آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. اعتبر المحامي والسياسي التونسي العياشي الهمامي في حواره مع “أفريقيا برس” أن “الوضع الحقوقي في تونس تراجع إلى درجة الاختناق منذ انطلاق مسار 25 جويلية، من خلال ضرب استقلالية القضاء واستهداف المعارضين والتضييق المستمر على الحريات.”
ورأى أن “إيقاف المحامي أحمد صواب حلقة جديدة من حلقات التضييق على الحريات غير أنه لا يمكن أن يكون علامة فارقة لتوحيد المعارضة التونسية المشتتة”، وفي تقديره “بالوسع الرهان على جيل الشباب لأجل تغيير الأوضاع على جميع المستويات، حيث ما يميز هذا الجيل انفتاحه على جميع المكونات وغير مكبل بالأحقاد الإيديولوجية على عكس الأجيال القديمة من المعارضة.”
ويعتقد أنه “لا يمكن حلحلة الأوضاع دون نقاش وتشاركية ودفع إلى الحوار والمحاولة بطرق سلمية ومدنية بهدف تحقيق التغيير المنشود”، إضافة إلى “ضرورة استيعاب دروس تجربة الانتقال الديمقراطي في العشرية الأخيرة”، مبينا أن “إقران الديمقراطية بالتنمية بمثابة الحل السحري لمشاكل البلاد.”
وولد العياشي الهمامي سنة 1959، وهو ناشط حقوقي وسياسي تونسي. وهو متحصل على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام، ويشتغل بذلك محاميا في محكمة التعقيب. وهو كذلك عضو الهيئة المديرة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمكتب التنفيذي للشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان.
كناشط حقوقي، كان الهمامي عضوا مؤسسا لهيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات، وأصبح بعد الثورة التونسية في سنة 2011 عضوا في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي.
في 2019، اقترحته الجبهة الشعبية لعضوية المحكمة الدستورية، لكن الأمر لم يتم بسبب خلافات داخل مجلس نواب الشعب.
في 27 فبراير 2020، عين في منصب وزير معتمد لدى رئيس الحكومة التونسي مكلف بحقوق الإنسان والعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني في حكومة إلياس الفخفاخ. في هذا المنصب، أمر بنشر التقرير الختامي الشامل لهيئة الحقيقة والكرامة في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
وحاليا يترأس العياشي الهمامي الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات.
كرئيس للهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات، كيف تقرأ المشهد الحقوقي في البلاد منذ انطلاق مسار 25 جويلية؟
في الواقع منذ “انقلاب” 25 جويلية 2021، تراجع الوضع الحقوقي تونس شيئا فشيئا إلى درجة الاختناق، وقد بدأ هذا المسار بضرب استقلالية القضاء وتشويه سمعة المعارضة وكل مخالف له في الرأي، ثم سجن المعارضين وتنظيم محاكمات صورية، إلى جانب وضع المهاجرين والخطاب العنصري وهو ما خلق جو من الاحتقان والتوتر، وما نستنتجه أنه هناك تضييق كبير على مجال الحريات في البلاد إلى درجة أننا بتنا من الدول التي يشهد فيها الوضع الحقوقي معاناة كبيرة.
هل تعتقد أن إيقاف المحامي أحمد صواب سيدفع نحو توحيد المعارضة التونسية؟
إيقاف أحمد صواب هو حلقة جديدة من حلقات التضييق على الحريات وضرب الأصوات المخالفة سلطة، حيث وقع توظيف القضاء والقانون لضرب واستهداف المستقلين. لكن لا أدري إن كان إيقاف صواب هو علامة فارقة لتوحيد المعارضة أم لا. لكن لا شك أنه حلقة جديدة في المسار الانقلابي لضرب الحريات واستهدافها.
ذكرت مؤخرا أنه هناك حراك فكري سياسي في البلاد يمكن المراهنة عليه لفتح أفق جديد، كيف ذلك؟
في الواقع ذكرت هذا التصريح انطلاقا من تحليل شخصي، حيث أرى أن هناك جيلا من الشباب الواعي الذي بوسعه تغيير الأوضاع سواء على مستوى الحقوق والحريات أو على مستوى اقتصادي واجتماعي وثقافي، يمكن الرهان على هذا الجيل الذي يتمتع بايجابيات أهمها أنه ليس مكبلا بالعقدة الأيديولوجية، هو إجمالا مساند للحريات والديمقراطية ومع فتح الآفاق، كما ينادي بالتنمية الشاملة، هو اختار مسار التفكير الايجابي الغير مبني على نفي الآخر، وهذا الجيل الذي يتمتع بتجربة لا بأس بها ليس مكبلا بالأحقاد الأيديولوجية التي عانت منها الأجيال القديمة من المعارضة، كلي أمل في هذا الجيل حتى يفتح الطريق، ويساعد على إخراج البلاد مما تعاني منه من أزمات.
ما رأيك في هذا النقاش وهذا التصنيف: ديمقراطية محافظة في مقابل ديمقراطية تقدمية؟
حسب تقديري هذا نوع من البذخ الفكري الذي لا نملك الحق في نقاشه والتركيز فيه كثيرا اليوم، حيث لا توجد ديمقراطية بالأساس حتى نصنفها ديمقراطية محافظة أو ديمقراطية تقدمية، في دول أخرى توجد هذه التصنيفات، كما توجد أسس مشتركة للديمقراطيات، وهي التداول السلمي على السلطة، تنظيم انتخابات بصفة دورية، حق المعارضة في النشاط بعد انتهاء الانتخابات، احترام الرأي والرأي الآخر واحترام كرامة الإنسان وحرية الصحافة، هذه هي الأسس المشتركة في الأنظمة الديمقراطية في العالم. نحن لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، وصلنا إلى مثل هذه المكاسب في فترة ما بعد ثورة يناير لكن تراجعنا عنها فيما بعد ذلك، وبرأيي نحن بحاجة إلى العمل المشترك لتحقيق الأسس المشتركة للديمقراطية لكي نسمح لأنفسنا بعد ذلك للاختلاف في التصنيفات بين محافظين وغيرهم.
هل تعتقد أن المعارضة تمتلك البرامج والبدائل القادرة على تحقيق تغيير يلبي تطلعات الشارع التونسي خاصة على صعيد اجتماعي واقتصادي؟
على مستوى نظري هناك برامج موجودة في أدبيات الحملات الانتخابية السابقة، ولدى هذه الأحزاب والتكتلات برامج اجتماعية واقتصادية تراهن على تطبيقها في حال وصولها إلى السلطة. لكن كملاحظة عامة فإن هذه البرامج ليست دقيقة تماما، وليست مرتبطة بالواقع المالي لتونس، لا توجد في المشاريع المقترحة لبناء جامعات أو مستشفيات على سبيل المثال مصادر المال والتمويل، هذا غير واضح في هذه البرامج، كما نعتقد أنه من الصعب تحسين أوضاع البلاد في فترة قصيرة بسبب تردي جميع القطاعات.
وفي تقديري يجب أن تضع البرامج المقترحة أولويات لتطبيقها وفق خطة طويلة الأمد، والتركيز على معالجة القطاعات بالترتيب، وهو ما يشترط استقرارا حكوميا، كما يتطلب معرفة دقيقة بالقطاعات والملفات ورصد التقارير والأرقام والإحصائيات بخصوصها، وهو غير متوفر حاليا لدى المعارضة ولدى السلطة. ولمعالجة الأوضاع وتحسين واقع التونسيين، يقتضي ذلك إعادة فتح مجالات الحرية وأخذ العبرة من الماضي، والاتفاق عبر كتلة تاريخية لسن برنامج اقتصادي واجتماعي والمضي فيه، وعدم الانقطاع عنه بسبب الانتخابات لبناء أسس الدولة الاجتماعية.
عبرت في تصريح سابق عن مساندتك لأي خطوة تعمل على إرساء حوار بين جميع الأطراف، هل برأيك مازالت هناك فرصة لتنظيم حوار وطني شامل في تونس؟
يجب السعي وراء هذه الفرص، لا يمكن أن تأتي بمفردها، يجب الدفع نحو الالتقاء حول كيفية الخروج من الأزمة، قيس سعيد يعتبر أن لقاءات من هذا النوع هي تآمر على أمن الدولة، وهو ما حدث في القضية المعروفة بالتآمر على أمن الدولة، وأنا أحد متهميها، كنا نلتقي بصفة سلمية في لقاءات سياسية في مقرات أحزاب وغيرها وفي أماكن عامة وعادية، لكن السلطة تمنع ذلك وتعتبره تآمرا عليها، لكن لا يوجد طريق آخر لنقاش الأوضاع والبحث عن حلول مشتركة، السلطة من جهة تعترف بوجود أزمة، ومن جهة أخرى تمنع بقية الأطراف بنقاشها.
حسب تقديرك، ماهي أبرز الحلول للخروج من حالة الانسداد السياسي بالبلاد؟
ليس هناك حل غير المثابرة كمحاولة للخروج من الأزمة، ما لم يأتي إلى الآن بمحاولة يأتي بمزيد من المحاولة، خاصة أن النظام الحالي أضر بالبلاد كثيرا، وليس بوسعنا سوى المحاولة بطرق سلمية وبأكثر هدوء ممكن، لكن لا يخفى أن الوضع مفتوح على انفجار، وما علينا إلا أخذ العبرة من الماضي، واستيعاب دروس تجربة الانتقال الديمقراطي بعد الثورة التي فشلت في تحقيق تنمية شاملة ما جعل الشارع ينفر منها، وللنجاح التجربة في المرة القادمة علينا إقران التنمية بالديمقراطية، هذا هو الحل السحري، هو الدمج بين هذين العنصرين الأساسين لإنقاذ البلاد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس