الشابي لـ “أفريقيا برس” : مشروع الاستبداد لا زال في بداية طريقه والقادم قد يكون أعظم

189
الشابي لـ
الشابي لـ "أفريقيا برس" : مشروع الاستبداد لا زال في بداية طريقه والقادم قد يكون أعظم

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. بخلاف أغلبية الشارع الذي يرى في إجراءات 25 جويلية في تونس منفذا لخلاص البلاد من أزمتها، تحذر شخصيات حقوقية مثل أحمد نجيب الشابي، وهو من أبرز وجوه المعارضة في تونس، من مغامرة شعبوية للرئيس قيس سعيد تقود البلاد إلى سيناريوهات مجهولة. أفصح الشابي في حواره مع “أفريقيا برس” عن مخاوفه من عودة مناخ الاستبداد بقوة إلى البلاد، داعيا الرئيس سعيد إلى التعالي عن الحياة الحزبية وتوحيد الصفوف. وبتأسيسه مؤخرا “جبهة الخلاص الوطني”، يأمل الشابي في إنقاذ الديمقراطية أعقاب مؤشرات سلبية تنبئ بأن مناخ الحريات بات بالفعل مهددا.

أحمد نجيب الشابي:
– التغيير الذي حصل في 25 جويلية زاد الطين بلة
– أصبحت رئاسة الجمهورية الخطر الأول على الديمقراطية وعلى الاستقرار السياسي والاجتماعي
– تصريحات قيس سعيد في واد والواقع المعيش في واد آخر
– على قيس سعيد التعالي عن الحياة الحزبية وتوحيد البلاد
– مشروع العودة إلى الاستبداد لا زال في بداية طريقه
– الأوضاع الاجتماعية تفرض توقف المغامرة الشعبوية
– نريد عودة تونس إلى سكة الديمقراطية التمثيلية
– لا بد من قيام “جبهة للخلاص الوطني” تلتف حولها كل القوى الساعية إلى التغيير والإنقاذ

كيف ترون المشهد السياسي التونسي بعد إجراءات 25 يوليو، تونس إلى أين؟

الوضع في تونس اليوم حرج للغاية، على المستوى الاقتصادي تتميز الوضعية بعجز مزدوج: عجز لميزان الدولة وعجز للحساب الجاري (المبادلات الخارجية التجارية والمالية). انتهى هذان العجزان إلى تفاقم المديونية العمومية (الداخلية والخارجية) ما أدى إلى النزول بتصنيف تونس من قبل وكالات التصنيف الدولية وخلق عجزا على تعبئة الموارد في السوق المالية العالمية.

هذه الأزمة سابقة لـ25 جويلية إذ تدنت نسبة النمو إلى 0،9 بالمائة سنة 2019 قبل أن تنهار بسبب وباء كوفيد-19 (ناقص 8 بالمائة). وبسبب عجز الدولة التونسية عن الوفاء بتعهداتها بإدخال إصلاحات هيكلية على الاقتصاد أوقف صندوق النقد الدولي تعاونه مع تونس وعلق منحها القروض منذ سنة 2019.

غير أن التغيير الذي حصل على رأس السلطة في 25 جويلية زاد الطين بلة. من جراء هذا التغيير أن علقت الدول السبعة (والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا وكندا واليابان) تعاونها مع تونس على عودتها إلى الديمقراطية التمثيلية وأساسها الفصل بين السلطات كضمانة للحرية. وبسبب أطباق أبواب التعاون الخارجي استفحلت الأزمة المالية وأضحت تهدد دفع أجور الموظفين وقدرة وفاء الدولة بالتزاماتها إزاء دائنيها ومزوديها ومن نتائج ذلك أن انقطعت المواد الأساسية في السوق الداخلية (السميد والأرز والزيت النباتي والسكر والأدوية، الخ) وقفزت معدلات الفقر والبطالة وغلاء الأسعار إلى نسب غير مسبوقة منذ زهاء السبعين عاما. وتواجه تونس في المدى المنظور مزيدا من التدهور على الصعيد الاجتماعي، وهو تدهور لا يساعد على الاستقرار السياسي في كل الأحوال.

أما على الصعيد السياسي فقد اندثر الفصل بين السلطات واستأثر رئيس الجمهورية بكامل السلطة التنفيذية وسائر اختصاصات السلطة التشريعية وحل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب وأحل محله مجلس معين. هذا النزوع إلى الحكم الفردي انعكس سلبا على وضع الحريات إذ قيدت حرية السفر وتكررت قرارات الإقامة الجبرية في حق الخصوم السياسيين من نواب وصحفيين وشخصيات عامة وباتوا عرضة للتتبع من قبل القضاء العسكري في مخالفة صارخة لأحكام الدستور والقانون التونسيين.

إلى ذلك يحمل رئيس الجمهورية نظرة وفلسفة “شعبوية” تقوم على ثنائية العلاقة المباشرة بين الرئيس-الزعيم والشعب وهي رؤيا تلغي كل الوسائط من نقابات ومنظمات مهنية وهيئات منتخبة فضلا عن الأحزاب السياسية وتنتهي إلى تقسيم المواطنين بين وطنيين وخونة وبين نزهاء وفاسدين والى اعتبار الخصوم السياسيين متآمرين “مكانهم تحت الأرض”.

هذه الرؤيا وما تتبعها من سياسات زادت من حدة الأزمة الاقتصادية إذ أحجم المستثمرون المحليون والأجانب عن الاستثمار وبات شبح المجاعة يقض مضجع أكثر من طرف.

تمسك كل طرف بوجهة نظره سواء موالاة أو معارضة , هل يعمق الأزمة السياسية ثم الاقتصادية والاجتماعية أكثر؟

انقسام المجتمع السياسي إلى موال ومعارض علامة صحة وشرط من شروط التداول على الحكم، غير أنه يتحول إلى جزء من الأزمة أن لم تتمحور الخلافات حول القضايا التي تهم المجتمع ولم تنته إلى برامج ورؤى متنافسة حول الأصلح. وعلى العموم فإن المعارضة في تونس لا تطرح في هذا الظرف مسألة التداول على الحكم فهي مسألة مؤجلة إلى حين عودة البلاد إلى ديمقراطية تمثيلية, وإنما سقف مطالبها يقف عند حد انعقاد مؤتمر وطني يقر حزمة الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي من شأنها إنقاذ تونس من خطر التفكك والانهيار الاجتماعي وإعادتها إلى سكة الديمقراطية التمثيلية.

قيس سعيد يؤكد التزامه بالحفاظ على مناخ الحريات بالبلاد في حين جبهة المعارضة ضده تتوسع، هل فعلا مناخ الحريات مهدد في تونس أم هي مجرد ورقة في يد المعارضة لكسب ود الشارع؟

تقويض الفصل بين السلطات وحل الهيئات المنتخبة والاستفراد بالحكم المطلق هو مصدر تهديد للحريات. فالمنع الجماعي من السفر الذي يستهدف السياسيين ورجال الأعمال، ومحاكمة المدنيين من قبل المحاكم العسكرية وقرارات فرض الإقامة الجبرية على الخصوم السياسيين ولجوء عدد منهم إلى ما وراء البحر وتتبع الصحفيين والمدونين، كل هذه وقائع ثابتة تؤكدها المنظمات الوطنية والعالمية لحقوق الإنسان وحتى المفوضية الخاصة بحقوق الإنسان والتابعة لمنظمة الأمم المتحدة كما تشهد بها تصريحات رئيس مفوضية الاتحاد الأوربي ووزارات الخارجية للعديد من البلدان وحتى الأمين العام للأمم المتحدة. تصريحات قيس سعيد في واد والواقع المعيش في واد آخر، ومما يثير الخوف أن مشروع العودة إلى الاستبداد لا زال في بداية طريقه والقادم قد يكون أعظم.

من أين يستمد قيس سعيد قوته التي تجعله يقف في مقابل جميع الأحزاب والقوى السياسية بما فيها اتحاد الشغل، هل هي الحماية العسكرية و الأمنية أم الحماية الناعمة الإقليمية والدولية؟

مصدر قوة قيس سعيد حالة الوهن التي عليها المجتمع التونسي. عامة الناس سئموا الديمقراطية لان تجربة العشر سنوات الماضية خلقت نفورا لدى الجماهير من الأحزاب ومن الحياة البرلمانية ومن عدم الاستقرار الحكومي ومن النخبة السياسية عامة التي أهملت قضايا الناس وانتظاراتهم من الثورة وذهبت تتصارع على كعكة الحكم.

والمجتمع المدني مصاب بالإحباط، هو منقسم على نفسه ولا يبدي أدنى مقاومة لما يجري. المعارضة بمعنى النقد تتوسع ولكن الفعل يغيب عن المشهد وتغرق مختلف المؤسسات في سبات عميق. وعلى الرغم من الثقل الاجتماعي للاتحاد العام التونسي للشغل ودوره التاريخي في مختلف مراحل التاريخ التونسي الحديث وعلى الرغم من رصيد الثقة الذي يحظى به لدى التونسيين فهو لم ينتقل هو الآخر من القول إلى الفعل من النقد إلى المبادرة بجمع مؤتمر الحوار الوطني الذي نادى به منذ أكثر من عام ونيف.

وأخيرا ترى مجموعات المعارضة التي تحمل نفس الخطاب وتقوم بنفس التشخيص، وتعلن نفس الأهداف، تراها متنافرة لا تلتقي مع بعضها البعض ولا تجمع قوتها، أما القوات الأمنية والعسكرية فهي ليست مدعوة للتدخل في الشأن السياسي وهذا الحياد السلبي يستفيد منه قيس سعيد أيضا.

أما العامل الخارجي كالأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية فليسا في صالح قيس سعيد وإنما يمثلان عقبات كأداء على طريق مشروعه.

نعيش في مناخ إقليمي ودولي مشحون خاصة بعد الحرب في أوكرانيا، هل قيس سعيد قارئ جيد لهذه المتغيرات الدولية ؟ كيف تقيم سياسة تونس الخارجية؟

ليس لي أن احكم على الأشخاص ولا أن أقدر ذكائهم ومهاراتهم الشخصية, لكن خطاب الرجل حول المؤسسات المالية الدولية لا تفيد بمعرفة بخارطة العالم ولا باتجاهات السياسة الدولية. ودور تونس في الحياة العالمية انتقل من موقع المثال النموذجي للديمقراطية في المنطقة العربية والذي نالت بموجبه جائزة نوبل للسلام إلى موقع البلد الذي يلاقي مقاطعة عامة من أصدقائه وشركائه في الخارج بسبب ما أقدم عليه الرئيس من تقويض لأسس الديمقراطية.

هل الإقامة الجبرية التي فرضت على شخصيات سياسية و المحاكمات العسكرية هي مؤشرات للعودة لمناخ الاستبداد أم مجرد خطوات احترازية من الرئيس ضد خصومه؟

رئيس الجمهورية ليس له خصوم، عليه التعالي عن الحياة الحزبية وتوحيد البلاد وقيادتها على طريق النهوض، كل ذلك في إطار الشرعية. فليس من حقه “اتخاذ الإجراءات الاحترازية ضد خصومه” وإنما من واجبه التقيد بأحكام الدستور الذي اقسم على احترامه، ومن أحكامه التفريق والفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية واستقلال القضاء وضمان الحقوق والحريات وإلغاء المحاكم الاستثنائية وتخصيص المحاكم العسكرية بالجرائم العسكرية دون سواها الخ.

كنت من أشد المعارضين لحركة النهضة وترفضون التحالف معها، لكن جمعتكم معارضة قيس سعيد على طاولة واحدة، هل مازال أحمد نجيب الشابي يثق في النهضة؟

النهضة كانت حتى 25 جويلية أحد أطراف الأزمة الثلاثة: النهضة وعموم الأحزاب التي أسست المشهد البرلماني من جهة والحكومة التي عجزت عن أداء أدنى مهامها وانخرطت في الصراع بين الرئيس والبرلمان من جهة ثانية والرئيس الذي عطل أعمال الحكومة وأعمال المجلس وبات يخطط لانقلاب على الدستور.

عارضت شخصيا النهضة طيلة عشر سنوات بسبب سياساتها واعتبرتها مسؤولة عن الأزمة وكنت أطالب بتعديل الدستور وبتوسيع حق الاستفتاء والذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها.

كان ذلك قبل 25 جويلية. ولكن في ليلة ذلك اليوم حدث انقلاب على الشرعية الدستورية قاده رئيس الدولة متجاوزا صلاحياته ومهددا بإتلاف كل مكتسبات الثورة في الانتقال إلى ديمقراطية تمثيلية تستمد فيها المؤسسات شرعيتها من الاقتراع العام ومن بينها مؤسسة رئاسة الجمهورية ذاتها، والتي فاز فيها قيس سعيد بأغلبية ساحقة في الدور الثاني.

بعد 25 جويلية أصبحت رئاسة الجمهورية تحتل مركز الخطر الأول على الديمقراطية وعلى الاستقرار السياسي والاجتماعي، وأضحت المهمة الرئيسية للبلاد تتمثل في إيقاف الانقلاب والعودة إلى الديمقراطية التمثيلية مدخلا لإنقاذ البلاد من أزمتها العامة. في هذه المعادلة الجديدة أصبحت النهضة رقما وازنا من بين القوى المعنية بعودة الديمقراطية.

التقاء الأطراف السياسية وتقاطع مواقفها يتم بناء على المهمة المطروحة، ومهمتنا اليوم إنقاذ البلاد والعودة إلى الديمقراطية.

المهمة اليوم ليست انتخابية لأن الانتخابات الحرة مؤجلة إلى ما بعد العودة إلى الديمقراطية (وليس قبلها)، لذلك يكون من السخف ومن عدم المسؤولية السياسية وضع الرهان الانتخابي الوهمي كأساس للتقارب والتباعد.

خط التباين إذن يفصل اليوم بين من يسعى إلى عودة الديمقراطية التمثيلية ومن يسعى إلى تقويضها، وفي سياق هذا التباين لا بد للقوى الساعية إلى إعادة الديمقراطية من تجميع صفوفها لتشكيل قوة التوازن، وفي هذا الإطار لا بد من قيام “جبهة للخلاص الوطني” تلتف حولها كل القوى الساعية إلى التغيير والإنقاذ.

إن الديمقراطية تقوم “على سوء الظن بالناس” ولو كان الأمر خلاف ذلك ما كان للفصل بين السلطات أن يقوم ولا للمراقبة المتبادلة بينها أن تكون شرطا للحرية.

أما علاقتي بالنهضة كظاهرة فكرية وسياسية فقد ضمنتها في كتاب أصدرته هذا الشهر حول مسيرتي السياسية والفكرية، خصصت منه أربعين صفحة للإسلام السياسي يمكن للقارئ الكريم أن يرجع إليها ليتبين حقيقة موقفي منها.

ما هي أهداف جبهة الخلاص الوطني التي طالبتم بها مؤخرا لمواجهة الأزمة السياسية في تونس؟ وهل بوسعها تقديم بوصلة للخروج من الأزمة؟

جبهة الخلاص الوطني هي تجمع القوى المعنية بإنقاذ تونس والعودة بها إلى الديمقراطية. وتحقيق هذه المهمة يقتضي تشكيل قوة توازن ترمز إلى المستقبل وهذا المستقبل يتوقف على صياغة برنامج للإنقاذ يحدد الأولويات والمهام العاجلة لإيقاف نزيف المالية العمومية والنهوض بالاستثمار لخلق الثروة ومواطن الشغل والنهوض بالتصدير والنمو. إلى هذه المهمة التي يتصدى لها فريق حكومي يحظى بالمصداقية والكفاءة وتسنده مختلف القوى الوطنية، يتوجب على جبهة الخلاص أن تقف على الأسباب البنيوية في الدستور التونسي وفي القانون الانتخابي التي أدت إلى شلل الدولة قبل 25 جويلية واقتراح الإصلاحات المستوجبة، أما المهمة الثالثة التي على جبهة الخلاص طرحها فتتمثل في خريطة طريق العودة إلى الشرعية الدستورية عبر انتخابات مبكرة. وقد خصصت شخصيا مائة صفحة من الكتاب السالف الذكر لمجمل هذه القضايا، لكن قيمة البرامج لا تكمن في صياغتها وإنما في اتفاق الناس حولها حتى تكون قابلة للتنفيذ.

الفجوة عميقة بين الشارع والنخبة السياسية اليوم، هل تتوقعون تجاوبا شعبيا مع مبادراتكم وتحركاتكم؟

الفجوة عميقة وسببها ردة الفعل التي يعيشها المجتمع إزاء التجربة الديمقراطية. لكن الحياة الاجتماعية سوف تطرح وبكل إلحاح ضرورة التخلص من المغامرة “الشعبوية” الجارية الآن, وعندها سوف تجد المعارضة آذانا صاغية علما وان الأحداث في تونس متسارعة ولا تحتمل التأجيل.

 

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here