إلهام اليمامة
أفريقيا برس – تونس. عاد الحديث حول المحكمة الدستورية في تونس هذه الأيام بعد أن تقدّم نواب في البرلمان التونسي بمقترح مشروع قانون لتنظيم عمل هذه المحكمة التي تعطل وضعها لأكثر من 10 سنوات. وبينما أشاد متابعون بهذه الخطوة لكسر الجمود الذي يحيط بملف انتاب أعضاء المحكمة الدستورية قلّل آخرون من أهميتها واعتبروا أنها خطوة “شكلية” من نواب موالين للرئيس لن تجد لها طريقا لتتحقّق خاصة في ظل الظرف الراهن واستمرار العمل بالأحكام الانتقالية.
وأودع نواب كتلة “لينتصر الشعب” المساندة للرئيس قيس سعيد وكتلة “الوطنية المستقلة” ونواب آخرون غير منتمين، مشروع قانون أساسي لوضع المحكمة. وقال رئيس كتلة “لينتصر الشعب” علي زغدود “نرى اليوم أن المحكمة الدستورية ضرورة حتمية لاستكمال البناء الدستوري واستمراره”.
وتم إحداث هذه الهيئة القضائية المستقلة بموجب دستور 2014، لكن وجودها لم يتجاوز هذا الإعلان، وظلت المحكمة الدستورية في تونس ضرورة مؤجّلة رغم أن الجميع يتفق على أنها خطوة مهمة في تحقيق الاستقرار السياسي وهو حجر الزاوية في النظام الديمقراطي الذي تطلّع إليه التونسيون يوم 14 جانفي 2011 ويوم 25 جويلية 2021.
وقال أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي لـ”أفريقيا برس”: “هناك مجموعة من النواب قدموا مقترح قانون لكن مازال لم ينشره المجلس على موقعه كمقترح حتى يأخذ الصبغة الرسمية، وبالتالي الحديث عن هذا المشروع وإلى أي مدى يمكن أن يجر الجمود في ملف المحكمة الدستورية سابق لأوانه”.
لكن ذلك لا ينفي أن هذا المشروع “مبادرة مهمة جدا”، وفق رابح الخرايفي الذي يضيف أن “السؤال الذي يثير النقاش من جديد وبعمق اليوم هو هل سيحيل مكتب المجلس المشروع إلى اللجنة المختصة أم لا”.
ويرى متابعون أن الكفة تميل إلى الرفض حيث لا تبدو المحكمة الدستورية اليوم على طاولة اهتمامات الرئيس قيس سعيّد، بل إن تشكيلها قد “لا يكون مفيدا له” في هذه المرحلة مع تصاعد غضب المعارضة وظهور تململ في الشارع التونسي.
فمن اختصاصات المحكمة الدستورية “إعفاء رئيس الجمهورية”، ووفق بمقتضى القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015: “يعرض رئيس مجلس نواب الشعب على المحكمة الدستورية لائحة إعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور بعد الموافقة عليها بأغلبية الثلثين من أعضاء مجلس نواب الشعب في أجل لا يتجاوز ثمانية وأربعين ساعة وتكون اللائحة معللة.
ويقول المحامي يوسف بن محمد لـ”أفريقيا برس”: إن “وجود محكمة دستورية سيسمح بالطعن في بعض قرارات الرئيس أو القوانين التي يصدرها، مما قد يحد من سلطته. لذا، فإن غيابها يمنع أي جهة من مراقبة قراراته أو الاعتراض عليها دستوريا”.
بعد المصادقة على دستور 2014، كان من المفترض تشكيل المحكمة الدستورية، لكنها لم تُفعَّل بسبب التجاذبات السياسية وفشل نواب مجلس الشعب في الاتفاق على أعضائها. ويحمل المتابعون حركة النهضة مسؤولية هذا التعطيل، الذي أعقبه لاحقا رفض الرئيس قيس سعيد غداة انتخابه عام 2019 الإمضاء على تأسيس المحكمة بدعوى تجاوز الآجال القانونية قبل أن يطيح بالنظام السياسي في 2021 ويضع دستورا جديدا عام 2022.
ووفق دستور 2014، تتكون المحكمة الدستورية من 12 عضوا، ينتخب البرلمان ثلثهم ويعين الرئيس الثلث، فيما ينتخب المجلس الأعلى للقضاء الثلث المتبقي من بين أعضائه. لكن، وفق دستور 2022، تنص المادة 125 على أن المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة تتألف من تسعة أعضاء يتم تعيينهم بأمر من رئيس الجمهورية.
وأوضح المحلل السياسي والصحفي التونسي بسام حمدي: “ينظر إلى البرلمان من قبل المعارضة على أنه مكتب ضبط للسلطة اقتصر دوره على تمرير القوانين. ومن خلال هذه المبادرة التشريعية يريد النواب أن يتخلصوا من الصورة النمطية ويؤكدون أنهم نواب فاعلون”.
ويؤدي غياب المحكمة الدستورية إلى نظام تُلغى فيه الروابط الضرورية بين أجهزة الدولة ويخلق ثغرات قابلة للاستغلال. ويقول الخبراء والمعارضة إن تعطيل وضع المحكمة الدستورية تسبب في عرقلة النظر في النزاعات الدستورية وقضايا الاختصاص بين المؤسسات الدستورية، ومن بينها أيضا النزاعات الانتخابية التي رافقت الانتخابات الرئاسية لعام 2024 وفاز فيها الرئيس قيس سعيد بولاية ثانية.
وطيلة السنوات الماضية، كان للتجاذبات والصراعات بين مختلف مكوّنات الطبقة السياسية التونسية الأثر على مسار إرساء المحكمة الدستورية رغم تواتر الدعوات من قبل المختصين في القانون المنادية بضرورة التسريع في إتمام هذا المسار من أجل إتمام بناء مؤسسات الدولة وضمان حدّ أدنى من استقرارها من جهة أخرى.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس