ويشير مراقبون إلى وجود عدد من الخروق والتجاوزات على غرار تأخر افتتاح عدد من مراكز الاقتراع إضافة إلى عدم تعليق قائمات الناخبين وغياب موظفي الهيئة المكلفين بإرشاد الناخبين، وفق منظمة “ملاحظون بلا حدود”، التي تؤكد أيضا غياب المراقبين من المجتمع المدني أو ممثلي الحملات الخاصة بالاستفتاء في معظم مراكز الاقتراع التي تقوم بمراقبتها، مشيرة إلى ضعف التصويت خلال الساعات الأولى من عملية الاقتراع واقتصاره على فئة الشيوخ وسط غياب شبه كلي للشباب.
كما أكد نائب رئيس منظمة “عتيد”، مهدي بن هيبة، تسجيل مخالفات تتعلق بـ”الخلوات المكشوفة قرب النافذة” في بعض مراكز العاصمة، فضلا عن غياب الشارات الخاصة بموظفي مكاتب الاقتراع، إضافة إلى تأخير تعليق قائمات الناخبين في أحد مراكز ولاية منوبة (قرب العاصمة).
وأضاف في تصريح إذاعي “تمّ رصد نقص في تكوين أعضاء مكاتب الاقتراع في كلّ من قابس (جنوب) وباجة (شمال غرب) والقيروان (وسط). كما بعض المعدّات الانتخابية لم تصل إلى مراكز الاقتراع أو وصلت متأخّرة كما حدث في ولاية بن عروس (قرب العاصمة)”.
وتحدّث المدير التنفيذي لمرصد “شاهد”، الناصر الهرابي، عن عدم احترام بعض مكاتب الاقتراع لتوقيت بدء الاقتراع، منتقدا “تسليم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عددا من أعضاء المجتمع المدني شهادة اعتماد عوضا عن بطاقة اعتماد في ساعة متأخّرة من يوم أمس، وبعض المراكز لم تعترف بها”.
كما كشفت هيئة الانتخابات عن تعرض رئيس مركز اقتراع في مدينة سبيطلة (وسط غرب) للاعتداء من قبل أحد المشاركين في الحملة الانتخابية للاستفتاء، بعدما قام بمنع المعتدي من التأثير على الناخبين، قبل أن تقوم قوات الأمن باعتقال الجاني.
وتحدثت الهيئة أيضا عن خرق للصمت الانتخابي تمثل بقيام مؤيدين للرئيس بوضع لافتة تدعو للتصويت بنعم أمام أحد مراكز الاقتراع في مدينة “سيدي بوزيد” في الضاحية الشمالية للعاصمة.
وسجلت نقابة الصحافيين تجاوزات عدة تتعلق بـ”عدم توفير الشارات المميزة من قبل الهيئة المركزية للانتخابات، وتزويدها الصحافيين بوثيقة فقط بالاعتماد ما وضع عوائق حقيقية أمام إمكانية تغطية العملية في ظل عدم تعميم الهيئة للمعلومة لدى هيئاتها الفرعية بمختلف الولايات. كما منع بعض رؤساء مراكز الاقتراع الصحافيين والمصورين التونسيين والأجانب من التصوير داخل مكاتب الاقتراع لعملية التصويت ما عطل قيامهم بعملهم. ووصلت هذه التجاوزات بحق الصحافيين حد استنجاد رؤساء مراكز اقتراع بالأمن للتدخل ضدهم.
كما تعرض بعض الصحافيين لمضايقات أمنية وامتناع رؤساء الهيئات الفرعية لهيئة الانتخابات من تزويدهم بالمعلومات المرتبطة بعملية الاستفتاء.
الرئيس يخرق الصمت الانتخابي
وأثار تصريح الرئيس قيس سعيد للتلفزيون الرسمي خلال مشاركته في الاقتراع، جدلا واسعا، إذ اعتبرت منظمة “عتيد” أن سعيد خرق الصمت الانتخابي من خلال قيامه بتفسير بعض فصول مشروع الدستور وهو ما يدخل في باب الدعاية ومواصلة الحملة الانتخابية، وفق مُعز الرحموني كاتب عام المنظمة.
وقال الناطق باسم الهيئة محمد التليلي المنصري إن مجلس الهيئة سيدرس جميع التصريحات الإعلامية المرافقة لعملية الاقتراع، بما فيها تصريح سعيد، ويبت فيها.
فيما أكد عضو الهيئة نوفل فريخة أن “تونس بلد قانون وأن الهيئة ستطبق القانون بخصوص كل خروقات الصمت الانتخابي إن وجدت”.
وقال إنه لم يطلع عل تصريح سعيد وبالتالي لا يمكن التعليق عليه، في محاولة لتجنب الإدلاء بأي تعليق حول هذا الأمر.
وأصدرت هيئة الاتصال السمعي والبصري (الهايكا) تنبيها للتلفزيون الرسمي بقناتيه الأولى والثانية بعد بثهما تصريحات سعيد، ونشرها على صفحات مواقع التواصل، فضلا عن استضافة معلقين مساندين للرئيس.
وأكدت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، في بلاغ لها، اليوم الإثنين، أنها عاينت بث القناتين الأولى والثانية بشكل مشترك حوارا مدته أكثر من 15 دقيقة مع رئيس الجمهورية قيس سعيد تولى فيه التطرق لنقاط واردة في مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء وتثمينها، تم نشره فيما بعد على حساب فايسبوك الخاص بالتلفزة الوطنية، كما تخلل ذلك حضور معلقين مساندين للرئيس. ودعتهما إلى “الالتزام بالتراتيب والقوانين واحترام التحجير المتعلق بتجنب كافة أشكال الدعاية خلال فترة الصمت الانتخابي”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس