العودة الطوعية لتخفيف ضغط الهجرة في تونس

1
العودة الطوعية لتخفيف ضغط الهجرة في تونس
العودة الطوعية لتخفيف ضغط الهجرة في تونس

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. كان مشهد تجمّع عدد كبير من المهاجرين الأفارقة في أحد شوارع منطقة البحيرة الراقية في تونس أمرا لافتا ومثيرا للفضول. وبعد الاستفسار تبيّن أن المقر الذي يتجمهر أمامه هذا الجمع من الأفارقة هو مقر مكتب المنظمة الدولية للهجرة في تونس والواقفون أمامه مهاجرون دخلوا إلى تونس بطرق غير قانونية على أمل العبور منها إلى أوروبا لكن وأمام صعوبة الأمر قرروا المشاركة في برنامج العودة الطواعية الذي تشرف عليه المنظمة بالتعاون مع السلطات التونسية.

تجد تونس في “العودة الطواعية” حلّا مناسبا ومريحا لمعضلة المهاجرين الأفارقة التي كادت تتحول إلى قنبلة موقوتة، فمن جهة يخفّ ضغط الشارع الذي أصبح ينادي علانية بـ”طرد” المهاجرين ومن جهة أخرى “يتّقي” النظام غضب الحلفاء الأوروبيين الذين أغدقوا المساعدات المادية واللوجستية على تونس ودعموا النظام حتى يقطع الطريق أمام وصول المهاجرين إلى الضفة الأخرى من المتوسّط.

أصبح الوصول إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية انطلاقا من شواطئ الشابة أو قرقنة التونسية أمرا صعبا جدا. ووفق وكالة مراقبة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي (فرونتكس) انخفض عدد المهاجرين غير النظاميين الذين وصلوا إلى أوروبا من تونس بشكل كبير في عام 2024. كما قالت وكالة “نوفا” الإيطالية: “منذ مطلع العام 2025، لم يصل إلى إيطاليا عبر السواحل التونسية سوى 291 مهاجرا فقط، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 82% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024”.

وأشادت السلطات الأوروبية بالجهود التونسية في إيقاف نزيف الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، الأمر الذي انتقده حقوقيون وسياسيون رأوا في هذا السياسة “ابتزازا” فالدولة الأوروبية، أو بالأحرى الخطة الإيطالية، التي تبنّتها الدول الأوروبية، دعمت النظام التونسي ماديا والأهم معنويا و”تغاضت عمّا يجري من عدم احترام للحريات مقابل اضطلاعه بدور حارس الحدود الأوروبية”، وفق المعارضة التونسية.

واذا اعتبرت السلطات الإيطالية تقلص أعداد المهاجرين الوافدين إليها عبر قوارب الموت من السواحل التونسية انجازا، فإن الأمر لا يعّد كذلك بالنسبة للتونسيين، فالمهاجرون الذين تقطعت بهم سبل الوصول إلى أوروبا “استوطنوا” تونس وصاروا بأعدادهم الكبيرة وأسلوب عيشهم مصدر قلق تحوّل في الفترة الأخيرة إلى موجة “عنصرية” ورفض للمهاجرين الأفارقة.

وكان فيديو نشرته النائبة فاطمة المسدي عن حياة المهاجرين غير الشرعيين في مخيم العامرة بمدينة صفاقس القطرة التي أفاضت الكأس واستوجبت حلاّ عاجلا لامتصاص غضب شعبي قد ينفجر في وجه النظام، الذي وقّع اتفاقات مع إيطاليا ودولا أوروبية يستوجب عليه بمقتضاها أن يلعب دور الشرطي الذي يمنع وصول المهاجرين إلى أوروبا بأي ثمن.

وكان العميد حسام الدين الجبابلي، المتحدث باسم الحرس الوطني، قال في تصريحات صحفية إن “تقديرات أعداد المهاجرين غير النظاميين من دول جنوب الصحراء الذين تواجدوا بكل من العامرة وجبنيانة (صفاقس) بلغت حوالي 20 ألف”.

وإثر الجدل الذي أثاره الفيديو الذي نشرته المسدي قامت السلطات التونسية بتفكيك مخيمات في منطقة العامرة لكن ذلك لا يحلّ المشكل وفق الكثير من التونسيين، فالمهاجرون تحوّلوا من منطقة إلى أخرى.

وانتقد مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، في تصريح لـ”أفريقيا برس”، العملية التي تمت بها إزالة المخيّمات معتبرا أن “التدخل بالقوة لا يحل الأزمة بل يعقّدها. فإزالة المخيمات وتفريق المهاجرين دون توفير بدائل سيجعلهم ينتشرون في أماكن أخرى”.

ويعقّد تشتيت المهاجرين غير النظاميين وإعادة تمركزهم في مناطق أخرى “تطبيق برنامج العودة الطواعية الذي يتم العمل عليه مع منظمة الهجرة الدولية التي ستضمن عودة حوالي 2500 مهاجر بحلول صيف 2025”.

وكان الرئيس التونسي دعا، إثر الجدل الأخير، إلى العمل بجدّ على تنفيذ برنامج العودة الطواعية للمهاجرين.

وفي مبادرة لتحفيف العبء مع مراعاة الحد الأدنى من حقوق الإنسان، قامت المنظمة الدولية للهجرة تمويل عودة المتطوعين إلى بلدانهم. وتموّل إيطاليا، عرّابة برنامج تحويل تونس إلى منصة شرطي المتوسّط، برنامجا لدعم العودة الطوعية للمهاجرين في تونس والجزائر وليبيا، بقيمة 20 مليون يورو، بهدف مساعدة حوالي 3300 مهاجرا على العودة إلى بلدانهم الأصلية.

وأعلنت وزارة الخارجية التونسية في شهر جانفي الماضي، أن تعاونها مع المنظمات الدولية ضمن برنامج “العودة الطواعية”، أسفر على عودة 7 آلاف و250 مهاجرا إلى بلدانهم طوعيا خلال العام 2024.

وقال عزوز السمري، رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في تونس: “لقد اتُخذت هذه الخطوة المهمة بالشراكة والتنسيق مع الجهات الحكومية المعنية، والهلال الأحمر التونسي، والجهات المانحة، لتعزيز العودة الآمنة والكريمة للمهاجرين وإعادة إدماجهم في بلدانهم الأصلية”.

وفي 17 أفريل 2025، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة، عن عودة 142 مهاجرا عبر مطار تونس قرطاج إلى غينيا كوناكري بكل آمان وكرامة كجزء من برنامج المساعدة على العودة الطوعية وإعادة الإدماج. ويقدم البرنامج مساعدة شاملة تتضمن إعداد السفر والدعم اللوجستي، وبمجرد وصولهم إلى وجهتهم، التدابير الرامية إلى إعادة الإدماج الاجتماعي والاقتصادي.

في المقابل، انتقدت النائبة فاطمة المسدي عمل المنظمة، معتبر أنها “لا تعمل بالسرعة المطلوبة مقارنة بالعدد الكبير للمهاجرين”. وأضافت المسدي لـ”أفريقيا برس” أن “العودة الطواعية تتطلب سنوات، ولا يمكن أن تكون الحل الوحيد لمعضلة المهاجرين غير الشرعيين في تونس”. وهو ما نقلته أيضا وكالة نوفا الإيطالية لافتة إلى أن أعدادا كبيرة للطلبات المقّدمة من مهاجرين راغبين في العودة إلى بلدانهم، وهذا يعني الكثير من العمل والتنسيق واحتياجات مادية ولوجستية كبيرة.

وأكد مصطفى عبد الكبير أن عملية الترحيل الطوعي تتطلب تنسيقا كبيرا وخطة واضحة بمشاركة مختلف الأطراف المعنية، وغياب اتفاقيات مباشرة مع دول المهاجرين غير النظاميين والمنظمات الدولية يجعل أمر عودتهم وترحيلهم صعبا، كما أن عددا كبيرا من المهاجرين يرفض العودة ويفضل البقاء في تونس في انتظار أول فرصة للعبور نحو أوروبا.

من جهته، يلفت الصحفي الإيطالي إلى انريكو أولياري، في مقال نشرته صحيفة notiziegeopolitiche، إلى أنه يجب عدم اعتبار برنامج “العودة الطوعية” الحل الأمثل، رغم أهميته، فـ”المساعدة في العودة الطوعية إلى الوطن أسهل قولا من الفعل، وذلك بسبب سلسلة من العوامل منها القانون الدولي الذي يؤثر على اللاجئين وطالبي اللجوء، إلى جانب غياب التعاون من جانب بلدان المصدرة، خاصة وأن التحويلات المالية التي يرسلها المهاجرون، غير الشرعيون، إلى أوطانهم، صارت تمثل مصدر دعم هام للاقتصاد المحلي”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here