آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. اعتبر حسان القبي، أستاذ الاقتصاد السياسي، في حواره مع “أفريقيا برس” أن ” تعثر قطار الصلح الجزائي عمق من متاعب الاقتصاد التونسي، بعد رفض رجال الأعمال مبادرة الرئيس قيس سعيد بإرجاعهم الأموال المنهوبة مقابل مغادرتهم السجن، حيث رفض غالبيتهم هذا المسار وخيروا إما البقاء في السجن أو الهروب خارج البلاد.”
ورأى أن”عدم قبول مسار الصلح الجزائي، مظهر من مظاهر التعثر الاقتصادي، حيث كان بالوسع أن يكون حلا سويا لأزمات تونس”، وفي تقديره فإن” السجن ليس حلا والهروب إلى الخارج ليس حلا، ولكن إرجاع جزء من أموال الشعب التونسي، مع المواصلة في العمل والإنتاجية قد يكون هو الحل المرضي للجميع، سواء لرجال الأعمال أو للدولة التونسية أو حتى لعموم الشعب التونسي”.
وأشار إلى أن” حكومات ما بعد 25 جويلية هي حكومات هزيلة، وحتى قراراتها الاقتصادية لا تتناسب مع طموحات الشارع، كما أن “وضعية الاقتصاد التونسي صعبة”، لافتا أنه” نادينا منذ اليوم الأول من مسار 25 جويلية بضرورة أن تكون هناك حكومة اقتصادية بحتة، وحتى طالبنا الاستنارة برأي العديد من الجامعيين التونسيين المختصين في العلوم الاقتصادية والكفاءات التي تشهد لها الجامعات الدولية والمحلية، لكن للأسف لم يقع الإصغاء إلينا”، وفق تعبيره.
ود. حسان القبي، هو أستاذ باحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، يُدَرّس العلوم الاقتصادية والعلاقات الدولية بالجامعات الفرنسية ومدارس التجارة. حصل من المدرسة العليا للتجارة بتونس على شهادة البكالوريوس في العلوم التجارية في اختصاص المالية، ومن ثم التحق بكلية العلوم الاقتصادية والتصرف بصفاقس، حيث نال درجة الماجستير في الديناميكية الاقتصادية والمالية.
وانتقل بعد ذلك إلى فرنسا لإكمال رسالة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية بجامعة ليون الفرنسية، حيث ناقش أطروحة الدكتوراه تحت عنوان: “عدم الاستقرار السياسي وتأثيره في التنمية الاقتصادية”، وقد نشر د. القبّي العديد من البحوث في مجلات علمية محكمة ومصنفة من المجلس الوطني للبحث في فرنسا.
ماهو تقييمك للمشهد الاقتصادي التونسي بعد مرور أربع سنوات على انطلاق مسار 25 جويلية؟
بعد مرور أربع سنوات على انطلاق مسار 25 جويلية، بعد قرار تاريخي بإزاحة تنظيم الإخوان من الحكم في تونس، وبعد كل تلك العبثية السياسية التي سادت المشهد، لا بد من التذكير أن تونس كانت على مشارف الإفلاس في ذلك الوقت، وقد جاءت القرارات حاسمة بتلبية مطالب الشعب التونسي وإبعاد عبثية الإخوان عن الحكم.
لكن مع ذلك، مازال المشهد الاقتصادي التونسي يشكو إلى الآن عديد النقائص خاصة وأننا نادينا منذ اليوم الأول من المسار بضرورة أن تكون هناك حكومة اقتصادية بحتة، وحتى طالبنا الاستنارة برأي العديد من الجامعيين التونسيين المختصين في العلوم الاقتصادية والكفاءات التي تشهد لها الجامعات الدولية والمحلية، لكن للأسف لم يقع الإصغاء إلينا.
وبرأيي كانت الحكومات المتعاقبة منذ 25 جويلية حكومات هزيلة، وحتى قراراتها الاقتصادية لا تتناسب مع طموحات الشارع، كما شكل تغيير الحكومات بشكل متتالي نقطة الضعف جلية في الأداء الحكومي، على غرار عدم وجود برنامج اقتصادي واضح، إضافة إلى أن العديد من اللوبيات مازالت متمرسة في عديد القطاعات مثل قطاع البنوك، الذي لا يساهم بالمرة في التنمية الاقتصادية في تونس، بل هو قطاع يمتص جهد ودم التونسيين، كذلك المشكلة العويصة في الإدارة التونسية، التي لم تتجاوب مع القرارات التاريخية لرئيس الجمهورية للأسف، وقد كانت بمثابة حجر عثرة أمام عديد المشاريع، على غرار البيروقراطية المستشرية بالبلاد، لذلك يمكن توصيف الوضعية الاقتصادية في تونس صيف 2025 بأنها وضعية اقتصادية صعبة، والمواطن التونسي يعاني الأمرين في المستوى المعيشي والاستهلاكي.
هل نجح هذا المسار في تحقيق تطلعات التونسيين على صعيد الاقتصادي والاجتماعي؟
فيما يخص المسار الاقتصادي والمسار الاجتماعي، للأسف باستثناء قرارات شخصية من رئاسة الجمهورية، مثل انتداب الأساتذة المتعاقدين في التعليم الثانوي، فإنه لا يوجد في الواقع إرادة حقيقية أو سياسة دولة حقيقية أو خطة حكومية حقيقية لتحسين الأوضاع، فالوضع الاقتصادي صعب جدا مع تواصل ارتفاع مؤشر الفقر، وهو ملموس حتى بالعين المجردة حين نلاحظ أن الطبقة المتوسطة التي كانت المحرك الأساسي لاقتصاد تونس من خلال ارتفاع معدل استهلاكها، إلا أنه وقع تفقيرها على مدى العشر سنوات الأخيرة، حتى أننا بتنا نتحدث عن ثورة مزيفة، في حين أن الثورة الحقيقية لم تخلق على امتداد العشر سنوات الأخيرة، وهو ما جعل طيف واسع من التونسيين يعود بهم الحنين إلى ما قبل 14 جانفي/ يناير2011.
لماذا تأخر تحقيق الصلح الجزائي في تونس، لماذا مازلت هذه المبادرة تراوح مكانها إلى الآن؟
بالنسبة للصلح الجزائي، فقد حاول بعض رجال الأعمال التحالف مع الإدارة التونسية بهدف تعطيل هذا المسار، أغلب رجال الأعمال رفضوا هذا المسار، وخيروا إما السجن أو الهروب خارج تونس، هذه الحقيقة المرة، وهي من أهم عوامل تأخر الاقتصاد التونسي والتضخم غير المسبوق بسبب تراجع المداخيل من العملة الصعبة، قبل 14 جانفي 2011 كانت أهم مداخيل رجال الأعمال من العملة الصعبة تدخل للبلاد التونسية يوميا، لكن اليوم في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي باتوا يفضلون تصدير منتجاتهم التونسية وترك العملة الصعبة في الخارج، هذا ما زاد في تعثر الاقتصاد التونسي وزاد في ارتفاع سعر الصرف بالنسبة للعملة الأجنبية مقابل الدينار التونسي وهو مظهر من مظاهر التعثر الاقتصادي، رجال الأعمال خيروا إما السجن أو مغادرة تونس وعدم قبول مسار الصلح الجزائي الذي كان بوسعه أن يكون حلا سويا من وجهة نظري لأزمات تونس، وبرأيي كرجل اقتصاد أرى أن السجن ليس حلا والهروب إلى الخارج ليس حلا، ولكن إرجاع جزء من أموال الشعب التونسي، مع المواصلة في العمل والإنتاجية قد يكون هو الحل المرضي للجميع، سواء لرجال الأعمال أو للدولة التونسية أو حتى لعموم الشعب التونسي.
أي تداعيات للرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على تونس؟
المبادلات التونسية الأمريكية لا تمثل رقم مهما، وفي تقديري الشخصي لن يتأثر جراء هذه الرسوم سوى قطاع زيت الزيتون فهو قطاع مصدر للولايات المتحدة بكميات محترمة جدا. مع ذلك، حين نشاهد النسبة التي فرضتها الإدارة الأميركية على تونس والنسبة التي فرضت على الاتحاد الأوروبي، يجعلنا نستنتج أن نبقى في تنافسية بيننا وبين الاتحاد الأوروبي في مستوى تصدير زيت الزيتون إلى الولايات المتحدة.
عموما لا أعتقد أن صادراتنا كبيرة جدا إلى الولايات المتحدة، ويبقى شريكنا الاقتصادي الأول هو الاتحاد الأوروبي، ثم الدولة الأكثر شراكة ضمن الاتحاد الأوروبي، هي دولة فرنسا كما يعلم الجميع،. بالنسبة للولايات المتحدة، كما ذكرت فإن قطاع الزيت هو الذي سيتأثر في السنوات القادمة بحكم هذه الرسوم الجمركية، والتي قد يقع إلغائها في أي وقت من قبل دونالد ترامب المزاجي، والذي فرضها بنسب مختلفة على عديد دول من العالم.
ذكرت في تصريح مؤخرا أن ترامب يريد ضرب الوحدة الأوروبية عبر رسومه الأخيرة كيف ذلك؟
بطبيعة الحال حين يصرح دونالد ترامب أن الاتحاد الأوروبي خلق لمنافسة الولايات المتحدة الأميركية، نفهم من هنا النية المبطنة بالنسبة لترامب هو ضرب الوحدة الأوروبية، وقد رأينا خلال المفاوضات الأخيرة على سبيل المثال حالة الانبطاح الألماني التام لرغبات ترامب، في حين أن فرنسا حاولت التصعيد من خلال تصريحاتها، وقالت أنها ستواجه وترد على ترامب بقرارات موجعة بالنسبة للاقتصاد الأميركي، في حين أن ألمانيا خيرت أن تذهب في مسار متفرد من أجل إيجاد صيغة تفاوضية مع واشنطن، وربما هنا سيخلق انشقاقات داخل الاتحاد الأوروبي.
وفي تقديري الاتفاق الأخير مع الولايات المتحدة كان اتفاقا مهينا جدا بالنسبة للأوروبيين، وآثاره الاقتصادية ستعمق من مشاكل أوروبا أكثر والتي بدأت مع أزمة الكوفيد من خلال التضخم، والأزمة الطاقية التي جاءت أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وأخيرا ستكون القطرة التي ستفيض الكأس في فرنسا، فرغم أنها وعدت بعدم الترفيع في سعر الكهرباء فإن ميزانية 2026 ستقر ترفيع في القيمة المضافة للكهرباء بنسبة 25 بالمئة، ونترقب تحركات اجتماعية كبيرة في فرنسا وحتى في عموم أوروبا جراء هذه القرارات.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس