آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. دعا جمال الدين العويديدي، الخبير في الاقتصاد والتنمية، في حواره مع “أفريقيا برس”، إلى ضرورة مراجعة اتفاقيات الشراكة الاقتصادية، خاصة تلك المبرمة مع دول الاتحاد الأوروبي، والتي كانت سببًا في توقف نشاط ما يعادل عشرة آلاف مؤسسة تونسية نهائيًا في السنوات الأخيرة، نتيجة المنافسة غير المتكافئة مع المؤسسات الصناعية الأوروبية، وهو ما نتج عنه فقدان ما يقارب 400 ألف موطن شغل قار وذو أهمية علمية، وفق ما توصلت إليه تقارير رسمية.
وفي معرض تعليقه على المشاريع الصينية الأخيرة في تونس، رأى أن جميع المشاريع التي تُبنى مع أطراف خارجية يجب أن تقوم على مبدأ الوضوح والشفافية، للتأكد من سلامة هذه الاتفاقيات ومدى تداعياتها الإيجابية على اقتصاد البلاد، لافتًا إلى ضرورة التحقق من مدى تشريك أطراف خارجية في مشاريع وطنية، مثل قطاع الإسمنت، الذي يُعدّ من أكبر القطاعات الربحية في العالم.
هل بوسع رئيس الحكومة الجديدة إدارة ملفات اقتصادية حارقة مثل البطالة وغلاء المعيشة وأيضا معالجة التضخم وزيادة النمو؟
رئيسة الحكومة التونسية سارة الزعفراني، التي تم تعيينها منذ 21 مارس 2025، وهي مهندسة خريجة الهندسة المدنية من المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس، كما تحصلت على شهادة في اختصاص الهندسة الجيوتقنية من جامعة هانوفر بألمانيا. وهي أيضا خريجة معهد الدفاع الوطني ومعهد القيادة الإدارية بالمدرسة الوطنية للإدارة بتونس. شغلت منصب وزيرة التجهيز والإسكان منذ سنة 2021 إلى حين تنصيبها على رئاسة الحكومة. فهي جمعت بين المؤهلات العلمية والتجربة السياسية والتسيير الإداري. بقي أن نترقب برنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي لتحقيق الأهداف المنوطة بعهدتها تباعا لهذا التعيين. خاصة على مستوى ضرورة تحريك نسبة النمو السنوي الذي بقي في مستوى 1,4 بالمئة سنة 2024 حسب المعهد الوطني للإحصاء. وهي نسبة تعتبر متدنية لا يمكن أن تحقق دفع التشغيل حيث نسبة البطالة ما زالت مرتفعة في حدود 16 بالمئة في الثلاثي الثالث لسنة 2024 حسب إحصائيات شهر فيفري 2025 الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء. علاوة على معالجة مستوى التضخم رغم التقلص الذي شهده في شهر فيفري 2025 في حدود 5,7 بالمئة.
هل برأيك تونس بحاجة إلى مراجعة منوالها التنموي وسياساتها الاقتصادية للخروج من أزمتها؟
نعم من الواضح أن البلاد في حاجة إلى مراجعة مُعمّقة للمنوال التنموي السائد منذ 1986 إلى اليوم، والذي انتقل من منوال منتج ولو نسبيا منذ الاستقلال إلى منوال يعتمد التوريد والتجارة والخدمات مثل السياحة القيمة المضافة المحدودة في الناتج المحلي الإجمالي في حدود لا تتعدى 5 بالمئة سنويا. بينما القطاع الفلاحي يُوفّر معدلا سنويا في حدود 10 بالمئة، والحال أن القروض البنكية السنوية التي يتحصل عليها القطاع السياحي ضعف ما يتم توفيره للقطاع الفلاحي.
كما يجب القيام بتقييم وطني ورسمي بكفاءات وطنية لاتفاقيات الشراكة خاصة تلك التي تم توقيعها مع الاتحاد الأوروبي في سنة 1995. حيث تبين من الدراسة التي قام بها البنك الدولي بالتعاون مع المعهد الوطني التونسي للإحصاء ونشرت سنة 2013 أن هذا الاتفاق أدى إلى فقدان 55 بالمئة من المؤسسات الصناعية التونسية التي تشغل بمعدل 40 مواطن لكل مؤسسة بين سنة 1996 وسنة 2010. أي ما يعادل 10 آلاف مؤسسة تونسية توقف نشاطها نهائيا من جراء المنافسة غير المتكافئة مع المؤسسات الصناعية الأوروبية. مما نتج عنه فقدان ما يقارب 400 ألف موطن شغل قار وذو أهمية علمية. وهو حسب اعتقادنا، ما يفسر الارتفاع المتزايد في نسبة البطالة خاصة لدى الشباب ولدى أصحاب الشهادات العليا. مما أدى إلى ارتفاع ظاهرة الهجرة السرية وهجرة الأدمغة على مدى أكثر من عقدين.
ماهي قراءتك للمشاريع الصينية الأخيرة في تونس هل تشكل فرصة لإنعاش الاقتصاد الوطني أم من شأنه أن تورط البلاد في قروض خارجية؟
حسب اعتقادنا يجب أن نتفق على مبدأ هام يعتمد الوضوح والصراحة والشفافية حول كل المشاريع التي يتم الاتفاق عليها مع أي طرف خارجي مع نشر كل جزئياته. حتى تتجلى الموضوعية لمعرفة مدى سلامة هذه الاتفاقيات ومدى تداعياتها الإيجابية للبلاد التونسية وللطرف الخارجي أيضا. كما يجب التأكيد على حق البلاد التونسية في تقرير مصيريها وهو حق معترف به ومكفول دوليا وفي مقدمتها حق حرية التعامل مع كل طرف يقدم للبلاد أفضل الإضافات بالمقارنة مع بلدان أخرى.
نذكر من ذلك مثلا العقود المتعلقة باستغلال الطاقات المتجددة وفي مقدمتها الطاقة الشمسية والتي حسب ما يبدو استفردت بجلها الأطراف الخارجية وخاصة منها البلدان الأوروبية. حيث لا توجد معلومات منشورة لتبين مدى حصة كل طرف في هذا الاستغلال والجزئيات المتعلقة بطريقة تسويق الطاقة. كل هذه البيانات يجب تطبيقها على كل مشروع شراكة مع الأطراف الخارجية حتى تعم الشفافية. كذلك الشأن مع الطرف الصيني وغيره.
هل تؤيد فكرة التفويت في مؤسسات عمومية مثل مصنع الاسمنت لصالح مشاريع مع الصين هدفها دعم الاستثمار؟
في الواقع يجب التأكد من مدى ضرورة تشريك أطراف خارجية في مشاريع وطنية مثل قطاع الاسمنت الذي يعتبر من أكبر القطاعات الربحية في العالم. وهو بالمناسبة قطاع مضر جدا للبيئة حيث عديد البلدان في العالم مثل إيطاليا وأغلب البلدان الأوروبية أوقفت التراخيص لاستغلال المقاطع الخاصة بصناعة الاسمنت حتى لشركاتها الوطنية. واعتمدت هذه البلدان الاستثمار في شراء مصانع في البلدان الفقيرة مثلما تم الأمر في تونس منذ أكثر من عقدين. حيث فرطت البلاد في أغلبية مصانع الاسمنت المحلية التي استفردت بها شركات إسبانية وبرتغالية وإيطالية. وقد بدأ البعض منها يسحب استثماره لأسباب غير واضحة. مثلما يجري اليوم في موضوع شراء الصين نسبة تفوق حسب ما يبدو %50 بالمائة من مساهمة الطرف البرتغالي في مصنع جبل الوسط. وهو بالمناسبة مصنع له تجهيزات عالية الأهمية قامت بها الدولة التونسية قبل التفويت فيه لشركات برتغالية حيث يتم نقل المواد الأولية من المحجر مباشرة إلى المصنع عبر نقل أفقي آلي مما يقلص نسبة كبيرة من تكاليف نقل المواد الأولية عبر الشاحنات.
هل تعتقد أن نظام الشيكات الجديد يخنق الاقتصاد التونسي؟
في الحقيقة المشكل الأساسي في مسألة نظام الصك البنكي يتعلق بصبغة تجريم الصك بدون رصيد وهي صبغة تتنافى مع كل القوانين الدولية بما فيها التونسية. حيث أن المخالفة تكتسي صبغة مدنية بصفتها عملية تجارية بحتة. وحيث تحول الصك من أداة خلاص نقدية مثله مثل العملة بالضبط إلى أداة خلاص مؤجلة الدفع وهي أداة تكفلها الكمبيالة. وقد أدى تحويل الصك عن أصله على تفشي مشاكل اقتصادية واجتماعية كبيرة جدا استفادت منها البنوك بالدرجة الأولى، ثم عدة مهن أخرى مثل عدول التنفيذ وأغرق القطاع القضائي بقضايا كان من المفروض تجنها وهو في غنى عنها.
كذلك دمرت هذه الظاهرة عائلات بأكملها حيث تم سجن الكثير ممن وقع في هذه المخالفة وفر البعض الآخر إلى الخارج تاركا وراءه عائلات بدون ولي مما نتج عنه تفكك أسري وتداعيات أخلاقية وتربوية وخيمة في المجتمع التونسي تعد بمئات الآلاف. لذلك حسب اعتقادنا كان من المفروض سحب صبغة تجريم هذه المخالفة والإعلان عن عفو تشريعي وترك التعامل بالصك البنكي كما كان وما زال أصله أي نقد مكتوب مثله مثل النقود المالية بشقيها الورقي والنحاسي. غير أن الأطراف (بنوك ومهن وتجار) التي تمعّشت من هذه الظاهرة الخطيرة منذ عدة عقود تعمدت التدخل لإفشال هذه الخطوة التشريعية عبر تعقيدها بإجراءات عديدة من شأنها أن تؤدي إلى إفشالها أو حتى التراجع عنها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس