الشارع يتبنى خطاب المعارضة في ملف المهاجرين الأفارقة

13
الشارع يتبنى خطاب المعارضة في ملف المهاجرين الأفارقة
الشارع يتبنى خطاب المعارضة في ملف المهاجرين الأفارقة

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. اتخذت قضية المهاجرين الأفارقة في تونس في الأيام الماضية منحى تصاعديا وتحوّلت إلى ورقة ضغط تسعى المعارضة إلى استغلالها في حين لم تسجّل أية رد فعل رسمي من السلطة، ودخل على الخطّ الشارع الذي صار أغلبه يتبنّى الخطاب المنادي بإلغاء اتفاقيات الهجرة مع الاتحاد الأوروبي و”ترحيل” المهاجرين الأفارقة الذين دخلوا البلاد بطرق غير شرعية بنية السفر على أوروبا لكن تقطّعت بهم السبل لتحقيق ذلك و”استوطنوا” تونس.

وفي خضم هذه الوضعية الشائكة، يتحوّل وجود المهاجرين الأفارقة في تونس إلى ظاهرة اجتماعية ترتبط بمسارات العلاقة بينهم وبين المجتمع وكيف تتطور لتصبح مصدر تهديد لـ”السلم الاجتماعي” وإرباك توازنات شبكات الأمان المجتمعي ضمن تصاعد خطاب “عنصري” يقابله صمت رسميّ عمّق الأزمة وأوقع النظام نفسه في ورطة.

ويعلّق على ذلك النائب في البرلمان التونسي محمد عليّ قائلا في تصريحات لـ”أفريقيا برس”: “الدولة التونسية لم تنجح في إدارة الأزمة منذ بدايتها ولم تنجح اتصاليا في توضيح الصورة بشفافية للتونسيين… هذه الأزمة اليوم تتجاوز كونها بين النظام والمعارضة إلى أزمة بين النظام والمجتمع وهي خطيرة بتداعياتها على حياة التونسيين وعلى حياة المهاجرين على حد السواء”.

في ذات السياق يذهب مجدي الكرباعي، النائب السابق والناشط الحقوقي المعروف بمتابعته لملف الهجرة غير الشرعية، لافتا في تصريحات لـ”أفريقيا برس” إلى أن “الاتفاقية التي وقّعها الرئيس التونسي قيس سعيّد مع أوروبا بواسطة من رئيسية الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني هي السبب الحقيقي لأزمة المهاجرين”.

وأطلق نشطاء تونسيون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي حملت عنوان “الشعب يريد إلغاء الاتفاقية”، للمطالبة بإلغاء اتفاقية الهجرة التي أبرمها النظام مع الاتحاد الأوروبي في 2023. واعتبر القائمون على الحملة أن هذه الاتفاقية حولت تونس إلى “حارس” لحدود أوروبا، حيث تسببت في وقف تدفق المهاجرين غير النظاميين نحو أوروبا بنسبة 80 في المئة عام 2024، وفق تصريحات وزير الداخلية الإيطالي.

ويقول الكرباعي: “وفق أرقام وزارة الداخلية الإيطالية وصل، منذ 1 جانفي إلى غاية 14 مارس 2025، إلى السواحل الإيطالية 87 مهاجرا من جنسيات إفريقية، وهو عدد قليل جدا مقارنة بالماضي، ما يعني أن المهاجرين لا يريدون التوطين ولكن هناك من يمنعهم من العبور وبالتالي يتكدّسون في تونس التي أصبحت حارسة الإيطاليين وقريبا الإنجليز”.

وهذا ما صار يخشاه التونسيون. فالأفارقة الذين تقطّعت بهم سبل الوصول إلى أوروبا سيجدون تونس أفضل بكثير من بلدانهم، خاصة من لديه عائلة وأطفال فمهما كانت ظروف المعيشة صعبة في تونس فهناك تسهيلات و”مغريات” تجعلهم يستحسنون البقاء فيها مثل مجانية المعالجة في المستشفيات العمومية ومجانية تعليم أبنائهم في مدارس الدولة، إلى جانب توفر مجالات للعمل في السوق التونسية وإن كانت بأوضاع أقرب لـ”العبودية” من حيث عدد ساعات العمل والأجور المتدنية.

تونس بديل إن أوروبا

في البداية، ولأن هدفهم معروف وهو الهجرة إلى أوروبا عن طريق تونس، لم يبدي التونسيون قلقا من تواجد المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء بينهم، بل أحسنوا ضيافتهم وكان هناك نوع من “العطف” عليهم. لكن تطّور الوضع وبدأت أعدادهم في التزايد وبدأوا يحتلون مواطن الشغل وينافسون التونسيين في قوتهم وأعمالهم، كما أن أسلوب عيشهم صار مصدر قلق تضاعف بعد أن ظهرت أعمال عنف.

كانت الأزمة نارا تحت الرمّاد إلى أن أججتها زيارة النائبة في مجلس نواب الشعب فاطمة المسدي لمخيّم العامرة في مدينة صفاقس، بالجنوب الشرقي للبلاد. أطلقت تلك الزيارة المارد من القمم بعد أن كشفت عن طريقة عيش المهاجرين هناك وسط توفّر كل الإمكانيات لتحول المخيم إلى منطقة سكنية دائمة لهم.

ورغم أنها من مؤيدي النظام وموالية للرئيس لقيس سعيّد، إلا أن النائبة فاطمة المسديّ فتحت بزيارتها تلك أبواب أزمة على النظام الذي لم يظهر أية تفاعل رسمي مع ما يجري بل ضاعف من حالة التوتر بالأخبار عن زيارات لمسؤولين أوروبيين إلى تونس من ذلك لقاء جمع إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب صباح الاثنين 17 مارس 2025 بقصر باردو برئيسة مكتب مجلس أوروبا بتونس، للحديث عن “تعزيز روابط الصداقة والتعاون مع البلدان الأوروبية”.

وفي سياق اللقاء عبّر رئيس مجلس نواب الشعب عن انزعاجه من تنامي ظاهرة الهجرة غير النظامية. و”بيّن المخاطر التي برزت في الأيام الأخيرة جرّاء ارتفاع منسوب تدفّق المهاجرين غير النظاميين من بعض بلدان جنوب الصحراء الذي أصبح يشكّل خطرا على الأمن العام وعلى الاستقرار الاجتماعي وما يمكن أن ينجرّ عنه من تداعيات”.

وأكّد بودربالة على “حرص تونس على الإيفاء بتعهداتها الدولية”، مبرزا “ما تتطلّبه المسألة من مجهودات مضاعفة وعمل مشترك بالنظر إلى التأثيرات على ارتفاع التدفّق نحو البلدان الأوروبية”.

وقال مراقبون إن تصريحات بودربالة لا يمكن اعتبارها تعكس موقف النظام أو تصريحا رسميا للردّ على التطورات في قضية المهاجرين الأفارقة في تونس، وهو مجرّد “تصريح بروتوكولي”، لا صدى له في ظلّ الأصوات المنادية بإلغاء كل الاتفاقيات التي تم توقعها مع أوروبا في سياق منع المهاجرين الأفارقة من الوصول إلى أوروبا.

الطعم الأوروبي

مما زاد من عمق الورطة التي وجد فيها النظام نفسه، ما تناقلته صفحات الفايسبوك من صور لوثائق تكشف فحوى هذه الاتفاقيات وما تخفيه. وفي ظل غياب توضيح رسمي دقيق بيّن الأخبار المزيفة والصحيحة تعيش تونس اليوم وضعا استثنائيا قد يتطوّر إلى تهديد للسلم الاجتماعي.

وقال مجدي الكرباعي: “تونس أخذت مقابلا على دورها في منع المهاجرين غير النظامية من الوصول إلى أوروبا.. لكن للأسف لم تعمل حساب لتداعيات ذلك”. وما تشهده البلاد اليوم من غليان بسبب تلك الاتفاقيات والدعوات المتصاعدة لإلغائها وترحيل المهاجرين حتى لو بالقوة سيكون ثمنه أغلى مما قبضته تونس.

ويحذّر عماد السلطاني رئيس “جمعية الأرض للجميع” من أن “غياب السلطة في التطورات الأخيرة سيدفع فاتورته التونسيون والمهاجرون غير النظاميين”، وهو ما يؤكّده أيضا مجدي الكرباعي الذي أشار إلى خبر انتحار مواطن تونسي في إحدى مراكز الاحتجاز الإيطالية اعتراضا على ترحيله إلى تنس، حيث اعتبر الكرباعي أن السلطات الإيطالية، والأوروبية، ستتخذّ من المواطنين التونسيين في مراكز الاحتجاز لديها ورقة ضغط على النظام الذي يفتقد إلى أية خطة رسمية للتعامل مع الهجرة ومع المهاجرين.

عندما جاءت ميلوني إلى تونس محملة بالوعود والإغراءات، كان النظام، في ذلك الوقت في أزمة اقتصادية خانقة ويبحث عن طوق نجاة في ظل تعثرّ مفاوضاته مع صندوق النقد لدولي، وابتلع الطعم الإيطالي، وأعقبه اتفاقيات أخرى مع ألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، دون أن ينظر إلى النصف الثاني من الكأس فيما يتعلق بتعاطيه مع تداعيات منع المهاجرين من المرور إلى أوروبا، والتواصل مع بلدان المصدر والبحث عن اتفاقيات بديلة تحمي جميع الأطراف.

ويقول النائب محمد علي لـ”أفريقيا برس”: “كان على النظام أن يصارح الرأي العام بالاتفاقيات منذ البداية. وكان يجب قبل أن يبحث عن شركاء من أوروبا الذين لا تهمهم إلا مصالح دولهم ونجاحهم في التصدي إلى هذه الظاهرة، أن يبحث عن شركاء في الداخل لخلق تضامن واسع لمعالجة الأزمة بحكمة سياسية وأمنية واجتماعية قادرة على إخراج التونسيين من دوامة العنف والخوف والمخاطر الأمنية وأيضا قادرة على إدارة إنسانية لأزمة المهاجرين، مع تنشيط دبلوماسية خارجية، تتخلص من دبلوماسية العجز ولا نكون فيها مجرد حراس للحدود البحرية مع أوروبا”.

ويرى المحلل السياسي طارق الكحلاوي أن “الخطر الداهم في هذه الأزمة هو الخطة الأوروبية.. وإذا كانت هناك “مؤامرة” فهي الخطة الأوروبية المعلنة وهي الإطار الذي سعت بروكسل لفرضه في الاتفاقيات مع تونس منذ شراكة 1998 إلى مذكرة التفاهم 2023.. مرورا ببروتوكول 2011 واتفاقية الحركة الحرة في 2014 واتفاقية 2017″.

;يضيف الكحلاوي: “الخطة أساسها أن يتم تحميلنا مسؤوليات تتجاوزنا ودفع الأفارقة للتدافع بعضهم ببعض.. ويبقى الطرف الأوروبي بعيدا عن المواجهة المباشرة لمشاكل يتحمل فيها مسؤولية تاريخية وهيكلية.. هناك حاجة لاتفاقيات جديدة”.

في المقابل، لا يتوقّع النائب محمد علي أن تجد دعوات إلغاء الاتفاقيات أذانا صاغية. ويؤكّد: “للأسف منذ بداية تفاقم الأزمة نادينا من داخل البرلمان إلى مصارحة الشعب بالاتفاقيات ومراجعتها من أجل أمن التونسيين ومناعتهم والعمل على تضامن الجميع سلطة معارضة ومجتمع ولم نجد آذانا صاغية، وإمكانية أن تتم مراجعة هذه الاتفاقيات ضعيفة جدا رغم أننا لن ننجح في تخطي الأزمة دون مراجعتها”.

قبل الحديث عن الاتفاقيات ومراجعتها، يحتاج النظام في تونس إلى تحديد توجّهاته وتوضيحها حتى يحمي نفسه أولا، فازدواجية الخطاب التي يتبنّاها تخدم المعارضة اليوم في ورقة المهاجرين الأفارقة، فالخطاب الرسمي في تونس من جهة يندّد بوجود المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين بل ووصل الأمر بالرئيس قيس سعيّد إلى التحدي من “مؤامرات تهدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية للبلاد”. ومن جهة أخرى نجحت تونس في أن الوفاء بـ”التزاماتها” وأن تكون “الحارس الأمين” للحدود الأوروبية وتمنع تدفق المهاجرين مقابل “دعم” أوروبا للنظام.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here