المهاجرون على محك صعود اليمين المتطرف في أوروبا

83
المهاجرون على محك صعود اليمين المتطرف في أوروبا
المهاجرون على محك صعود اليمين المتطرف في أوروبا

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. أثبتت نتائج الانتخابات الأوروبية التي أفرزت صعود اليمين المتطرف أن “الشعبوية اليمنية” ليست موجة عابرة بل توجّه اشتغل منذ سنوات على القاعدة الشعبية المجتمعية، واليوم يشقّ طريقه بثقة نحو كسب نفوذ أكبر في رسم السياسات وصناعة القرار الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بالمهاجرين، الشرعيين وغير الشرعيين، والعلاقات الدولية، ومنها العلاقات التاريخية مع أفريقيا، التي شهدت تغييرات في السنوات الأخيرة خاصة في عهد ايمانويل ماكرون.

إثر الإعلان عن فوز اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي، فاجأ الرئيس الفرنسي الداخل والخارج بقرار حل الجمعية الفرنسية والدعوة إلى انتخابات تشريعية في 30 يونيو/جوان الحالي. ويقول خبراء إن هذا القرار لن يكون له تأثير كبير بل بالعكس جعل الأمر أكثر خطورة على مستوى تأثير أحزب اليمين المتطرف والممارسات العنصرية الشعبية والمجتمعية.

ويشير خبراء إلى أن من أبرز أسباب النقلة الكبرى التي حققها حزب “إخوة إيطاليا” اليميني المتطرف الذي تتزعمه رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، وتصدره النتائج بنسبة 31% من الأصوات، مردّه سياسته في ملف الهجرة وما حققته ميلوني خاصة صفقتها مع تونس للحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين عبر السواحل التونسية إلى إيطاليا ومنها إلى أوروبا.

بنت أوروبا نهضتها الاقتصادية بأيادي المهاجرين، وعلى مدى عقود كانت الأبواب مفتوحة للمهاجرين الشرعيين، والأعين مغلقة عن المهاجرين غير الشرعيين، لكن اليوم لم تعد الدول الأوروبية دول استقبال بل صارت دولا طاردة للمهاجرين.

ووفق تقارير وتحليلات أوروبية مختلفة، الخطير في الأمر أن نسبة كبيرة من الناخبين هم من جيل Z، أي من الشباب الذي لم يعاصر خطابات جان ماري لوبن وغيره من القادة التقليديين لليمين المتطرف. هذا الجيل كبير في أوروبا متأزم اقتصاديا، تأثر بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والأزمة الاقتصادية، وصولا إلى الحرب في أوكرانيا.

يعتبر هذا الجيل المهاجرين منافسا له في فرصه سوق الشغل ويستأثرون بالمساعدات الاجتماعية والاقتصادية التي تحصلها الدولة من الضرائب، ثم زاد الأمر حدة مع أزمة اللاجئين السوريين والطفرة الحاصلة في الهجرة غير الشرعية خلال عشرية “الربيع العربي”، ما دفع المجتمعات الأوروبية نحو الانغلاق على نفسها ورفض الآخر.

أصبحت الهوية والهجرة “القوة المحركة” لليمين المتطرف في أوروبا، وغذّا هذه الموجة تقادم سياسات أحزب الوسط واليسار وحتى اليمينية المعتدلة. وكانت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان، أكدت، إثر الإعلان عن انتخابات تشريعية مبكرة، أن حزبها “مستعد للدفاع عن مصالح الفرنسيين، ومستعد لوضع حد لمسألة الهجرة”.

ويؤكد رمضان بن عمر، رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن النتائج التي حققتها أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا يعزز المخاوف بخصوص وضعية المهاجرين، ويضع على طاولة المتابعة ملف المهاجرين غير الشرعيين والمعرضين للترحيل القسري.

قوانين صارمة ضد المهاجرين

في تصريحات لـ”أفريقيا برس”، يقول الناشط الحقوقي والنائب السابق المقيم في إيطاليا مجدي الكرباعي: “لا استغرب صعود اليمين المتطرف في أوروبا ما دام هناك دول تساعد هذا اليمين في برامجه الخاصة بالهجرة (مثل تونس، ليبيا، مصر)”.

في استطلاع أجراه معهد “إيبسوس” حول النقاط الحاسمة للتصويت في الانتخابات الأوروبية شكلت الهجرة “الموضوع الرئيسي” لدى 23 في المئة من الفرنسيين الذين أكدوا نيتهم التصويت، متقدمة على القدرة الشرائية (18 في المئة). واعتبر 43 في المئة من المستطلعين أن هذا العنوان هو واحد من ثلاثة أسباب تدفعهم إلى التصويت.

ويقول الكرباعي “حملات اليمين المتطرف الانتخابية ارتكزت على الترويج للاتفاقيات التي تم إبرامها مع هذه الدول، انخفاض المهاجرين مثلا في إيطاليا بنسبة 60 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية كان نقطة رئيسية في خطابات أحزاب اليمين المتطرف ليقنع بها الناخب الأوروبي الذي صار يعتبر هذه الأحزاب أحزاب قول وفعل وأعطاها ثقته”، مشددا بالقول “اليوم نحن ندفع ثمن سياسات دولنا. وأتوقع أن ستصدر قوانين أخرى وصارمة ومتعسفة ضد المهاجرين”.

واللافت أن الأمر تجاوز الداخل الأوروبي ليشمل فرنسيين يعيشون في أفريقيا، حيث يكشف تقرير أعدته قناة RFI أن التصويت لصالح أحزاب اليمين المتطرف زاد بشكل ملحوظ لدرجة أن الأحزاب المعادية للأجانب كانت في المقدمة في عدة عواصم.

وفي ذات السياق، جاء في تقرير لمجلة “جون أفريك”؛ جاء فيه “لا يزال إعلان إيمانويل ماكرون المفاجئ عن قراره حل الجمعية الوطنية، في الدقائق التي تلت إعلان نتائج الانتخابات الأوروبية وفي مقدمتها اليمين المتطرف، يؤجج المشهد السياسي في فرنسا. هناك درس واحد مستفاد من هؤلاء الأوروبيين لم يتم التعليق عليه وتحليله إلا قليلاً: الزيادة القوية في التصويت لليمين المتطرف بين الفرنسيين الذين يعيشون في أفريقيا”.

“عدو” أفريقيا

تذهب مجلة “humanite” الفرنسية إلى أبعد من ذلك، لافتة إلى تداعيات فوز اليمين المتطرف في أوروبا لن تؤثر فقط على المهاجرين في هذه الدول بل ستطال عمق الدول الأفريقية وسياستها في وقت بدأت فيه القوة الفرنسية خصوصا ترتخي وتفقد حظوتها في عدد من دول القارة.

وتحت عنوان “الجبهة الوطنية، عدو أفريقيا والوحدة الأفريقية”، كتبت المجلة لافتة: “مثل شريحة من الفرنسيين الذين يعتقدون أن وقت “اختبار” وصفات التجمع الوطني قد حان، يعلن بعض الناشطين العرقيين من “الوحدة الأفريقية” أن هذا الحدث من المرجح أن يجدد العلاقات بين فرنسا وأفريقيا. ومن الضروري تجاهل طبيعة وتاريخ وأيديولوجية اليمين المتطرف الأوروبي للموافقة على ذلك”.

ويضيف التقرير أن “الجبهة الوطنية لمارين لوبان وجوردان بارديلا وريثة المنظمات والجماعات شبه العسكرية التي عارضت الحركات القومية الأفريقية – تلك التي دعمت نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

إن أسرة لوبان تجعل من أفريقيا وبعض رؤساء دولها مصادرا للتمويل. مارين لوبان، رغم انتقادها لفرنسا، تعمل على تنمية الشبكات هناك. وفي عام 2017، استقبلها إدريس ديبي. وفي يناير 2023، ذهبت إلى السنغال للقاء ماكي سال… وعدت مارين لوبن بحدوث تمزقات في سياسة فرنسا الإفريقية، بينما صوتت لصالح الحفاظ على أدوات السياسة الإمبريالية الفرنسية (العمليات العسكرية، الفرنك الأفريقي/الفرنك الإيكولوجي، الفرانكفونية ذات المركز الفرنسي، وما إلى ذلك). إنها تريد منع تحويلات الأموال من العمال المهاجرين إلى أسرهم. وفي عام 2022، حصلت من إيمانويل ماكرون على وقف مساعدات التنمية العامة لمالي”.

يخلص التقرير إلى أن “حزب الجبهة الوطنية يحمل أيديولوجية متطرفة ومعادية للأجانب وعنصرية وعنيفة. ولن يتخلى عن سياسة القوة التي تنتهجها فرنسا في أفريقيا. وسيصبح أنصار الوحدة الأفريقية اليساريون أهدافا رئيسية في الحرب المتجددة ضد التطلعات السيادية للمجتمعات والشباب الأفارقة”.

يبدو أن أوروبا وصلت إلى ذروة الشعوبية، فيما تتجه الأبصار إلى الانتخابات الأميركية 2024 وحظوظ دونالد ترامب في الفوز، ما يضع ملف الهجرة على المحك، وما يعني أن العالم مقبل على “فوضى” جديدة وسياسات غير متوقعة على مختلف الأصعدة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here