الغنّوشي، التمساح الذي إلتهم الأفعى!‎

57

بقلم : ناصر الرقيق

كيف حوّل الغنوشي هزيمة النهضة لإنتصار ؟

ذات يوم من 2013 حين أرغمت النهضة على التنازل عن الحكم، لم ينم الغنّوشي ليلته وهو يفكّر في طريقة ما لتهدئة قواعد حزبه الغاضبةعلى قرار حمادي الجبالي رئيس حكومة النهضة وقتها بالدعوة لتشكيل حكومة تكنوقراط أو الإستقالة غداة إغتيال شكري بلعيد.

إستقال الجبالي و إستطاع الغنوشي الخروج من المأزق و ظلّ يصارع منفردا حتّى أُرْغِمَ على التنازل ثانية بعد الإطاحة بحكومة النهضةالثانية، حكومة علي العريض إثر إغتيال ثان.

أدرك الغنوشي وقتها أنّ المعركة الحقيقة ستبدأ الآن، فبعد أنّ كان يصارع أفعى برأس و جسم أضحى يصارع أفاعي صغيرة بعدما قَطع”17 – 14″ رأس الأفعى فتناثرت أجزاؤها منبتة رؤوسا في كلِّ مكان، تنازل الغنوشي مجددا بعد أن قال ” إلّي يحب يعمل السياسة في تونس لازمو جلد تمساح”، و هذا سيكون شعار المرحلة القادمة في تعامل الغنوشي مع الواقع السياسي الجديد في تونس ما بعد الإغتيالات حيث أدرك أنّ رأسه و من وراءه رأس حركته أصبحا مطلوبين أكثر من أي وقت سابق خاصة مع تعالي أصوات خصومه من اليسار متهمة إيّاه بتدبير الإغتيالات داعية في الوقت ذاته لإستنساخ التجربة الدموية المصرية في تونس لكنّ الغنوشي كان لا يريد دماءا جديدة كتلك التي سالت في سنوات الجمر و مازالت لم تجفّ بعد.

أدرك الغنوشي وقتها أنّ الوضع ليس في صالحه إن لم يتنازل و أنّه قد يعاد سيناريو التسعينات و إن بإخراج جديد و بممثلين جدد سيكونون بلا شك أشرس ممن سبقهم تغذّيهم في ذلك أحقادهم الإيديولوجية و يشجّعهم ما حدث في مصر و يحدث في سوريا، تنازل الغنوشي مرةأخرى و كاد يخسر معركته على يد أبناءه بعد أن ثار عدد منهم في وجهه متهمين إيّاه بالتفريط في دماء الشهداء و في الثورة و إضاعة البوصلة و المضي في طريق لا عودة منه لكنّه مع ذلك صمد و إستطاع أن يصل بالنهضة لإنتخابات 2014 موحّدة و عينه على خصمه الصاعد الجديد ” نداء تونس ” الذي جمع كلّ القوى المعادية للنهضة حينها أدرك الغنوشي أنّ الأفعى عادت.

بعد إنتخابات 2014 إقترب الغنوشي من الأفعى فتحالف معها و كأنّه كان يريد معركة قريبة و صامتة بين أفعى و تمساح فإمّا ترصّه فتكسر ضلوعه و إمّا يلتهمها بعد أن يفرغ سُمَّها، لم يردها معركة في مساحة واسعة فهو يدرك جيّدا خطر الأفاعي حين تترك لها حرية الحركة لذلك سعى لتقليص مساحة المعركة، فدخل تحالفًا حكوميًا مع نداء تونس و بتنازلات أكثر مرارة من سابقاتها و لكنّ الغنوشي كان يخطط لأمور أخرى، فقد كان يدرك جيّدا أنّه كلما إقترب من النداء إلاّ وزادت حدّة خلافاته لأنّه جمع أجزاء متناقضة من الإنتهازيين و الفارّين من المحاسبة و الباحثين عن بقايا فتات الحكم، ثمّ زاد في تنازله عن الرئاسات الثلاث للنداء دافعًا به نحو التورّط في الحكم شبه منفرد و برقابة لصيقة من النهضة من وراء الستار حتى تكون على بيّنة مما يحصل داخل الدولة.

لم يصمد النداء كثيرا فتفتّت بأسرع مما كان متوقّعا و وجد الغنوشي نفسه من جديد في واجهة الأحداث فسعى للدفع بها للأمام و وقف سُدًّا حصينًا حين حاولت بقايا النداء و من وراءها الرئيس إقالة حكومة يوسف الشاهد سعيا منها لإرباك الأوضاع في الوقت الذي كان فيه الغنوشي يبحث عن شيء من الإستقرار لإستكمال الإستحقاقات المنتظرة، نجح الغنوشي في منع الإطاحة بالحكومة، فَتمت المصادقة على قانون الجماعات العمومية المحلية و تمت الإنتخابات البلديّة التي فازت فيها النهضة ثم بعدها بسنة أجريت الإنتخابات الرئاسية و التشريعية ليخرج الغنوشي و النهضة بأخفّ الأضرار حيث بقيت النهضة الحزب الأوّل رغم تراجع حجم تمثيلها النيابي، و مُنْهِيًا بذلك أسطورة المنظومة وأفعاها التي أطبقت على صدور التونسيين لقرابة ستين سنة.

اليوم زمن جديد، قال فيه الغنوشي قولته الثانية ” مضى عهد التنازلات” راسما بذلك الحدود السياسية للمرحلة القادمة، فالنهضة جاهزة للحكم لكن دائما بالشراكة مع الآخرين، يدرك الغنوشي جيّدا أنّ من يدعوهم اليوم لمشاركته الحكم كانوا في السنوات الماضية مجرّد ” فَرَايْجِيَّة” على معركته مع الأفاعي و بذلك فهم يدركون جيّدا مدى قوّة جلد التمساح و أنيابه التي نبتت له، لذا فهم خائفون من الإقتراب، فهل ينجح في طمأنتهم ؟ و إقناعهم بأنّهم ليسوا أفاعي حتى يلتهمهم التمساح.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here